الأخ نزار بركة.. يشدد على ضرورة جاهزية بلادنا لتنزيل الحكم الذاتي وتملك السيادة الوطنية ويدعو لفتح ورش إصلاحات سياسية جديدة تنهي غموض وضبابية المشهد السياسي

الثلاثاء 12 يناير 2021

تخليدا للذكرى 77 لتقديم وثيقة 11 يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال، ألقى الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، مساء يوم الاثنين 11 يناير 2021، كلمة بالمناسبة، عبر في مستهلها عن مشاعر الاعتزاز والإكبار والسعادة بتخليد هذه الذكرى المجيدة، تحت شعار "الوطنية والديمقراطية أساس المشروع التنموي الجديد"، كمحطة مشرقة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن المقدسات والثوابت الوطنية، مبرزا أن الحزب حرص على التئامها عن بعد تقيدا بحالة الطوارئ الصحية المعتمدة ببلادنا وبالتدابير الاحترازية المتخذة للحد من تفشي جائحة كورونا.

وفي ما يلي النص الكامل لكلمة الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال تخليدا للذكرى 77 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال : 
 
 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          بكل مشاعر الاعتزاز والإكبار، يسعدني أن أجدد اللقاء بكم اليوم لتخليد الذكرى 77 لتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، تحت شعار: "الوطنية والديمقراطية أساس المشروع التنموي الجديد"، كمحطة مشرقة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن المقدسات والثوابت الوطنية، وهو لقاء حرصنا على التئامه عن بعد تقيُّدا بحالة الطوارئ الصحية المعتمدة ببلادنا وبالتدابير الاحترازية المتخذة للحد من تفشي جائحة كورونا.

●          مرت سبعٌ وسبعون سنة على هذا الحدث الوطني المجيد الذي أوقد شعلة الحماس الوطني وغذَّى روح التضحية والكفاح المستميت من أجل صون عزة الوطن وكرامته.

●          حدث جسَّد بروحه المتجددة ودلالته الوطنية ومعانيه السياسية سمو الوعي الوطني وقوة التحام العرش بالشعب دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية والمقومات الحضارية المميزة لهوية الأمة ووحدتها وتماسكها، والتي تَعِدُ بغدٍ أفضل لمغرب مستقل ينعم بالحرية والديمقراطية في ظل ملكية دستورية وقيم مجتمعية مبنية على العدل والإنصاف وتكافؤ الفرص، والتضامن والتوازن.

●          وإذا كنا في حزب الاستقلال قد دأبنا على إحياء ذكرى هذه الوثيقة التاريخية منذ فجر الاستقلال باعتبارها إحدى المحطات المضيئة في تاريخ بلادنا المعاصر، فإن وعي جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه بالمغزى العميق لهذا الحدث الجهادي والنضالي الخالد، حدَا بجلالته إلى جعل يوم 11 يناير يوم عطلة وطنية لتظل الذكرى حية في فكر ووجدان المغاربة، لنتعلم من شموخها الإِباء، ونجدد على هديها العزمَ لمواصلة الرسالة التي آمنوا بها وضَحُّوا من أجلها. ولتستلهم منها الأجيال الصاعدة الدروس والعبر لكسب رهانات استكمال مسيرة التحرير والوحدة وتوطيد دعائم الديمقراطية وتحقيق التعادلية الاقتصادية والاجتماعية كمشروع مجتمعي ينشد العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وضمان العيش الكريم لكافة المواطنات والمواطنين.  
 

●          لقد تولدت وثيقة المطالبة بالاستقلال عن لحظة نادرة من لحظات الصحوة الوطنية، وانبثاق فكرة الأمة المغربية ذات السيادة والتراب ووحدة الشعب، في إطار دولة عصرية ديمقراطية، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا بتحقيق الحرية والاستقلال في ظل النظام الملكي المُوحِّد للمجتمع بتنوع مكوناته وروافده.

●          وبوعي سياسي وجيو- استراتيجي جد متقدم حينذاك، وفرنسا لا زالت تقبعُ تحت الاحتلال النازي، أدركَ مهندسو وموقعو الوثيقة، بدعم ومباركة من المغفور له  السلطان محمد الخامس طيب الله ثراه، أنه أمام المغرب فرصةٌ سانحةٌ ليكون جزءا من العالم الجديد الذي سوف يخرج من أنقاض الحرب العالمية الثانية، عالمٌ حر  يعترف "بحق الشعوب في حكم نفسها بنفسها" ( وثيقة الاستقلال)، ويؤمن بالقيم الديمقراطية في تدبير شؤونهم الداخلية، وشؤون بلدانهم.

