الأخ لحسن حداد : الديبلوماسية المغربية رافعة أساسية في تكريس الشرعية الدولية لرؤية المغرب السيادية والتنموية في أقاليمه الجنوبية

الاثنين 5 ماي 2025

أكد الأخ لحسن حداد، نائب رئيس مجلس المستشارين ورئيس المجموعة الموضوعاتية المؤقتة حول القضية الوطنية، أن قضية الصحراء المغربية لم تعد فقط مسألة “حق تاريخي”، بل أصبحت نموذجًا لرؤية سيادية متكاملة تجمع بين الشرعية، والمصداقية، والنضج المؤسساتي، والحكمة الدبلوماسية.

كما أبرز الأخ لحسن حداد خلال الندوة الوطنية التي نظمها مجلس المستشارين، تحت شعار “البرلمان وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال”، التحولات الإيجابية التي شهدها الملف على الصعيد الدولي، بدءًا بالاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، والتطور الملحوظ في موقفي فرنسا وإسبانيا، وصولاً إلى الزخم الدبلوماسي الذي يجسده افتتاح أزيد من ثلاثين قنصلية بمدينتي العيون والداخلة.


وفيما يلي النص الكامل لكلمة الأخ لحسن حداد نائب رئيس مجلس المستشارين ورئيس المجموعة الموضوعاتية المؤقتة حول القضية الوطنية في افتتاح الندوة الوطنية تحت شعار " البرلمان  وقضية الصحراء المغربية : من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال" :


السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم،
السادة الأمناء العامون وممثلو الأحزاب السياسية والهيآت النقابيّة،
السيدات والسادة ممثلي الغرف المهنية والمقاولات 
السيدات والسادة المستشارين المحترمين 
السيدات والسادة الحضور الكرام،

« بكل فخر واعتزاز، أتناول الكلمة اليوم بصفتي رئيس المجموعة الموضوعاتية المؤقتة حول القضية الوطنية، في لحظة مفصلية تتجاوز طابعها الإجرائي نحو أفق استراتيجي، يعكس روح الإجماع الوطني الراسخ حول قضية الصحراء المغربية.

نلتقي اليوم لا لنُعيد ما هو بديهي، بل لنُجدّد التعبئة، ونُعمّق الفهم، ونستشرف الآفاق. فالوحدة الترابية للمملكة لم تعد فقط قضية “حق”، بل أصبحت نموذجًا لرؤية سيادية متكاملة، تُزاوج بين الشرعية التاريخية، والعمق المجتمعي، والحكمة الدبلوماسية، والنضج المؤسساتي.

لقد عرف ملف الصحراء، في السنوات الأخيرة، تحولات نوعية في بنيته الجيوسياسية، كان أبرزها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب، وتوالي افتتاح القنصليات في العيون والداخلة من قبل أكثر من ثلاثين دولة، وهو ما يشكّل مؤشراً واضحاً على أن مبادرة الحكم الذاتي أصبحت اليوم إطارًا مرجعيًا معتمدًا لدى المجتمع الدولي.

كما أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، الذي مثّل لحظة مفصلية في مسار هذا الملف، تم تأكيده مؤخرًا من طرف وزير الخارجية الأمريكي الحالي، السيد ماركو روبيو، الذي صرح بشكل واضح لا لبس فيه، أن موقف الولايات المتحدة لم يتغير، وأن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية تحظى بدعم ثابت من قبل الإدارة الأمريكية، باعتبارها عنصرًا أساسيًا في استقرار المنطقة، وفي الشراكة الاستراتيجية بين الرباط 
وواشنطن.

هذا التصريح، الصادر عن أعلى سلطة دبلوماسية في الإدارة الأمريكية، يُجسد استمرارية الالتزام السياسي، ويُعزز الثقة الدولية في الطرح المغربي كحل سيادي واقعي ودائم.

