الأخ حسن سليغوة : ضرورة محاربة الفساد بمكتب الوطني المغربي للسياحة ومعاقبة ومحاسبة العابثين بأموال وبِمصالح الشعب والوطن

الأربعاء 18 يوليو/جويلية 2018

الفريق الاستقلالي سبق له أن نبه الحكومة أكثر من مرة إلى الأعطاب والمشاكل التي تنخر هذه المؤسسة الاستراتيجية



 تدخل السيد المستشار حسن سليغوة  باسم الفريق   الاستقلالي  في مناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق حول  المكتب الوطني المغربي للسياحة حيث ذكر بأن الفريق الاستقلالي نبه غير ما مرة إلى الأعطاب والمشاكل التي تهم هذه المؤسسة الاستراتيجية والحيوية، سواء خلال مناقشة مشاريع قانون المالية أو خلال جلسات مساءلة السيد رئيس الحكومة. وأكد الأخ سليغوة أن التَنزيل السليم للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، يقتضي  ترتيب المسؤوليات فيما وصل إليه المكتب من سوء وعبث في تدبير أحد أهم القطاعات الحيوية والاستراتيجية في البلاد.. في ما يلي النص الكامل لتدخل عضو الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين:
  

يشرفني باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين، أن اتناول الكلمة لمناقشة مضامين تقرير لجنة تقصي الحقائق حول المكتب الوطني المغربي للسياحة، والتي كان لفريقنا شرف المساهمة في المطالبة بإحداثها، لتكون وسيلة لكشف المعطيات والمعلومات المرتبطة بتدبير هذه المؤسسة.

إننا في الفريق الاستقلالي، وحرصا منا على المساهمة في تقوية العمل الرقابي لمجلس المستشارين، وانسجاما مع قناعات حزبنا العتيد وثوابته الرافضة لكل اشكال الفساد الاداري والمالي، والتي تقتضي بأن نتبنى خَطَّ سَيْرٍ واضح في قضايا محاربة الفساد وفي تقوية حكامة المؤسسات، فقد أعلنا موقفنا كفريق ينتمي الى المعارضة، بانخراطنا اللامشروط إلى جانب إخواننا في الفرق والمجموعات بالمجلس، قصد تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول المكتب الوطني المغربي للسياحة، يُناطُ بها جمع المعلومات المتعلقة بأداء المكتب في مجال الترويج السياحي ببلادنا، ومُلامسةْ العوامل التي تعيق التنزيل الأمثل لأهداف رؤية 2020، بكل  موضوعية وتجرد ومسؤولية وشفافية ونزاهة فكرية وأدبية، وبعيدا كل البعد عن لغة المصالح الذاتية والاستغلال الضيق لهذا الملف.
 
لقد كنا سباقين في الفريق الاستقلالي لننبه غير ما مرة إلى الأعطاب والمشاكل التي تهم هذه المؤسسة الاستراتيجية والحيوية، سواء خلال مناقشة مشاريع قانون المالية أو خلال جلسات مساءلة السيد رئيس الحكومة.

 وكي لا أَرْحل بكم بعيدا، في أصول ما نحن بصددهِ اليوم، فإنني أُوجِز الكلام من بعضه لأقول بصريح اللغة والبيان، أننا نثمن عاليا العمل الجاد والمسؤول الذي اضطلعت به لجنة التقصي ومن خلالها كافة أعضاء اللجنة الذين تَمَلَّكُوا الشجاعة والجرأة  للتقصي في عمل مؤسسة يُفترض أنها استراتيجية بالنظر لمكانتها الاستراتيجية والتاريخية، وللمهام الموكولة لها عبر ما يناهز القرن من الزمان.

 أجل أيها السادة، مر حوالي قرن على تأسيس هذا الصرح بما يحمله من دلالات ومكانة وأهمية للقطاع السياحي في انعاش الاقتصاد الوطني ببلادنا.
 
