الأخ نزار بركة يدعو إلى إرساء تعاقد جديد يعيد الثقة لمغاربة العالم ويفعل مقومات المواطنة الكاملة

الاثنين 1 يوليو/جويلية 2019

وفقا لمقتضيات النظام الأساسي للحزب، ترأس الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، يوم الأحد 30 يونيو 2019 بالمركز العام للحزب بالرباط، أشغال الدورة الثالثة العادية للجنة المركزية للحزب، وذلك في ظل حضور وازن لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وحضور مكثف للأخوات والإخوة أعضاء اللجنة المركزية للحزب.

وتميزت هذه المحطة التنظيمية الهامة، بالعرض السياسي للأخ الأمين العام للحزب حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ببلادنا وشؤون الجالية المغربية بالمهجر، ليتم بعد ذلك عرض تقرير أعدته لجنة المغاربة المقيمين بالخارج المنبثقة عن اللجنة المركزية للحزب، حول موضوع "المواطنة الكاملة والمشاركة السياسية لمغاربة العالم".

وتناول الأخ نزار بركة الكلمة، مؤكدا أن انعقاد دورة جديدة للجنة المركزية للحزب يأتي بفضل تضافر جهود جميع الاستقلاليات والاستقلاليين، حيث أخذت هذه الهيئة الحزبية تسير بخطى ثابتة في استعادة مكانتها وديناميتها وإشعاعها المعتاد في الهندسة التنظيمية والقوة الترافعية والاقتراحية للحزب، كما تنعقد هذه الدورة كذلك، في إطار النظام الداخلي الجديد للجنة المركزية، بعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوطني في دورته الأخيرة.

وسجل الأخ الأمين العام أن هذا النظام الداخلي الجديد الذي يعزز هياكل اللجنة المركزية بإحداث لجان دائمة جديدة للدارسات والأبحاث، من شأنها توسيع وتعميق دائرة الاشتغال إلى المجالات السياسية والحكامة المجالية، وتتبع التقارير المؤسساتية والمؤشرات الإحصائية، بالإضافة إلى العمل الذي تقوم به اللجان الدائمة المحدثة بموجب النظام الأساسي للحزب فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ودارسة قضايا المناصفة وتكافؤ الفرص، وقضايا المغاربة المقيمين في الخارج، وتتبع تطوارت الوحدة الترابية للمملكة.
 
وأبرز الأخ نزار بركة أن حزب الاستقلال استطاع  في إطار تفعيل الاستارتيجية الجديدة للنهوض بأداء الحزب، أن يجعل من كل دورة من دوارت اللجنة المركزية مناسبة لتقديم ومناقشة تقرير موضوعاتي من إنجاز إحدى اللجان الدائمة، في قضية من القضايا ذات الأهمية والراهنية في الساحة الوطنية، وفي انشغالات المواطنات والمواطنين، مشيرا إلى أن لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والبيئية أعدت تقريرا هاما حول إصلاح منظومة التعليم ببلادنا والذي تم تقديمه خلال الدورة الماضية بمدينة العيون، واليوم أعضاء اللجنة المركزية للحزب مدعوون للتداول والنقاش حول الأرضية، التي لا تقل أهمية ولا راهنية عن إصلاح التعليم، والتي تتعلق بوضعية مغاربة العالم ومقومات المواطنة الكاملة، من إعداد لجنة المغاربة المقيمين في الخارج.
 
كما أكد الأخ الأمين العام على أن هذه الدورة للجنة المركزية للحزب تنعقد في سياق وطني، أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه يتسم ليس فقط باستمارر أجواء الاحتقان والشك، واتساع بوادر التصادم بسبب تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية، وإنما يتسم كذلك بتطبيع المواطنات والمواطنين مع عجز الحكومة، ومع خلافات مكوناتها، ومع  تنصل الحكومة من التازماتها ووعودها، ومع مشاريع الإصلاح والتنمية المعلقة التي أصبحت رهينة التقديرات الحزبية لمكونات الأغلبية الحكومية.
 

