الأخ لحسن حداد: ضرورة اعتماد استراتيجية صناعية متكاملة في مغرب ما بعد كورونا

الأربعاء 10 يونيو/جوان 2020

ـ تمويل الصناعة لا يمثل إلا 9 ٪؜ من مجموع التمويلات التي تقوم بها المؤسسات البنكية
ـ المغرب لا يحقق الاكتفاء الذاتي من القمح والشعير بالرغم من أنه بلد فلاحي ويستثمر 10 ملايير درهم سنويا في الفلاحة


شارك الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في اجتماع لجنة القطاعات الانتاجية بمجلس النواب المنعقدية يوم الثلاثاء 9 يوينيو 2020 ،حيث انصب النقاش على   الاختيارات المعتمدة من أجل  ضمان انطلاقة جديدة للأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والتجارية  في ظل ما بعد جائحة كورونا.

 

وتناول الكلمة الأخ لحسن حداد باسم الفريق الاستقلالي، موضحا في البداية أن الحكومة تأخرت في الإجابة على  مجموعة من الأسئلة التي سبق للفريق الاستقلالي أن قدمها، وكان من الضروري العمل على تحيينها ارتباطا بالتحولات المتسارعة والمضطردة التي فرضتها الجائحة، متسائلا عن الدروس المستخلصة من  أجل وضع استراتيجية صناعية تستجيب السوق الوطنية، وماذا أعدت الحكومة من أجل هيكلة القطاع غير المنظم والذي طرح إشكالات عميقة أثناء تقديم الدعم عبر التحويلات المباشرة، و السبل التي اتأخذ بعين الاعتبار خصوصيات القطاع التجاري ، مع ضمان الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية للتجار ، كما تساءل عن مداخل  تحقيق الأمن الصحي من حيث الأدوية والتجهيزات الطبية، وسبل تحقيق الأمن الغذائي من حيث الصناعة الغذائية ...

 

السبيل إلى النهوض بالانشطة الاقتصادية والصناعية

 

وبعض عرض السيد الوزير، تدخل الأخ لحسن حداد، مستعرضا مجموعة من المحاور التي تهم النهوض بمختلف الانشطة الاقتصادية والصناعية بعد الجائحة ، حيث وقف عند المحور المتعلق بالبرنامج المعتمد لإعادة تشغيل الأدوات الاقتصادية الإنتاجية منها والتجارية في ظل الوضعية الجديدة ما بعد كورونا وما يتطلب ذلك من إجراءات وقائية تضمن لجميع المتدخلين الأمن الصحي؛ وكذا الإجراءات التشريعية والتنظيمية والإدارية التي يتم من خلالها تصنيع الكمامات الوقائية ومواد التعقيم ومدى استجابتها لمواصفات الجودة المطلوبة واحترامها للمعايير الصحية المتعارف عليها؛ والإجراءات المواكبة المتخذة لضمان التموين العادي والمنتظم للسوق الوطنية من المواد الواسعة الاستهلاك وبأثمان مناسبة، إلى جانب المحور الخاص بالصفقات العمومية التي أبرمتها الوزارة مع الشركات المعنية خلال فترة حالة الطوارئ الصحية وتقديم التوصيات اللازمة بشأن أوجه هذه الصفقات وطبيعتها والأهداف المتوخاة منها ومدى فعاليتها وتحقيق النتائج المرجوة منها في اطار التدبير الجيد لمتطلبات المرحلة.

 

الإنجازات الصناعية للمغرب في العِقْدِ الأخير

 

وذكر عضو الفريق الاستقلالي أن المغرب حقق في العِقْدِ الأخير إنجازات مهمة في ميادين السيارات وصناعة الطيران والنسيج والأوفشورينغ والصناعات الكميائية والصناعات الغذائية والصناعات الكهربائية والإلكترونية والصناعات الميكانيكية والحديدية. ومع ذلك فإن جزءاً ليس بالهين من صناعته موجهة للتصدير ولا تلبي كل حاجيات السوق الداخلية، وتعتمد بشكل كبير على الشريك الأوربي. 