ولا يمكننا أن نتجاهل هنا التطور النوعي في موقف فرنسا، الذي عبّر عنه بوضوح الرئيس إيمانويل ماكرون خلال خطابه التاريخي أمام البرلمان المغربي سنة 2024، حيث لم يكتف فقط بوصف مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب بأنها جادة وذات مصداقية، بل ذهب أبعد من ذلك حين أكد صراحة أن “مستقبل الصحراء هو داخل السيادة المغربية”.

هذا التصريح الصادر عن أعلى سلطة تنفيذية في فرنسا لا يمثل مجرد دعم دبلوماسي، بل هو إعلان واضح بتبني الرؤية المغربية، وانخراط واعٍ في منطق الحل الواقعي والنهائي، ويُعد تحولًا جذريًا في الخطاب الأوروبي التقليدي، ويؤكد أن الزمن الجيوسياسي يتحرك بثبات لصالح الطرح المغربي.

كما نثمّن بإيجابية ما ورد في الموقف الإسباني، الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لحل النزاع. إن هذا التحول في موقفي قوتين استعماريتين سابقتين يُمثل انتصارًا تاريخيًا للرؤية المغربية، ويوفّر أرضية جديدة لبناء تحالفات استراتيجية أوسع داخل أوروبا.

ولا يفوتني هنا أن أشيد بالدبلوماسية الرسمية المغربية، التي تشتغل بحكمة وحنكة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي استطاعت أن تحول قضية الصحراء المغربية من نزاع إقليمي إلى ملف يحظى بتفهم واسع ودعم متزايد من قِبل شركاء استراتيجيين في مختلف القارات.

فقد أثبتت هذه الدبلوماسية، من خلال وضوح الخطاب، وثبات الموقف، ومصداقية المبادرة المغربية، أنها رافعة أساسية في تثبيت المكاسب، وبناء جسور الثقة، وتكريس الشرعية الدولية لرؤية المغرب السيادية والتنموية في أقاليمه الجنوبية.

وفي السياق نفسه، لا يسعني إلا أن أُنوّه بالدور البارز للمنتخبين في الأقاليم الجنوبية، الذين يمثلون بشرف وغيرة وطنية سكان الصحراء المغربية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو في مختلف الواجهات الدولية.

إن تواجدهم الفعّال، ومرافعاتهم المُقنعة، وتشبثهم بوحدة الوطن، يؤكد أن الصحراء ليست فقط أرضًا مغربية، بل هي كذلك إرادة مغربية، ومؤسسات مغربية، ومواطنون مغاربة يُدبّرون شؤونهم بكل مسؤولية وكفاءة.

ويُجسّد هؤلاء المنتخبون، من خلال مشاركتهم الدائمة في الاستحقاقات الانتخابية والتمثيلية، الشرعية الديمقراطية التي تُدعم الشرعية التاريخية والسياسية، وتُعزز مصداقية الطرح المغربي أمام كل محفل.

إن هذه الدينامية الدولية لم تكن لتتحقق لولا الرؤية الملكية المتبصّرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من قضية الصحراء “منظارًا يُقاس به صدق الشراكات ومتانة المواقف”. فبفضل التوجيهات الملكية، لم تعد الدبلوماسية المغربية مجرد رد فعل، بل أصبحت دبلوماسية استباق، مبادرة، ووضوح.

تتزامن هذه الندوة مع إطلاق المبادرة الملكية الاستراتيجية لتمكين الدول الساحلية من منفذ على المحيط الأطلسي — مبادرة ذات أبعاد أمنية وتنموية وجيوسياسية، تجعل من الأقاليم الجنوبية للمملكة بوابة للتكامل الإفريقي، وجسراً بين ضفتي الأطلسي.

إن هذه المبادرة لا تُكرّس فقط عمق الانتماء الإفريقي للمغرب، بل تُعزز أيضًا موقع الصحراء المغربية كمحور جيواستراتيجي، وكمركز جذب للاستثمار والشراكة جنوب-جنوب.

وفي هذا الإطار، لا يفوتني أن أؤكد على الدور المحوري الذي تضطلع به الجامعة المغربية، ومراكز البحث، والنخبة الأكاديمية والفكرية، سواء داخل الوطن أو في المهجر، في صياغة سردية معرفية وعلمية دقيقة تنطلق من مرجعيات القانون الدولي، ومنظومة حقوق الإنسان، وسياقات التحرر من الاستعمار.