متسائلا عن المصير المجهول للقانون الإطار لإصلاح التربية والتكوين والبحث العلمي، وإصلاح التقاعد الذي سيقترب في سنوات قليلة من عجز هيكلي جديد سيتحمل كلفته المواطن مرة أخرى، بالإضافة إلى الإصلاح الشمولي للمقاصة أمام اختلالات التحرير المنقوص للمحروقات والتدهور المتواصل للقدرة الشرائية، وأي عدة أعدتها الحكومة لإنقاذ برنامج المساعدة الطبية للمعوزين "راميد" من الإفلاس، وفي غياب توفر الخدمات الصحية الأساسية التي تعيد بلادنا إلى عقود ماضية، إلى جانب وعود الشغل بمئات الآلاف سنويا أمام إفلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تنتج الشغل، بسبب ضعف التمويل وتأخر آجال الأداء إلى أكثر من 5 أشهر رغم الالتزامات المتكررة للحكومة.
 
وأردف الأخ نزار بركة قائلا "قد نستمر في جرد الإصلاحات المؤجلة، والاستراتيجيات التي تنتظر التفعيل، والسياسات العمومية التي أفرغت من محتواها وأثرها التنموي وأصبحت عبءا جديدا بعدما كانت حلا وأملا يتطلع إليه المواطنات والمواطنون، لأننا نضع نظارة سوداء على أعيننا، ولكن لأن موقع المسؤولية التي نحن فيها كمعارضة وطنية استقلالية، تقتضي أن نسمى الأشياء بمسمياتها، وأن نتبنى خطاب الواقعية والصراحة، وقول الحقيقة التي يعيشها المواطن في الواقع اليومي، ولن تكون المساحيق والأصباغ الرقمية والإحصائية التي توظفها الحكومة،  كافية من أجل تحويل النقائص والاختلالات إلى منجزات، وتحويل العجز إلى نجاحات، وكأن الحكومة تبحث عن إشباع أو انتشاء داخلي بعيدا عن رضا المواطنات والمواطنين، ليس إلا".
 
وأوضح الأخ الأمين العام أنه من منطلق المعارضة الوطنية الاستقلالية  لم و لن يكتفي حزب الاستقلال بالنقد البناء وبالتنبيه المسؤول، وبالترافع عن القضايا والمطالب المشروعة، ولكنه سيجعل دائما من بلورة الاقتراحات وتقديم الحلول منهجا وغاية، تماما كما تقدم الحزب في السابق بعدة مذكرات تقترح حلولا وبدائل عملية لتجويد الأداء الحكومي، والتجاوب مع الحاجيات والانتظاارت المعبر عنها من قبل المواطنات والمواطنين، ولا سيما في الأقاليم الفقيرة والمجالات الترابية المحرومة.
 

كما سجل الأخ نزار بركة أن الحزب توجه إلى الحكومة بمذكرات حول النهوض بالشريط الحدودي وجهة الشرق، وحول مشروع قانون مالي تعديلي لمواجهة الغلاء وحماية القدرة الشارئية للطبقة الوسطى المهددة بالتفقير، ولدعم التشغيل وخلق فرص الشغل أمام الشباب الذي يغامر بحياته في البحث عن ملاذات أخرى خارج أرض الوطن، تحقق له الكرامة والإدماج والاستقرار والارتقاء الاجتماعي، وهي مبادرات وغيرها لم تجد سوى نفس المآل التي وجدته المطالب المشروعة للمواطنات والمواطنين، لا إنصات ،ولا تفاعل، ولا تجاوب، ولا حلول استعجالية ولا هيكلية للمشاكل المتاركمة والتي لا يزيدها التجاهل إلا تعقيدا.
 
