الأخ أحمد التومي : واقع المقاولات الصغرى والمتوسطة لا يبعث على الارتياح ونسبة إفلاسها تضاعفت 3 مرات منذ 2009

الخميس 31 أكتوبر 2019

كان حضور  الفريق الاستقلالي بمجلس النواب قويا خلال جلسة مساءلة رئيس الحكومة  المنعقدة يوم الاثنين 28 أكتوبر 2019 ، حيث بسط رؤيته حول مناخ الاعمال وسبل تطوره، وفي هذا الإطار تناول الكلمة الأخ  أحمد التومي عضو لجنة المالية، مشيرا إلى أهمية الإنجاز الذي حققته بلادنا بعد أن تبوأت المرتبة 53 في ترتيب Doing Business للبنك الدولي والذي يعكس المجهود الذي قامت به بلادنا لتحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمار الداخلي والخارجي .

وبهذه مناسبة هنأ عضو الفريق الاستقلالي، رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال، هاته اللجنة التي يرجع الفضل في تأسيسها الى الأستاذ عباس الفاسي (شافاه الله) سنة 2010 عندما  كان يرأس الحكومة.

وقال الأخ التومي ، إنه استحضارا لترتيب المغرب آنذاك، والذي كان في المرتبة 128 وترتيبنا الآن، يمكننا قياس المجهود الجبار الذي بذلته الحكومات السابقة والحالية ومجلس النواب لبلوغ هذه الرتبة المشرفة. وهذا يدل على انخراط جميع القوى السياسية أيا كان موقعها في هذا الورش الوطني الكبير.

وأضاف الأخ التومي في نفس الاطار "وحرصا منا على مواصلة هذا المجهود وبلوغ أهدافه في بعث دينامية جديدة للاستثمار تخلق الثروة ومناصب الشغل وتحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية وتدفع بلدنا الى مصاف الدول الصاعدة كما أرادها صاحب الجلالة لابد من ابداء ملاحظتنا والوقوف على بعض النقائص:

يسود اعتقاد لدى المواطن ان الرتبة 53 التي أصبحنا نحتلها على 190 دولة، هي ترتيب لاقتصادنا، بمعنى اننا أصبحنا القوة الاقتصادية 53، وهذا ليس صحيحا (مع الأسف)، اذ اننا حسب ترتيب صندوق النقد الدولي (سنة 2019)، نحتل المرتبة 128 /190 اذا اعتبرنا الناتج الداخلي الخام للفرد (الفردي). هذا لا يدل على اننا بقينا نراوح مكاننا منذ 2010، بل يعني ان دولا أخرى كانت في مستوانا كانت أسرع منا لتحقيق نمو يفوق نمونا. وهنا من حقنا ان نتساءل ماذا  استفدنا من 75 نقطة التي حصلنا عليها؟ ما انعكاسها على النمو الاقتصادي؟ وعلى جلب الاستثمار الخارجي؟ وعلى التشغيل؟ وحال المقاولات المتوسطة والصغرى والصغرى جدا (TPME)؟

وبالرجوع الى المؤشرات الرسمية، يتبين انه طوال هذه الفترة لم يتعد معدل نسبة النمو للناتج الداخلي الخام 3 % وهذا يبقى بعيدا عن نسب 6 و7 % التي تمكننا من دخول نادي الدول الصاعدة وضمان الشغل للشباب – للتذكير، السيد رئيس الحكومة، بالهدف رقم 8 من اهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (2015 -2030) ينص على 7 % نسائل السيد رئيس الحكومة، اين اختفت التنمية المستدامة من الهيكلة الحكومية الجديدة؟
الاستثمار الخارجي بدوره لم يتعد متوسطه 3 مليار دولار.

أما بالنسبة للتشغيل، فظل هو كذلك بين 9 و10 %، علما أن هذا لا يعكس الحقيقة، وهذا راجع الى سببين: أولا لا يتم إحصاء من لم يعلن نفسه انه عاطل وثانيا ان مؤشر البطالة في العالم القروي 3.6 % (أي التشغيل الكلي) لا يمت بتاتا الى الواقع بصلة، اذ لو كان التشغيل متوفرا من البداية لما شهدنا نفورا معاكسا من المدن الى البوادي، وهذا موضوع آخر لا يسع الوقت للتطرق اليه.
أما بالنسبة لواقع المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتي هي المعنية الأولى بتحسين مناخ الاعمال والتي تخلق 40 % من القيمة المضافة و80 % من التشغيل، فان واقعها لا يبعث على الارتياح، اذ ان نسبة افلاسها تضاعفت 3 مرات منذ 2009. ففي سنة 2018، افلست 8000 شركة وفي الستة أشهر الأولى من السنة الجارية افلست أكثر من 4500 شركة.

اذا كيف يمكن مقارنة هذا الوضع مع واقع اننا نتوفر على ترسانة قانونية عصرية مستوحاة من قوانين دول متقدمة ومن اتفاقيات دولية تعنى بالاستثمار والاقتصاد؟".
ويواصل الأخ التومي ملاحظاته قائلا: "من منظورنا، السيد رئيس الحكومة، اذ اعداد هذه الترسانة القانونية (ربما) كان هاجسه الأول الترتيب الدولي وليس ترتيب البيت الاقتصادي الوطني والتغلب على معيقات الاستثمار وإنتاج البطالة. تأتي هذه القوانين الى البرلمان ويتم مناقشتها والمصادقة عليها على جعل مطلب من الحكومة.

