الأخ نزار بركة من الجديدة.. يؤكد لا خروج من الأزمة الراهنة دون أن تكون المرأة المغربية طرفا وفاعلا ومستفيدا من ثمار النموذج التنموي الجديد

السبت 28 شتنبر 2019

وفقا لمقتضيات النظام الأساسي للحزب، ترأس الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، يوم السبت 28 شتنبر 2019 بمدينة الجديدة، أشغال الدورة الرابعة العادية للجنة المركزية للحزب، وذلك في ظل حضور وازن لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وحضور مكثف للأخوات والإخوة أعضاء اللجنة المركزية للحزب.

وتميزت هذه المحطة التنظيمية الهامة، بالعرض السياسي للأخ الأمين العام للحزب حول المرأة المغربية والمناصفة، ليتم بعد ذلك عرض تقرير أعدته لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص المنبثقة عن اللجنة المركزية للحزب من طرف الأخت منيرة الرحوي رئيسة اللجنة، حول موضوع "المناصفة وتكافؤ الفرص بالمغرب..المسارات الممكنة والتحديات المطروحة".

وتناول الأخ نزار بركة الكلمة، مسجلا في مستهلها انعقاد دورة أخرى للجنة المركزية للحزب خارج مدينة الرباط، وبالضبط في مدينة الجديدة، وذلك تكريسا للتوجه الجهوي الذي اختارته قيادة الحزب في عقد دورات اللجنة المركزية، مبرزا أن هذا التوجه نحو الجهات ونحو المجالات الترابية والقرب النضالي من هموم المواطن، يعتبر خيارا استراتيجيا بالنسبة لحزب الاستقلال وفي الاستراتيجية الجديدة للنهوض بالأداء الحزبي، سواء على مستوى دينامية التنظيم، أو على مستوى المواقف التي يتم التعبير عنها والمبادرات التي يتم تقديمها في خدمة المواطنات والمواطنين.

وفي هذا الصدد، هنأ الأخ الأمين العام عضوات وأعضاء اللجنة المركزية للحزب، بمختلف لجانها الدائمة، على هذا النفس الجديد في العمل، وعلى راهنية المواضيع والقضايا التي تتم دراستها، وكذا على جودة الأفكار والاقتراحات والحلول التي يتم تقديمها، مشيرا إلى استطاعت الحزب في إطار تفعيل الاستراتيجية الجديدة للنهوض بأداء الحزب، من جعل كل دورة من دورات اللجنة المركزية مناسبة لتقديم ومناقشة تقرير موضوعاتي من إنجاز إحدى اللجان الدائمة، في قضية من القضايا ذات الأهمية والراهنية في الساحة الوطنية، وفي انشغالات المواطنات والمواطنين.
 
وأوضح الأخ نزار بركة أن اللجنة المركزية للحزب بعد انكبابها على إشكاليات إصلاح التعليم، وعلى وضعية مغاربة العالم ومقومات المواطنة الكاملة، تخصص اليوم دورتها الرابعة العادية لتدارس موضوع "المرأة والمناصفة"، بمبادرة من اللجنة الدائمة المكلفة بالمناصفة وتكافؤ الفرص، مسجلا أن طرح موضوع "المرأة والمناصفة"، بهذه الصيغة الدالة التي تم اختيارها، لا يمكنه إلا أن يؤشر بقوة إلى أوضاع المرأة المغربية بأبعادها المختلفة الحقوقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
 
وأشار الأخ الأمين العام إلى أن واقع حال المرأة المغربية اليوم لم يحقق القفزة النوعية التي بشَّر بها دستور 2011، وناضلت من أجلها أجيال من الفعاليات الوطنية والديمقراطية والحقوقية منذ الاستقلال إلى اليوم، وذلك بالرغم من التنصيص الدستوري على المساواة بين الرجل والمرأة، في الحقوق والواجبات، ومحاربة كل أشكال التمييز في مختلف مناحي الحياة..، وإقرار مبدإ السعي إلى المناصفة في أفق المساواة كتمييز إيجابي لتدارك النواقص المتراكمة خلال عقود..، ورغم كل السياسات والبرامج العمومية التي تقوم على مقاربة النوع الاجتماعي، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء.
 