واعتبر الأخ الأمين العام أنه ليس صدفة أو من باب الترف الفكري والسياسي أن يتم تخصيص أشغال هذه الدورة العادية للجنة المركزية لمدارسة موضوع "مغاربة العالم ومقومات المواطنة الكاملة"، وذلك لأن هذا الموضوع يندرج في إطار الانشغالات الأساسية للحزب، والذي يجد له حضورا أصيلا ودائما في مختلف أدبيات الحزب ووثائقه المرجعية، مشيرا إلى أن الحزب ما فتئ يطرح مختلف القضايا ذات الارتباط بالمهاجر المغربي، أو بالجالية أو بالمغاربة المقيمين في الخارج، أو بمغاربة العالم، وغيرها من التسميات التي تعاقبت منذ الاستقلال إلى الآن، من زاوية المواطنة الكاملة بدون تمييز، التي تقوم على ضمان تكافؤ الفرص أمام جميع المواطنات والمواطنين، وتقوية قيم الحقوق في اقتارنها بالواجبات، وتوطيد روابط الانتماء إلى الإنسية المغربية في وحدتها وتنوعها، والانفتاح على القيم الكونية في إطار التلاقح الإيجابي والحوار البناء بين الثقافات.
 
وأبرز الأخ نزار بركة أن حزب الاستقلال كان حريصا دائما وهو يقود التجربة الحكومية برئاسة الأخ عباس الفاسي، وثم بعد ذلك من خلال الأخ عبد اللطيف معزوز كوزير مكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج، على ضرورة مواكبة حاجيات وانتظارات أفراد الجالية المغربية سواء في بلدان إقامتهم أو عند عودتهم إلى بلادهم، إلى جانب التأكيد على ضرورة تقوية واستمرارية روابطهم الروحية والثقافية مع وطنهم الأم، والدعوة إلى تمكينهم من الانخراط في الدينامية السياسية والتنموية التي تم تتويجها من خلال دستور يوليوز 2011، الذي يرسخ الخيار الديمقراطي والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويوفر مستلزمات المواطنة الكاملة للجميع بدون تمييز، و يدستر هذه العلاقة بين مغاربة العالم  وبين وطنهم الأصلي.
 

مشددا على أن تفعيل هذا المقتضى الدستوري السالف الذكر لم يذهب بعيدا، وظل حبيس قراءة ضيقة لا تحمل النفس الديمقراطي المتقدم الذي يحمله الدستور الجديد فيما يتعلق بالمشاركة السياسية لمغاربة العالم، التي تعتبر كذلك من ضمن الجسور الأساسية التي تعزز روابط الانتماء بالنسبة لمغاربة العالم، مؤكدا أن هناك حاجة ماسة اليوم إلى إعادة النظر في مفهوم وآليات الإشراك والمشاركة المواطنة تجاه مغاربة العالم، لا سيما في ظل ما تعيشه بلدان الإقامة في السنوات الأخيرة من صعود لأفكار اليمين المتطرف وكراهية المهاجر، وتنامي الهويات الحصرية في أوروبا خاصة، التي  تهدد كما تغري مواطنيها من ذوي الأصول المغربية والمغاربية عموما، من أجل التخلي عن هوياتهم الأصلية.
 
وتساءل الأخ الأمين العام عن ما هيأته الحكومة مقابل هذه التهديدات والإغارءات التي تتعرض لها الجالية المغربية بالخارج للدفع بها نحو القطيعة مع بلدها الأصلي، وما هيأته كذلك لاسترجاع ثقة مغاربة العالم، خارج حملات حسن الاستقبال بمناسبة موسم الصيف والأعياد الدينية، وبما يضمن لهم حقوقهم والأمن القانوني الذي  يحصن ممتلكاتهم من السطو والاحتيال، ويشجعهم على الإقامة بالتناوب، أو الاستثمار أو العودة النهائية إلى المغرب، وكيف تفسر اليوم، وعلى مدى السنوات الأخيرة، التراجع الملحوظ في تحويلات الجالية المغربية وخاصة المقيمة في أوروبا الغربية، بحيث تسجل الأرقام انخفاضا مهما في عدد من البلدان مثل: إسبانيا ناقص 32 في المائة، وإيطاليا ناقص 10 في المائة، وفرنسا ناقص 1.5 في المائة، وهي بلدان تمثل لوحدها أكثر من 53 في المائة من مجموع تحويلات المغاربة في الخارج.
 
