إلى السيد جون بولتون.. لنخرج من إحساس الإحباط إلى الفعل في قضية الصحراء المغربية

الأربعاء 19 دجنبر 2018

بقلم : الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال

عبر السيد جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي قبل أيام خلال ندوة احتضنتها مؤسسة “هيرتج” بواشنطن، عن شعوره بـ”الإحباط الكبير” إزاء عدم تسوية نزاع الصحراء المغربية، بعد 27 سنة من إطلاق الأمم المتحدة لمسار التسوية.

وبصفتي أمينا عاما لحزب الاستقلال، هذا الحزب الذي قدم في 11 يناير 1944، وثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية إلى جلالة المغفور له محمد الخامس، والمتجذر في الأقاليم الصحراوية للمملكة المغربية، أتفهم وأتقاسم إحساس الإحباط الذي عبر عنه هذا المسؤول السامي في الإدارة الأمريكية.

ولكن ليس لنفس الأسباب !

بالنسبة إلينا كمغاربة فإن إحباطنا أكبر، ويمتد لأكثر من 62 سنة، لأن الاستقلال الذي ناله المغرب في مارس 1956 كان استقلالا منقوصا، لذلك واصلنا الكفاح من أجل استكمال الوحدة الترابية لبلادنا ، لتشمل أقاليمنا الصحراوية. وهكذا استرجع المغرب طرفاية في سنة 1958، وسيدي إفني في سنة 1969، ثم الساقية الحمراء ووادي الذهب بعد المسيرة الخضراء التي أطلقها المرحوم الملك الحسن الثاني  في نوفمبر 1975.

نحن محبطون فعلا، عندما نرى أن ملف الصحراء المغربية ما زال يراوح مكانه في أروقة الأمم المتحدة، بالرغم من حقائق التاريخ التي تثبت الروابط الروحية والثقافية والسياسية والإدارية التي وصلت دوما ساكنة الأقاليم الجنوبية بالمملكة المغربية، والتي أكد عليها قرار محكمة العدل الدولية بلاهاي سنة 1975.

نحن محبطون فعلا، عندما نرى أن المجموعة الدولية تستمر في إعطاء البوليساريو أكثر من حجمها الحقيقي فيما يتعلق بتمثيلية سكان الصحراء، في الوقت الذي يؤكد فيه إحصاء تحديد الهوية الذي قام به شيوخ القبائل الصحراوية تحت إشراف الأمم المتحدة، أن الغالبية العظمى للصحراويين تعيش فوق التراب المغربي.

وعليه، فإن الممثلين الحقيقيين لأبناء الصحراء اليوم هم المنتخبون في المجالس المحلية والجهوية والبرلمانيون، الذين تم انتخابهم ديمقراطيا في اقتراع عام مباشر على مستوى هذه الجهة، في إطار الجهوية المتقدمة التي تم ترسيخها كاختيار لا رجعة فيه بالنسبة للمغرب في الدستور الجديد للمملكة.

نحن محبطون كذلك، عندما نسجل أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به بلادنا كأرضية للتفاوض من أجل الوصول الى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين ونهائي لهذا النزاع انسجاما مع مختلف قرارات مجلس الأمن، لم ير النور بعد 12 سنة على تقديمه بالرغم من أن القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ما فتئت تعتبر أن هذا المقترح ” جدي، واقعي، وذو مصداقية”.

نحن محبطون مرة أخرى عندما نرى ان المجموعة الدولية تتوجه دائما لبلدنا لتطلب منه بذل مزيد من الجهود، ونحن أصحاب حق، ونحن من طالب الأمم المتحدة في سنة 1963 بإدراج هذه المناطق في قائمة الأمم المتحدة الخاصة بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وليس البوليساريو الذي سيُخلق عشر سنوات بعد ذلك متزامنا مع الأزمة البترولية العالمية الأولى.

لقد كان الراحل الملك الحسن الثاني هو أول من اقترح تنظيم الاستفتاء من أجل تأكيد مغربية الصحراء في قمة نيروبي سنة 1981، كما أن  بلادنا وافقت على مخطط بيكر الأول سنة 2001، في الوقت الذي تم رفضه من قبل الجزائر والبوليساريو،  واقترحوا في المقابل تقسيم هذه الأراضي كحل سياسي لهذا النزاع المفتعل.

مستشار الأمن القومي الأمريكي السيد جون بولتون

ومرة أخرى بادر المغرب بتقديم مقترح الحكم الذاتي سنة 2007 لوضع حد لهذا النزاع، ولضمان مستقبل أفضل لسكان المنطقة بعدما خلصت الأمم المتحدة الى استحالة تطبيق مخطط التسوية المرتكز على استفتاء تقرير المصير، وبعدما وصلت مشاريع اتفاق الاطار في المسلسل الأممي الى الباب المسدود.

وفي ظل كل المجهودات التي يبذلها المغرب، استمرت البوليساريو مدعومة من الجزائر متصلبة في مواقفها التي أفضت الى حالة الجمود – التي تشجبونها اليوم- كما أدت الى تجميد اتحاد المغرب العربي وغلق الحدود بين الجزائر والمغرب منذ سنة 1994، مما يحرم المنطقة المغاربية من نفس جديد، وشبابنا من آفاق المستقبل ومن حياة أفضل.

نحن محبطون أيضا إزاء استمرار معاناة مواطنينا في مخيمات تندوف والذين يعيشون في ظل واقع البؤس محرومين حتى من حقهم في حرية التنقل والسفر، لأنه بالرغم من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، فان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تتمكن لحد الآن  من إحصاء ساكنة هذه المخيمات، وضمان حقهم في التمتع بوضعية اللاجئين.

وأخيرا، نشعر بالإحباط عندما نرى أن الجهود الجبارة التي بذلها الشعب المغربي لتأهيل أقاليمنا  الصحراوية على مستوى البنيات التحتية  والمرافق العمومية ، والتنمية البشرية والمستدامة، وهي الجهود التي توجت بإطلاق جلالة الملك محمد السادس في نوفمبر 2015، للنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، يتم مواجهتها بالعديد من العراقيل التي تضعها البوليساريو ومسانديها من أجل حرمان مواطنينا في الأقاليم الجنوبية من الحق في التنمية، ورهنها لمصير الساكنة بالحل النهائي لهذا النزاع المفتعل.

إن ساكنة هذه المنطقة وخاصة الشباب منهم لا يمكنهم الانتظار أكثر، لأنهم في حاجة إلى حياة أفضل، وإلى أن يأخذوا زمام مستقبلهم بأيديهم، ووحده مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية قادر على الاستجابة لهذه الحاجة.

لقد حان الوقت لتحويل الإحباط الى فعل لإنصاف التاريخ أولا وساكنة المنطقة، وتمكين جميع الصحراويين من صلة الرحم والعيش المشترك مع بعضهم البعض. ولا يمكنهم أن ينخرطوا مجتمعين في تحقيق تنمية قوية ومستدامة ومشتركة إلا في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية لبلادنا التي تمثل قطبا للاستقرار الإقليمي وللديمقراطية التضامنية.



في نفس الركن