ولا نكاد نسمع عنها بعد صدورها في الجريدة الرسمية وتبقى بدون مراسيم تطبيقية وقرارات من شأن تنزيلها على ارض الواقع. وفي حال صدور هذه المراسيم التطبيقية. تأخذ وقتا كثيرا وتكون نتائج توافقات تضعف محتوى القانون.
أود هنا ان أسوق بعض الأمثلة:
لقد تمت المصادقة في وقت قياسي وخارج الدورات العادية لمجلسنا الموقر على الكتاب الخامس من مدونة التجارة الذي يتطرق الى معاناة المقاولة وسبل انقاذها، كم شركة استفادت من هذا القانون وقمنا بإنقاذها من الإفلاس؟

40 % من الشركات المفلسة سببها تأخر أداء مستحقاتها رغم ان هناك قانونا يفرض على الملزم أداء ما بذمته في أجل  60 او 90 يوما. لكن يبقى هذا القانون ناقصا طالما ان هذا الأخير لا يتوفر على آلية تلزم صاحب المشروع بتسليم البضاعة او تقديم الخدمة ليبدأ احتساب الاجل القانوني وتطبيق فوائد التأخير. ان غياب هذه الآلية يتسبب في تأخير ما يزيد على 500 مليار درهم لمستحقات ما بين الشركات وازيد من 700 مليار بين الدولة والمؤسسات العمومية والشركات والضحايا هنا، بطبيعة الخال، هم الشركات الصغرى والصغرى جدا والمتوسطة.

لقد تمت المصادقة على تعديل القانون 33.06 المتعلق بتسنيد الديون وذلك بتوسيع دائرة الأصول لتشمل الى جانب الديون، سندات الديون، والممتلكات العقارية والمنقولة وكذا أي من الأصول التي يمكن تحديدها عند الاقتضاء بنص تنظيمي. وتم كذلك تتميم قانون الالتزامات والعقود بخلق "السجل الالكتروني للأصول المنقولة".

وكان من شأن هاذين التعديلين الأساسيين تيسير الولوج الى القروض البنكية بحجم وأسعار فائدة منخفضة اذ من شأن تطبيق تقنية التسنيد ان يخفف (Diluer) من مخاطر الابناك. للمقارنة بأسعار الفائدة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، في متوسطها 7 % في حين انها في منطقة الاورة اقل من 1 %.
ومن شأنهما كذلك ان يرفعا من استثماراتها والتي لا تتعدى 4.7 % في حين انها ترقى الى أكثر من 30 % في منطقة الأورو. تجدر الإشارة كذلك الى ان مؤشر المديونية لا يتعدى 20 % للشركات المتوسطة و10 % للشركات الصغرى جدا والصغرى وهذا يحد كثيرا من نشاط هذه الشركات".

وأبرز انه تمت المصادقة والنشر في الجريدة الرسمية لقوانين تغير مدونة التجارة، وقانون المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (OMPIE) تتعلق بخلق المقاولات بطريقة الكترونية، وإقرار منصة الكترونية لتسجيل الشركات يعهد بتسييرها الى هذا المكتب. ويبقى املنا معقودا يقول الأخ التومي ان لا تعتري تطبيق هذه النصوص اية عراقيل وحتى نكون إجابيين، السيد رئيس الحكومة، فإننا نقترح عليكم ان يتم التعامل مع مشاريع القوانين كأنها مشاريع بنية تحتية لا تختلف عن بناء السدود والمطارات والطرق السيارة، نخطط لها، ونوفر الوسائل المادية والبشرية وغلاف زمني لها، ننجزها، نقوم بتقييمها ونغيرها ان لم تأت أكلها.

وأضاف "لا يمكننا الحديث عن مناخ الاعمال دون التطرق الى الأدوار المحورية التي تلعبها الإدارة والقطاع البنكي في حياة المقاولة من تبسيط المساطر والتنزيل السليم للقوانين وضمان حقوقها والحصول على التمويل اللازم.

لا يختلف اثنان في ان الإدارة، رغم الخطب الملكية المتعددة، مازالت حبيسة مساطير معقدة تفتقد الى العقلانية والفعالية. وهنا استحضر الخطاب التوجيهي لجلالة الملك في افتتاح الدورة (الخريفية) التشريعية الاولى للولاية التشريعية العاشرة والتي نادى جلالته من خلالها الى تعميم "الإدارة الالكترونية" بطريقة مندمجة تسهيلا لحصول المواطن والشركات على الخدمات في أقرب الآجال، دون الحاجة الى كثرة التنقل والاحتكاك بالإدارة وتفاديا للرشوة واستغلال النفوذ – فما زلنا بعيدين عن هذا الهدف، الا فيما يخص بعض التطبيقات هنا وهناك.
ومما يبعدنا عن هذا الهدف الاستراتيجي ان يتم اللجوء المباشر الى الرقمنة دون عناء إعادة هندسة المساطر لعقلنتها وتبسيطها، مما يحول نقل وتعقيدات المساطر من العالم "الورقي" الى العالم " الرقمي". في حين ان المغرب يتوفر منذ مدة على ترسانة قانونية وأجهزة لحماية المعطيات، والتوقيع الالكتروني ومعادلة الوثائق الورقية والوثائق الالكترونية.