كما تساءل الأخ نزار بركة عن الكيفية التي تريد من خلالها الحكومة أن تستقطب وتعزز جاذبية المغرب للإقامة أو الاستثمار أمام مغاربة العالم، وهم يتابعون عن كثب، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، هجرات ممنهجة وكبيرة للكفاءات والخبرات من أطباء ومهندسين وغيرهم، بالإضافة إلى تدفقات الهجرة السرية التي ارتفعت في السنوات الأخيرة بوتيرة مقلقة، مؤكدا أنه لا يمكن استعادة ثقة مغاربة العالم إلا من خلال إرساء تعاقد جديد يواكب التحولات السياسية والمجتمعية الجارية في بلدان الإقامة ،ويفعل مقومات المواطنة الكاملة التي يكرسها الدستور سواء لمغاربة الداخل أو الخارج.
 
وفي هذا الصدد، أبرز الأخ الأمين العام أن العلاقة التي تربط مغاربة العالم بوطنهم الأصلي لم يعد كافيا أن تبقى مبنية على الحنين إلى أرض الأجداد، أو على الروابط الدينية والثقافية على أهميتها، ولم يعد مقبولا أن نكرس ذلك الإحساس بالحيف الذي يشعر به المهاجر المغربي، وهو يرى نفسه مواطنا موسميا أو مواطنا من الدرجة الثانية الذي يمثل أكثر من 5 مليون مواطن، ويساهم بأكثر من 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنويا، لكن لا حق له في مشاركة وتمثيلية سياسة كاملة في المسار الديمقراطي لبلادنا، ولا في مسلسل التشارك والتشاور المرتبط باتخاذ القرار العام وفي الاستشارات الكبرى ببلادنا.

كما شدد الأخ نزار بركة على ضرورة إشراك مغاربة العالم، حيث يقيمون في الحوار الوطني الجاري حول النموذج التنموي، ولابد من الإنصات إلى تصوراتهم وانتظاراتهم واقتراحاتهم من هذا التحول نحو نموذج تنموي جديد، وحول الدور المستقبلي الذي ينبغي أن يساهموا من خلاله في تفعيل هذا النموذج، انطلاقا من المواطنة الكاملة التي يتمتعون بها، مؤكدا أن حزب الاستقلال دافع من خلاله تصوره للنموذج التنموي الجديد على ضرورة تمتيع المغاربة المقيمين في الخارج بالحق في التصويت والترشيح في جميع المؤسسات المنتخبة انطلاقا من بلدان إقامتهم، مع إحداث الجهة رقم 13 وتقسيمها إلى دوائر انتخابية دولية، تكون ممثلة على مستوى مجلس المستشارين، مع تمكينهم من الإدلاء بأصواتهم حيث يقيمون في الانتخابات التشريعية.
 
وفي ختام كلمته، أبرز الأخ الأمين العام أن الأرضية التي تم إعدادها من قبل لجنة المغاربة المقيمين في الخارج، سوف تقدم توجهات وتدابير من شأنها المضي في توطيد الروابط تجاه مغاربة العالم في إطار المواطنة الواحدة والكاملة التي يضمنها الدستور للجميع، والمبنية على تلازم الحقوق والواجبات، والاقتسام المنصف للمنافع، وعلى مواطنة الوجدان الذي يجعل المغرب "يسكننا ويسكن فينا حتى ولو أقمنا في بلد آخر".



في نفس الركن