 

وأبرز أن جائحة كورونا وما تطلبته من إعادة توجيه الإنتاج نحو صناعة الكمامات وأجهزة التنفس والأدوية، أظهرت نقط قوة الصناعة المغربية. ولكن اضطراب سلاسل الإمداد على مستوى بعض الأجزاء المُستعمَلة في الصناعات الغذائية في الأسابيع الأولى من الحجر الصحي، والاعتماد الجزئي لقطاعات السيارات وصناعة الطيران على سلاسل الإمداد في الصين وأوروبا وإلغاء طلبيات الأسواق الإسبانية والفرنسية على النسيج المغربي، كل هذا طرح أكثر من سؤال حول "نضج" واستقلالية وتنافسية المجهود الصناعي المغربي. 

 

وأضاف الأخ النائب أن المهن العالمية يمكن للمغرب أن يحقق فيها تنافسية كبيرة على المستوى الدولي وبسرعة، خصوصًا السيارات، والأوفشورينغ، والكهرباء، والإلكترونيك، والصناعات الغذائية وصناعة الطيران وسياسة التسريع الصناعي (2014-2020) والمعتَمِدة عى خلق منظومات تتكامل فيها سلاسل الإنتاج التابعة لكل قطاع والرفع من نسبة الاندماج والعمل على تحسين  عوامل الإنتاج والرفع من التنافسية على المستوى الدولي أعطت نتائج مهمة، مشيرا إلى أن صناعة السيارات المغربية أصبحت الآن مُندمِجة كليًا في سلاسل القيم الدولية وتُمَثّلُ 26 % من الصادرات (بقيمة 7،7  مليار دولار) و27 % من فرص الشغل الصناعية؛ وتعرف السيارة المغربية نسبة اندماج (أي نسبة الأجزاء المصنعة في المغرب) تصل إلى 67 %. أما النسيج والألبسة فيُشَغِّل حوالي 190000 شخص وله قيمة تصديرية تتجاوز 4 مليار دولار؛ وارتفعت صادرات الصناعة الغذائية إلى حوالي 5,5 مليار دولار ("المغرب: إنتاج، استيراد، تصدير"، فلاح-ترايد، 2017)؛ أما الأوفشورينغ فإنه يحقق مليار ونصف دولار كقيمة تصديرية ويعتبر قطاعا استراتيجيا واعدا ومرنًا. من جهة أخرى، يحتل المغرب رتبة تنافسية متقدمة في قطاع صناعة أجزاء الطائرات بنسبة اندماج تبلغ 37 % وقوة تنافسية تحركها 142 شركة متخصصة وحوالي 17500 مهندس وتقني متخصص وبمردودية تصديرية تبلغ 2 مليار دولار .

 

اعتماد القطاع الصناعي المغربي على الأسواق الخارجية

 

واستدرك الأخ حداد قائلا إن بالرغم من ذلك يبقى القطاع الصناعي المغربي معتمِدا بشكل كبير على الأسواق الخارجية وعلى إعادة التوطين خصوصا من بلدان الاتحاد الأوربي وعلى الطلبيات الخارجية فيما يخص النسيج ومن ضعف تطور المنظومات المندمِجة لسلاسل الإنتاج (تشالينج، "ضرورة التصنيع" ، 8-14 ماي/أيار 2020). المفارقة هي أن المغرب رائد في إفريقيا والعالم العربي فيما يخص "المهن العالمية للمغرب" والتي تدر عليه حوالي 16 مليار دولار من الصادرات وفي نفس الوقت يستورد الكثير مما تحتاج له السوق الداخلية من لوازم منزلية وقطع غيار ودراجات ودراجات نارية وتجهيزات طبية وفلاحية وغيرها من السلع التي كان يصنعها في السابق. 