وسجل الأخ نزار بركة أن بلادنا إن لم تنجح بعد في تحقيق التقدم الذي يطمح إليه الجميع، فيما يتعلق بأوضاع المرأة رغم الإرادة السياسية والجهود المبذولة، فإن مؤشرات كثيرة اليوم، تبعث على القلق والتوجس من عودة بعض مظاهر النكوص والتراجع، لا سيما أمام استمرار ارتفاع أمية النساء حوالي 46 في المائة، واستمرار ظاهرة الهدر والانقطاع الدراسي وهو ما يمنع 60 في المائة من الفتيات في العالم القروي من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
 
كما نبه الأخ الأمين العام إلى التقهقر الممنهج لمساهمة المرأة في الساكنة النشيطة حيث تشكل 22 في المائة، بالإضافة إلى سوق الشغل حيث تشكل بطالة النساء ضعف بطالة الرجال، إلى جانب انسداد آفاق الارتقاء الاجتماعي أمام الفتيات مما يكرس التوريث الجيلي للفقر بأكثر من 7 مرات مقارنة مع الرجل الذي ينتمي إلى الأسرة الواحدة، لا سيما في العالم القروي، هذا بالإضافة إلى عودة ذهنيات وممارسات إقصائية للمرأة من الحياة العامة بمختلف مجالاتها، والمساهمة الفاعلة في المشروع المجتمعي المشترك، ولعل هذه المرجعية المضادة هي الأساس الذي يتغذى منه العنف المتزايد الذي تعاني منه المرأة بتجلياته المتعددة جسديا ورمزيا واجتماعيا واقتصاديا، ولا سيما في الفضاء العام، وفي شبكات التواصل الاجتماعية، وفي وسائل الإعلام.
 
وأكد الأخ نزار بركة أنه وهو يستعرض بأسف شديد هذه المؤشرات السلبية التي أصبحت محط إجماع، والتي نكاد في حزب الاستقلال ترديدها باستمرار في السنوات الأخيرة، من دون جدوى، ومن دون أن تجد الإنصات والتفاعل الضروريين من قبل الحكومة والسلطات العمومية، لتحصين المكتسبات وتجاوز الاختلالات والنواقص التي تعتري واقع المرأة المغربية بتداعياتها على المجتمع برمته.
 

وأبرز الأخ الأمين العام أن العالم القروي إذا كان في مقدمة المجالات الترابية التي طالها الإقصاء والتهميش في ظل النموذج التنموي الحالي الذي بلغ مداه، فإن المرأة تظل الضحية الأولى لهذا النموذج التنموي، ذلك أنه كلما تفاقمت الفوارق الاجتماعية والمجالية، وضَاقَت هوامش الحريات والمبادرة والعيش المشترك، وتَرَاخَتْ روابطُ التماسك الاجتماعي، كُلما كان وقعُها على المرأةِ أكثرَ حِدة وحَيْفا وظلما في التمتع بحقوقها كاملة كما يضمنها الدستور، وفي الولوج إلى الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم والشغل والقضاء، وغيرها من مقومات الحياة الآمنة والكريمة.
 
واعتبر الأخ نزار بركة أن كل إطالة وتمطيط في عمر النموذج التنموي الحالي المأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لن يزيدَ وضع المرأة المغربية إلا تدهورا وتعقيدا، لا سيما بموازاة مع بروز أفكار وممارسات حَدية لا تأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع المغربي في ظل المشروع المشترك، بل وتشجع على التقاطبات والشروخ القِيمية والهوياتية، متسائلا في ذات الآن حول الجدوى من تشبت الحكومة بالنموذج التنموي الحالي في سياساتها العمومية كما هو الشأن في مشروع قانون المالية 2020 في مذكرته التوجيهية.
 