إننا في الفريق الاستقلالي نتبنى جملة وتفصيلا مضمون التقرير المعروض على أنظار مجلسنا الموقر، ولا يَسَعُنا إلا أن نشيد بالعمل الذي اضطلع به أعضاء اللجنة، الذين قاموا بما يَفرضه عليهم الواجب من أجل إعداد تقرير يعكس حقا الوقائع ويقدم الحقائق الواضحة من دون زيادة أونقصان..
 تقرير بدون لغة مُحاباة..
 تقرير لا يعتمد الانتقائية والتمييز في الاستماع الى مسؤول دون آخر..
 
ولَرُبما كان التقرير رحيما في الوصف عندما لم يشأ  المساس بالأعراض، لأن ما صاحب هذه المؤسسة من انتقادات وما كشفته بعض التقارير، نَظيرَ تقرير المجلس الأعلى للحسابات من أعطاب واختلالات كان يُنذِر بما هو أخطر.
 
إننا في الفريق الاستقلالي، نؤكد أن التَنزيل السليم للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، يقتضي منا ترتيب المسؤوليات فيما وصل إليه المكتب من سوء وعبث في تدبير أحد أهم القطاعات الحيوية والإستراتيجية في البلاد، لأنه حينما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن وبحماية المال العام ومحاربة الفساد، فمن الواجب أن يتحمل الجميع مسؤوليته في الكشف عن براثِنِ الفساد احقاقا للحق، أيا كان المسؤولون وبعيدا عن سجن الذات في انتماء ضيق ومحدود.
 
ها نحن اليوم، نقف على فصل آخر من فصول هدر المال العام وسوء تدبير المؤسسات، والذي خلصت إليه اللجنة من خلال كشفها على  العديد من مظاهر الاختلال الذي طبع عمل المكتب الوطني خلال فترة التقصي ما بين 2010/2017
.
إن جل المؤشرات والحصيلة المسجلة في تدبير المكتب لأحدأهم القطاعات الاستراتيجية في البلاد، هي صَكُ إدانة ودليل على الفشل  الذريع لمسؤول هذه المؤسسة في الاضطلاع بمهامه وعلى رأسها المساهمة في تحقيق أهداف رؤية 2020 ، وذلك بالرغم من الاعتمادات المالية المهمة المرصدة لانجاز مختلف البرامج المرتبطة بالترويج السياحي:

فالإعنات الموجهة لشركات الطيران ظلت في إرتفاع تصاعدي رهيب في غياب أي تقييم حقيقي للشركات المستفيدة، والتي لم  تُقدم الإضافة المرجوة للرفع من عدد السياح وتحفيزهم  للتوافد على المغرب، هذا فضلا عن استهداف الأسواق الضعيفة التي لم نحقق منها أي وافدين جدد.

ومن بين الاختلالات المهمة التي يرصدها التقرير، هو سوء تدبير الميزانيات المخصصة للمندوبيات بالخارج والأنشطة الترويجية المنظمة بالرغم من النتائج المحتشمة إن لم نقل الضعيفة.
والنتيجة أنه من أصل 11 مليون سائح سنوي يزور المغرب، نجد أن نصفهم من أبناء جاليتنا المقيمة بالخارج، بمعنى أن ولوجهم للمغرب لا يرتبط بالنشاط الترويجي للمكتب بل بارتباطهم بعائلاتهم وبوطنهم الأم.

إن هذا الأمر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك عيب وخلل على مستوى عمل المكتب، بدءا بطريقة إعداد الاستراتيجيات التي تَتِم بمعزل عن الشركاء الأساسيين المهنيين والجماعات الترابية والفاعلين، ومرور بغياب التنسيق بين المكتب والوزارة الوصية، و وصولا إلى عدم تفعيل لجنة التسيير المكلفة بمواكبة عمل المدير بشكل دوري ، مما يفسح المجال للمدراء للاستفراد بجميع القرارات  في تجاوز صارخ وسافر لمقررات المجلس الإداري.

 وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما كشفه التقرير، بشأن انفراد المدير  في تعيين المسؤولين المكلفين بالمندوبيات بالخارج بدون أدنى شروط التنافسية، وفي غياب تام لفتح باب الترشيحات لتطوير أدوار هاته المندوبيات، وهو ما انعكس سلبا على أداء المكتب ، وعلى منتوج السياحة الوطنية، وما لذلك من تداعيات خطيرة على  خلق فرص الشغل وعلى الحياة المعيشية لآلاف الأسر المغربية التي تعيش من عائدات السياحة.