●          وبهذا كانت وثيقة الاستقلال، بمضامينها التحررية وبعدها الاستشرافي للمستقبل، بمثابة عقد/ تعاقد اجتماعي جديد بين القوى الوطنية والحية وعلى رأسهم المغفور له السلطان محمد الخامس، يقوم على تحالف مقدس مُتجدّد بين العرش والشعب،  وعلى الوطنية كقوةِ دفعٍ نحو الإصلاح والتقدم والانفتاح، وعلى الديمقراطية الضامنة للحقوق والحريات في اقترانها بالواجبات.

●          وعلى نهج هذا العَقد الاجتماعي الذي أسَّسَتْ له عريضة المطالبة بالاستقلال في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، سار المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في بناء الدولة العصرية والانتصار لخيار الانفراج السياسي والتناوب الديمقراطي.

●          وهو النهج الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منذ  اعتلائه على العرش، بكل عزم وثبات تجسيدا للملكية الوطنية والمواطنة التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاتِه وتطلعاتِه، وتقوم بالإصلاحات والمصالحات.

ومن جهة أخرى، فإن تاريخ 11 يناير، الذي يقترن بميلاد مطلب الاستقلال، سيكون له دلالات رمزية قوية في مسار حزب الاستقلال، من خلال الحرص على الإعلان عن العديد من المواقف الوطنية والمبادرات السياسية، التي لا تعوزها الوجاهة والجرأة والروح الوحدوية، على غرار ما تحمله عريضة المطالبة بالاستقلال.
 
وعلى سبيل المثال لا الحصر، واستلهاما لرمزية 11 يناير، اختار الزعيم علال الفاسي رحمه الله، يوم هذه الذكرى لإخراج وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية سنة 1963، التي تشكل المرجعية الفكرية والإيديولوجية المتفردة لحزب الاستقلال، والحاملة للرؤية المتبصرة التي يتميز بها لتنمية المواطن والمجتمع والبلاد.
 
ولربط الحاضر بالماضي رَبْطًا خلاَّقا يُنْصِتُ للحظة ولنداء المستقبل، استحضرنا روح وفلسفة هذا الحدث المشرق في تاريخ بلادنا وحزبنا، ونحن نقدم في 11 يناير 2019 مذكرة "المشروع التعادلي المتجدد لحزب الاستقلال"، مساهمة من الحزب في ورش التفكير حول النموذج التنموي الجديد لبلادنا الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس أيده الله.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          لقد كان صون الوحدة الترابية في ظل الاستقلال، في صدارة الثوابت الأساسية التي تنبني عليها وثيقة المطالبة بالاستقلال، وذلك من منطلق إيمان رجالات الحركة الوطنية بأن الكفاح من أجل الحرية والاستقلال لن يبلغ مراميه إلا باستكمال وتحرير كافة الأراضي المغربية المستعمرة.

●          لذلك لا غُرو أن يتواصل استكمال الوحدة الترابية واسترجاع السيادة المغربية على كافة التراب الوطني، بعد نيل الاستقلال، من خلال اعتماد مقاربة مُتبصِّرة ودينامية تعتمد منطق التدرج والتطور انطلاقا من تحرير طرفاية 1958، وسيدي إفني سنة 1969، والساقية الحمراء سنة 1975 ووادي الذهب سنة 1979.

●          وهي مسيرة متواصلة بتوازناتها وتحدياتها الإقليمية والدولية، والتي استطاعت بلادُنا دائما، بقيادة ملوكها (من المغفور لهما الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني رحمهما الله، إلى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله) أن تُدَبِّرَها بالحنكة والحكمة والدفع بالحلول السلمية والمبادرات التنموية، وكل ذلك في إطار إحقاق الحقوق التاريخية لبلادنا، واحترام الشرعية الدولية.

●          وحزب الاستقلال، الذي تحتل القضية الوطنية عمقَ المشروع المجتمعي الذي يدافع عنه، ظل وفيا للنهج النضالي لزعيمه الراحل علال الفاسي في الدفاع عن الوحدة الترابية، وظلت قناعتُه راسخةً في أن مسلسل استكمال تلك الوحدة لم ينته بعد، وستبقى بلادُنا متشبثةً بحقوقها التاريخية المشروعة على كل شبر من التراب الوطني.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          في هذا السياق، سجلنا باعتزاز ما حَفِلَت به سنة 2020 من تطورات وانتصارات غير مسبوقة في مجال تعزيز المكتسبات والإنجازات الوحدوية لبلادنا بفضل الجهود الحثيثة لجلالة الملك محمد السادس أيده الله، في الدفاع عن حقوقنا الثابتة وتثمين مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الموصوفة أمميا بالجدية والمصداقية والواقعية.