وسجل الأخ الأمين العام أن حزب الاستقلال عندما يقف اليوم إلى جانب إحقاق حقوق المرأة المغربية، والنهوض بأوضاعها، وتمكينها من المواطنة الكاملة وغير المنقوصة، فإنه لا يقوم بذلك من باب الوعي الطارئ أو التقليعة السياسية، أو لمواكبة شكليات التغيير على المستوى الوطني والدولي، بل إن الوعي النسائي هو مكون متجذر في الرصيد الفكري والنضالي والسياسي لحزب الاستقلال، ومرجعية أساسية في أدبياته ووثائقه وتنظيماته المركزية والمحلية والقطاعية.
 

وذكر الأخ نزار بركة  بما حظيت به قضايا المرأة من نصيب وافر من فكر الزعيم علال الفاسي، حيث كانت حاضرة بقوة في مختلف إنتاجاته الفقهية والقانونية والأدبية والسياسية، كما داعا إلى تحريرها من قيود العادات والتقاليد البالية وغير النامية، وفي ذلك، يقول الزعيم علال الفاسي في (النقد الذاتي) "إني لأَعتقدُ أنه لا حياةَ لأمتنا ولأمةٍ على وجه الأرض ما دامتِ المرأةُ محرومةً من حقوقها وممنوعةً من أداء واجبها".
 
هذه القناعة الراسخة لدى الزعيم علال الفاسي وداخل البيت الاستقلالي، يؤكد الأخ الأمين العام تمت ترجمتها من خلال إدماج المناضلة الاستقلالية في الأجهزة التقريرية والتنفيذية للحزب، والسبق في اعتماد مبدإ المحاصَصة والتمييز الإيجابي، فضلا عن المكانة المتميزة التي تحظى بها منظمة المرأة الاستقلالية، منذ أكثر من 30 سنة، في اتخاذ الموقف والقرار الحزبي، وفي مأسسة الترافع حول قضايا المرأة في المنظومة الحزبية ككل بالإضافة إلى  المساهمة باسم حزب الاستقلال في المعارك النسائية الكبرى التي عرفتها بلادُنا، إلى جانب باقي القوى النسائية الوطنية والديمقراطية والفعاليات الحقوقية، فيما يتعلق بالتمثيلية السياسية للنساء، وإصلاح مدونة الأحوال الشخصية والأسرة، والمُراجعات الدستورية والمجتمعية بخصوص دسترة المساواة والمناصفة وغيرها..
 
واعتبر الأخ نزار بركة أن العناية بقضايا المرأة المغربية والنهوض بأوضاعها، لم يعد شأنا حقوقيا فحسب، أو محورا إضافيا ضمن التدابير المواكبة لاستراتيجيات التنمية، أو واجهة لتلميع صورة المغرب في الخارج، وإنما هو اليوم جزء لا يتجزأ من القضية التنموية في شموليتها والتقائية أبعادها وأهدافها، مؤكدا أن حزب الاستقلال وضمن تصوره للنموذج التنموي الجديد يعتبر أن المرأة توجد في صلب هذا النموذج المنشود، ولا يمكن تحقيق القطائع والانتقالات التي يتطلع إليها الحزب للخروج من الأزمة، دون أن تكون المرأة طرفا وفاعلا ومستفيدا من ثمار هذا النموذج التنموي الجديد.
 

وشدد الأخ الأمين العام على ضرورة تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة المتمدرسة والزوجة والأم وربة الأسرة، بما يقتضيه الأمر من حماية قانونية، وآليات مؤسساتية لمحاربة كل أشكل التمييز والصور النمطية المُسيئة، وبرامج تنموية لإنصاف النساء في وضعية هشاشة، ولا سيما في العالم القروي، إلى جانب التمكين السياسي للمرأة الفاعلة وتقوية حضورها في صناعة القرار ومساهمتها في مجهود التنمية.
 
وأوضح الأخ نزار بركة أن بلادنا إذا كانت مقبلة على إرساء عقد اجتماعي جديد في أعقاب الحوار الوطني حول النموذج التنموي، فإن المرأة المغربية معنية ومدعوة إلى المساهمة الفاعلة في بلورة هذه التعاقدات الجديدة لاستشراف مغرب المستقبل، وهي التعاقدات التي أكد عليها الحزب في "منتدى التفكير التعادلي" المنظم مؤخرا، في إطار تصور شمولي ومتكامل الأبعاد.
 