إننا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى أبحاث رصينة تُنشر بلغات متعددة، وتخاطب مختلف الدوائر الأكاديمية والإعلامية والحقوقية العالمية، بهدف نقل عدالة قضيتنا من منابرنا الوطنية إلى ساحات التأثير الدولي.
فقضية الصحراء ليست فقط معركة دبلوماسية أو سياسية، بل هي أيضًا معركة فكر ومعرفة وتأطير قانوني وتاريخي مُحكم، يكون فيه للجامعة والباحث والمفكر صوت لا يقل أهمية عن صوت الدبلوماسي والسياسي.

كما أن من أولويات المرحلة المقبلة التحرك بذكاء وفعالية على مستوى الإعلام الدولي، وخصوصًا في دول مثل إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، ودول شمال أوروبا، إضافة إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حيث لا تزال بعض السرديات المعادية تهيمن على جزء من الرأي العام بفعل الفراغ المعرفي أو التضليل المتعمد.

علينا أن ندرك أن المعركة اليوم ليست فقط في أروقة الدبلوماسية، بل أيضًا في عقول الناس وصفحات الصحف وشاشات المنصات الرقمية.

لذلك، نحن بحاجة إلى استراتيجية إعلامية متعددة اللغات، تقوم على سردية مغربية دقيقة، مدعومة بالأدلة القانونية، والوقائع التاريخية، والإنجازات التنموية الميدانية.
كما أن ال حضور في محافل مثل الاتحاد الأوروبي، البرلمان الألماني، الكورتيس الإسباني، المحافل الحقوقية في أمريكا اللاتينية، والمنتديات القارية الإفريقية، لم يعد ترفًا، بل ضرورة وطنية تُعزز موقع المغرب وتُفند السرديات المضللة.

ولا يمكن الحديث عن التأثير الخارجي دون الاعتراف بالدور المتعاظم للدبلوماسية البرلمانية، وللمجتمع المدني، والجمعيات المغربية بالخارج، باعتبارها واجهات موازية وأساسية للدفاع عن الوحدة الترابية في المحافل الدولية، وبين أفراد الجاليات، وفي تواصلها مع الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بالدول المضيفة.

غير أن هذا الدور، حتى يكون فعالاً، لا بد أن يُعزَّز بتكوين مستمر، وبتسليح ناعم وقوي بالأدلة القانونية، والحجج التاريخية، والمعطيات التنموية، واللغة التواصلية المقنعة.
فلا يكفي حسن النية، بل نحتاج إلى مقاربات علمية واستراتيجيات مدروسة، تنقل الترافع من ردّ الفعل إلى الفعل المؤثر، ومن العفوية إلى المهنية المدروسة.

ليست هذه الندوة مجرد محطة خطابية، بل هي لحظة تأسيسية لمرحلة جديدة من الاشتغال البرلماني الحزبي، حيث تُطل علينا مسؤولية مشتركة:
أن نستثمر هذا اللقاء كفرصة لتعزيز تفكير جماعي بنّاء، يُفعّل آليات العمل المؤسساتي، ويُحول التعبئة الوطنية إلى رؤى استراتيجية مستدامة، تقودنا إلى توصيات قابلة للتنزيل، ومبادرات ميدانية ملموسة.

السيدات والسادة،

هذه المعركة معركة سردية، معركة استباق، معركة إقناع. والمغرب، بثقة ويقين، يسير نحو المستقبل، لا بفضل صواب قضيته فقط، بل بفضل وحدة صفه أيضاً، وتحت القيادة المتبصرة والرؤية الاستراتيجية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من قضية الوحدة الترابية جوهر السياسة الوطنية، وبوصلة العلاقات الدولية، وركيزة التنمية المتوازنة في مغرب الغد.

شكراً لكم،
وعاشت المملكة المغربية موحدة، آمنة، وسيدة على كل ترابها. »



في نفس الركن