رأس المال يَهْجَر الاستثمار في الصناعة

 

وأضاف  أن الدعم الكبير التي قدمته الحكومة على مر سنوات لقطاعات مثل العقار والفلاحة جعلت رأس المال يَهْجَر الصناعة للاستثمار في البناء والضيعات الفلاحية، مبرزا أن تمويل الصناعة لا يمثل إلا 9 ٪؜ من مجموع التمويلات التي تقوم بها المؤسسات البنكية، 23 % منها فقط تُخَصَّصُ لمشاريع استثمارية و56 % هي عبارة عن  تسهيلات سيولة بفوائد مرتفعة (تشالينج، نفس العدد). وهذا ما يجعل عوامل الإنتاج الصناعي غير  مُيَسَّرة  بالشكل الكافي لإقلاع صناعي حقيقي. 
 

وأوضح الأخ النائب أن  جائحة كورونا بينت قدرة الصناعة المغربية على التكيف بسرعة لإنتاج الكمامات وأجهزة التنفس. ولكنها أظهرت كذلك ضرورة وضع استراتيجية حقيقية لصناعة مغربية مبنية أولًا على السوق الداخلية وثانيًا على التصدير والانخراط في سلاسل الإنتاج العالمية.

 

اتفاقية التبادل الحرمع تركيا مُجْحِفة في حق الصناعة المغربية


وتحدث الأخ حداد عن اتفاقيات التبادل الحر التي عقدها المغرب مع عدة دول، موضحا أنها مُجْحِفة في حق الصناعة المغربية،  خصوصا مع تركيا، لأن الأتراك يقومون بعملية إغراق الأسواق المغربية ببضائع النسيج والمواد الغذائية والتجهيزات المنزلية، ولا يستثمرون في المغرب بالشكل الكافي ويضعون حواجز غير جمركية في وجه الصادرات المغربية، ويتحايلون على الحواجز الجمركية التي وضعها المغرب على الواردات من النسيج بالمرورعبر الأردن أو مصر، مستغلين "اتفاقية أكادير" التي تعطي تسهيلات للدول الأربع المنخرطة في هذه الآلية للتبادل البيني العربي. لهذا فإنه أصبح من الضروري إعادة النظر في هذه الاتفاقية وغيرها لحماية الصناعة الوطنية. وهذا يقتضي كذلك ترشيد الاستيراد وتوجيهه  نحو الاستثمار في صناعة محلية لنفس المنتوجات بدعم من الحكومة. 

 

ضرورة تقوية عوامل الإنتاج الصناعي

 

وشدد عضو الفريق الاستقلالي على العمل  من أجل  تقوية عوامل الإنتاج الصناعي ضروري خصوصا على مستوى الولوج المسهَّل للعقار ورفع العراقيل الإدارية وتدليل العقبات اللوجستيكية  وتكوين الموارد البشرية والاستثمار في الرقمنة والثورة الصناعية الرابعة والبحث العلمي. وعلى مستوى التمويل يبدو أنه آن الأوان لوضع أسس بنك وطني للتنمية لمواكبة الاستثمار في الميدان الصناعي خصوصا مع تنامي نزعة البنوك التجارية المغربية على تمويل الاستهلاك والعقار والسيولة أكثر منه المشاريع الاستثمارية البعيدة المدى. كل هذا في إطار إعطاء التفضيلية للمنتوج الوطني والمقاولة الوطنية ليس لأغراض حمائية ولكن لتقوية عود الإنتاج الوطني وتمكين الاقتصاد المغربي من لعب دور أقوى على حلبة العولمة. 
 

بالإضافة إلى توسيع وتمكين ودعم الطبقة الوسطى لتكون الفاعل الأساس في دعم الطلب على المتوج الوطني، لا بد من وضع أسس استراتيجية وطنية للعلم والاختراع والتكنولوجيا لإيجاد حلول مغربية لمشاكل اقتصادية مغربية. يتوفر المغرب على مقومات هائلة لخلق القفزة المنشودة نحو مستقبل أفضل على مستوى الصناعة شريطة استغلال الاضطرابات التي أحدثتها جائحة كورونا من أجل تدبير ذكي واستراتيجي لتحول فعلي إيجابي عميق ومستديم. 