هذه التعاقدات يقول الأخ الأمين العام تتمثل في تكريس الديمقراطية وتقوية دولة القانون والمؤسسات، إلى جانب تعاقد من أجل مواطنة مبنية على القيم والواجبات والمنافع المشاركة، وتعاقد من أجل تقوية التماسك المجتمعي، بالإضافة إلى تعاقد من أجل تحرير الطاقات.
 

واستحضارا لقيم وتوجهات المرجعية التعادلية المتجددة، شدد الأخ نزار بركة على ضرورة أن ينصب التفكير خلال هذه الدورة للجنة المركزية، وما سيتمخض عن أشغالها من مقترحات ومبادرات، على مسالك عمل تضمن المساهمة في تأطير المرأة المغربية، في المدن والعالم القروي، والتفاعل مع حاجياتها وانتظاراتها، والقرب من مختلف فئاتها ولا سيما الأكثر خصاصا، إلى جانب تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والشأن العام بالتمثيلية المنصفة لها وإسماع صوتها داخل المؤسسات، وتوسيع مشاركتها في آليات الديمقراطية التشاركية، هذا بالإضافة إلى المساهمة في تأطير وإغناء النقاشات العمومية حول الحقوق والحريات ذات الصلة بوضعية المرأة، وفق مبادئ الحوار المدني البناء، وبالارتكاز على المرجعية الدستورية، وقيم التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، التي تستهدف المصالح الفضلى للمرأة والأسرة المغربية.
 
كما تتجلى مسالك العمل أيضا، يقول الأخ الأمين العام، في المساهمة في برامج تمدرس الفتيات وتقوية قدراتهن، وبرامج محو الأمية والأمية الوظيفية، مع إعطاء الأولوية لفتيات ونساء العالم القروي، بالإضافة إلى المساهمة كذلك عبر برامج تطوير القدرات والمهارات والفرصة الثانية لتيسير ولوج المرأة إلى سوق العمل، وتقوية نشاطها وقابلية التشغيل لديها، وولوج الفتيات إلى مجموع مسالك التكوين المتوفرة، والترافع من أجل توسيع قاعدة الولوج إلى التعليم الأولي للمساهمة في تحرير طاقات النساء-الأمهات، بحيث ستمكنهم من الاندماج في الحياة المهنية، والرفع من مساهمة المرأة في الساكنة النشيطة وبالتالي في دورة التنمية.  
 
مسالك العمل هاته، يسجل الأخ نزار بركة تتمثل كذلك في الترافع من أجل وضع استراتيجية مندمِجة للاعتراف بعمل النساء عموما، ولا سيما العمل المنزلي وفي الوسط القروي، وتثمينه وتعويضه التعويض العادل، بالإضافة إلى الترافع من أجل اعتماد "المشاركة في المُمتلكات المكتسبة" كقاعدة ممكنة في إطار العلاقة الزوجية، ومواكبة المقاولة النسائية بالترافع والقوة الاقتراحية والمبادرة التشريعية من أجل تطوير وتوسيع ولوج المرأة إلى التمويل، ولا سيما بالنسبة لمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التي تتميز بمشاركة مهمة للمرأة في أنشطتها المدرة للدخل، إلى جانب السعي نحو تغيير العقليات والممارسات لتسهيل تفعيل المقتضيات القانونية الجديدة حول المساواة في المجال العقاري بين الرجل والمرأة فيما يخص الأراضي الجماعية والسلالية. والتي من المؤكد تعتبر إنجازا كبيرا بفضل نضالات الحركة النسائية الوطنية، لكنها تحتاج إلى مواكبة ثقافية وميدانية من أجل إنجاحه.
 
وفي ختام عرضه السياسي الهام، شكر الأخ الأمين العام عضوات وأعضاء لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص على اختيار هذا الموضوع الهام، وعلى التقرير التحليلي والمرقم الذي تم إنجازه في هذا الصدد.




في نفس الركن