 السيد رئيس الحكومة، لقد صدمت  وأنا اتفحص مشروع القانون 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية واقرأ المادة 25 التي تدعو الى رقمنة هذه المساطر والإجراءات من اجل (5) سنوات !! وهكذا منذ الخطاب الملكي الذي سبق ان أشرنا اليه سنحتاج 9 سنوات. لقد أصبحت الإدارة الالكترونية هي الملاذ الوحيد لاصلاح اعطاب الإدارة التي تعرضت الى هزتين قويتين جدا مما حد من كثير من فعاليتها. الاولى كانت في 2006 عندما تم إقرار المغادرة الطوعية والتي تسببت في فقدان اكر كفؤة خدمت وتربت على الخدمة العامة.

والهزة الثانية ابان المصادقة على القانون 02.12 المتعلق بالمناصب العليا بالإدارة العمومية والذي أصبح مطية لتقلد المسؤولية للمقربين والمحظوظين ووسيلة لتبادل المنفعة بين الهيئات السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية.
نضيف الى هذا تشكي الإدارة من كثرة موظفيها وكتلة اجورها في حين ان تعدادها من حدود 16 موظفا لكل 1000 نسمة، وهو ضعيف جدا بالمقارنة مع الدول الأوروبية والتي يتعدى فيها هذا المؤشر 80 موظفا لكل 1000 نسمة. نستنتج من هذا ان الادارة المغربية فقيرة جدا من حيث الموارد البشرية. ولكن صريحين على مستقبل الجهوية المتقدمة من دور إرادة مركزية قوية.

وحتى يمكننا تعميم الإدارة الالكترونية نحتاج الى قانون يختصر هذا الورش الكبير ويكون من مبادئه الزامية رقمنة المساطر من اجل محدد وتقديم الخدمة للمواطن والمقاولة عبر الوسيلة الرقمية دون سواها في افق لا يتعدى 2021، ولعل اعلان مراكش حول العدالة والاستثمار بإرساء المحكمة الرقمية ما يزكي هذا الطرح.
ان تحسين مناخ الاعمال يحتاج الى منظومة بنكية تستجيب لحاجيات المقاولة من تمويل ومواكبة وتنصح وتسهل الى اقصى حد سلوك المساطر فيما يخص فتح الحسابات البنكية وانشاء عقود التأمين والتسجيل بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مثلا من بين العديد من الالتزامات الإدارية للمقاولين.

والواقع اننا مازلنا بعيدين عن هذا الهدف قائلا في هذا الصدد لقد أسر لي رئيس مدير عام شركة أوروبية متعددة الجنسيات الأسبوع الماضي ان ما يوقعه لفتح فرع لشركته بالمغرب يفوق بكثير ما يوقعه للشركة بأكملها. وبالرغم من لجوء الابناك الى المعلوميات منذ زمن بعيد، الا ان اعتمادها على الحامل الورقي شائع جدا.
ليست المساطر والاجرءات البنكية ما يحد من فعالية وتحسين مناخ الاعمال بل ان للسياسة النقدية المتبعة من طرف "بنك المغرب" والتطبيق الصارم للاحترازات البنكية بال 1و2و3 نصيب كبير من حرمان العديد من المقاولات من الحصول على قروض.

وبخصوص السياسة النقدية يتمسك بنك المغرب بمؤشر للتضخم منخفض جدا كآلية لاستقرار الأسعار، الا ان هذه السياسة لا تتلاءم مع الوضع الاقتصادي للمغرب الذي مازال نموه ضعيفا ويحتاج الى استثمارات وخلق مناصب شغل لشباب متعلم وطموح. ان من شأن الرفع من مستوى التضخم الى مستوى الدول الصاعدة (6-8 %) ان يوفر سيولة كافية للمقاولات الصغرى والمتوسطة ويساعدها على انجاز مشاريعها مما يوفر مناصب الشغل ويخلق الثروة ويساعد على الادخار.

وبقدر ما ندعو الى سن سياسة نقدية ارادية ندعو كذلك الى إعادة النظر في التمسك من جانب الحكومة بخفض عجز الميزانية في 3.5 % نظرا لانعكاسه السلبي على الاستثمار.
ندعو كذلك الى توسيع نطاق تعويم الدرهم في افق اخضاعه كليا للسوق المالية ضمن شأن هذا التوجه ان يخدم المديونية ويحافظ على احتياطي الصرف الوطني.
ختاما، السيد رئيس الحكومة، نتمنى ان يكون هذا التصنيف الدولي بداية لنهضة اقتصادية تدفع بلدنا الحبيب الى مصاف الدول الصاعدة.
 




في نفس الركن