 

وقال السيد النائب إن دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة تغلبت على الوباء بالتكنولوجيا والعلم والاختراع، موضحا أن مدة الحجر الصحي في بلادنا لم تكن لتتجاوز شهرا، لو كان المغرب  يتوفر على استراتيجية وطنية لدعم الاختراع، ومنصة وطنية للبيانات الضخمة وسياسة لاستعمال الذكاء الاصطناعي، وعلى سياسة للبحث عن المخترعين المغاربة أينما كانوا داخل الوطن وخارجه، مبرزا أهمية التوفر على

استراتيجية وطنية للعلم والاختراع والتكنولوجيا والثورة الرابعة لإيجاد حلول لمشاكل اقتصادية واجتماعية ووبائية بسرعة وباستعمال الطاقات الوطنية. 

 

مستجدات كورونا التي يجب أخذها بعين الاعتبار

 

وذكر الأخ لحسن حداد أن هناك مستجدات أساسية ظهرت مع جائحة كورونا يجب أخذها بعين الاعتبار  لتحقيق مناعة أكبر للاقتصاد والصناعة والمجتمع، منها:
 

ـ  أولًا  الأمن الصحي:  الذي  يقتضي جاهزية أكبر على مستوى البنية التحتية وأسرة الإنعاش. هذا يعني ضرورة ان تكون بلادنا قادرة على تصنيع الكثير مما تحتاج إليه على مستوى التجهيزات الطبية والأدوية، موضحا أن المغرب حقق بعض النجاح في هذه الفترة ولكن يجب وضع خطة استباقية للاختراع والتصنيع في مجال الجاهزية من أجل مواجهة أية جائحة في المستقبل لا قدر الله. وهذا يعني وضع وحدات  للبحث والتنمية تضم الجامعة والقطاع الخاص بدعم من الدولة وتشجيع البحث العلمي الطبي والتعاقد مع الكفاءات العلمية المغربية المتواجدة داخل الوطن وخارجه. 
 

ـ ثانيا  الأمن الغذائي: وهو ما يعني ضمان توفير الغذاء الضروري للمواطنين ،حيث من غير معقول استثمار 10 مليار درهم سنويا في الفلاحة ، والمغرب لا يوفر الاكتفاء الذاتي من  القمح والشعير؟ داعيا إلى إعادة النظر في السياسة الفلاحية مع التركيز بالدرجة الأولى، على  السوق الوطنية أولًا وتوفير الحاجيات الضرورية  للمغاربة. وعلى مستوى الصناعة الغذائية، أوضح الأخ النائب أن العلب المستعملة في تعليب سمك السردين، يتم استورادها من الخارج ،حيث عرفت هذه الصناعة اضطراب في بداية الجائحة، والأمر نفسه ينطبق على مركَّز  العصير ، يتم جلبه من الخارج،وحصل فيه اضطراب أبضا، علما بأن المغرب من الدولالرائدة  في ميدان سلسلة الحوامض، مؤكدا أن بلادنا مطالبة في الوقت الراهن بالاهتمام بالصناعة الغذائية بدعم من الدولة لتوفير اكتفاء ذاتي على مستوى سلاسل الإنتاج
 

وعلى مستوى التصدير دعا عضو الفريق الاستقلالي إلى تنويع العرض التصديري الوطنين والانتقال من الأقوال إلى الأفعال والابتعاد عن ترديد الشعارات، موضحا أن المغرب لا يصدر سوى 0.14 ٪؜ من الصادرات العالمية،  حيث يتطلب الأمر اعتماد  استراتيجية حقيقية لتنويع العرض التصديري ليصل إلى أكثر من 1 ٪؜ من الصادرات على المستوى الدولي، وتعزيزو دور المغرب في سلسلة تزويد إفريقيا ومناطق أخرى بالأدوية، ويقتضي ذلك بعد النظر وذكاء اقتصادي وتطورو علامة « صنع بالمغرب «  . 
 

ودعا الأخ النائب إلى الاشغال من أجل تطوير سياسة صناعة  خاصة بالمواد الغدائية علامة "حلال"، موضحا أن استراليا والولايات المتحدة وغيرها يسيطرون  على هذا الميدان الذي يبلغ  رقم معاملاته ألفي  مليار دولار على الصعيد الدولي .   

 




في نفس الركن