ومما زاد الطين بلة، هو أن جزء كبير من الميزانية المرصدة للمكتب يتم استنزافه في العلاوات والآتاوات والامتيازات غير المُقَنَّنة من دون حسيب ولا رقيب،  والمثال نَسوقه من ما كشفه التقرير بشأن السكن الوظيفي بالمغرب والذي يكلف ميزانية المكتب أزيد من 50 ألف درهم هذا دون احتساب المصاريف الباهضة للصيانة والتأثيث والأجرة الشهرية، في تَجلي خطير لغياب الحِسْ الوطني في الحفاظ على المال العام وتحسين طرق تدبيره.

أضف إلى ذلك، الميزانيات الضخمة المرصدة لإنجاز الدراسات والتقارير الوطنية والأجنية من دون جدوى، ناهيك عن عدم ضبط المعطيات المتعلقة بالقطاع وهو ما يفوت على المالية العمومية مبالغ تصل إلى أزيد من 70 مليون درهم سنويا.
والغريب والعجيب أن المدير العام المحترم لم يسلم للجنة التقصي مجموع هذه الدراسات والتقارير، وذلك بالرغم من الاختصاصات الدستورية المهمة الممنوحة للجنة.

لما ذا يتم إخفاء هذه الدراسات؟ ولماذا لم يتم تفعيلها؟ من هي مكاتب الدراسات المستفيدة من هذه الغنائم؟
أبِهَكَذَا نموذج سنطور قطاع السياحة ببلادنا وسنحقق الاقلاع الاقتصادي؟,  أبهكذا نموذج سنحارب الفساد؟
كيف يمكن أن نقبل بذلك؟ كيف لنا ان نصمت على اهدار المكتب لميزانيات ضخمة في مجال الترويج السياحي؟.
 من يستفيد من ذلك، خلال فترات الرَواجْ والتي لا تحتاج لمثل هاته العمليات، بينما تغيب في فترات الركود السياحي..

أما فيما يرتبط بالعدالة المجالية فحدث ولا حرج، حيث يتم إقصاء تام لمدن ومناطق كان من المفروض أن يوليها المكتب العناية اللازمة بفضل المؤهلات السياحية التاريخية والطبيعية التي تزخر بها.

إن إشعاع صورة المغرب السياحي، وترويج سُمْعَتِهِ يرتبط أشدَّ ما إرتباط  بالتراث الثقافي والحضاري والتاريخي والجغرافي، المنتشر في مجموع التراب  المغربي، في فاس وطنجة وورزازات وافران و. غيرها من المناطق...
 
هذه الاختلالات هي غَيْضٌ من فَيْض، وهي إحدى تجليات الفساد والاختلال في تدبير المال العام، وهو ما يستوجب ضرورة العمل على مواصلة التحقيق المفصل في كيفية تدبير الأغلفة المالية الدسِمَة التي خصصت للمكتب الوطني المغربي للسياحة، والذي فشل في الرفع من مردودية ونجاعة مختلف البرامج السياحية.
 نتمنى أن لا يظل هذا التقرير المعروض على أنظار مجلسنا الموقر،  حبيس الرفوف، كما كان الشأن بالنسبة لتوصيات تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادرة سنة 2013، والتي دخلت طي النسيان ولم يتم إخراجُها إلى أرض الواقع.

نتمنى أن يستمر التحقيق التفصيلي في ما رصده التقرير من خروقات.
نتمنى أن يخضع المسؤُولون للمحاسبة لأن لا أحد فوق القانون وفوق المتابعة والمراقبة.

لقد كنا وسنظل مجندين يقظين لمحاربة الفساد في أي موقع كان، وجَسَدْنَا ذلك للعيانْ من خلال مختلف المسؤوليات التي تَحَمَّلْنا مهامها وثِقْلها بشجاعة وإصرار وحِرصٍ كبير على مصالح الوطن.
واليوم هي فرصة لنجدد للرأي العام اصرارنا على محاربة  الفساد بمكتب الوطني المغربي للسياحة ومعاقبة ومحاسبة كل من سولت له نفسه العبث بأموال وبِمصالح الشعب والوطن.
 



في نفس الركن