●          ونستحضر في هذا الصدد، تنامي اقتناع المجتمع الدولي بمشروعية قضية وحدتنا الترابية وتوالي اعترافات الدول الصديقة والشقيقة بمغربية الصحراء كما هو الشأن بالنسبة لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف لأول مرة في تاريخها بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية وإقبال العشرات من الدول على فتح قنصليات لها بكل من مدينتي العيون والداخلة.

●          ولاشك أن الاعتراف الأمريكي يكتسي صبغة خاصة، لأنه صادر عن دولة وازنة ومؤثرة في المجموعة الدولية، وعضو دائم في مجلس الأمن بما يمثله ذلك من مغزى سياسي واستراتيجي على مستوى الانتصار لخيار التسوية السياسية وإرساء الأمن والاستقرار والتنمية بالمنطقة، ولأنه يرجح بقوة مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كخيار ديمقراطي، سلمي وجريئ، ومستدام، لتسوية هذا النزاع المفتعل.


●          إن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، شكل في تقديرنا، قطيعةً مع الماضي الذي كان محكوما بسلسلة من الضغوط والتَّرضيات والتجاذبات ومراعاة المصالح المتضاربة وصراعات التقاطبات السياسية، ومخلفات الحرب الباردة والبائدة.

●          وصار اليوم ممكننا بهذا الاعتراف، التحلل من هذه الضغوط، وتسريع وتيرة الحل السياسي، في إطار الحل الممكن، وهو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

●          وفي هذا الصدد، نتوجه لإخواننا الجزائريين لاستحضار الصفحات المشرقة من تاريخنا النضالي المشترك، وما يقتضيه من واجب الوفاء لأرواح شهدائنا جميعا من أجل تخطي المعوقات الظرفية التي عطلت مسار خيارنا الاسترايتيجي في بناء اتحاد مغاربي شكل على الدوام مطمح كل الإرادات الخيِّرة في بلدينا وفي كل أقطار المغرب الكبير لما في ذلك من خدمة لمصالح شعوبنا وتأمينا لمستقبل أجيالنا القادمة.

●          كما تعززت المكاسب الوحدوية في السنة المنصرمة بمصادقة بلادنا على الحدود البحرية مع الجارة إسبانيا، في أفق إطلاق مسلسل للحوار، وفي احترام للشراكة التي تجمعها ببلادنا بعيدا عن فرض سياسة الأمر الواقع من جانب واحد (الخطاب الملكي 7نونبر 2020).

●          هذا، وقد سجلت بلادنا تحولا هيكليا في مقاربة التعاطي مع ظاهرة التهريب الممنهج الذي تستفيد منه لوبيات كبيرة هنا وهناك، والضار بالاقتصاد الوطني، القادم من مدينتي سبتة ومليلية، وذلك من خلال اعتماد  منظور جديد يقضي بتعزيز جاذبية ميناء الناظور، وإحداث قطب للتجارة الحرة بمدينة الفنيدق، تستوعب كافة ممتهني التهريب المعيشي، ويمكن من إدماجهم في السوق الداخلية ومن إنعاش الرواج التجاري بالمنطقة.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          إن ما حققته بلادنا من مكاسب وانتصارات، يتطلب منا جميعا وحدة الصف وتعزيز الجبهة الداخلية لمواكبة التحولات وترصيد المكتسبات وإعطائها زخما أكبر في المستقبل.

●          فمنذ نداء العيون للأحزاب السياسية الوطنية في أبريل 2018، ظل حزب الاستقلال يؤكد على ضرورة التعجيل بتشكيل الجبهة السياسية للدفاع عن وحدتنا الترابية، لكي تكون هذه الجبهة منصة لتنسيق المبادرات وآليات الترافع والتواصل والتأثير وتعزيز الدبلوماسية الحزبية والشعبية لدعم القضية الوطنية والتصدي للأطروحات الانفصالية.

●          واليوم، بعدما حصل من تطورات إيجابية بشأن قضية وحدتنا الترابية، آن الأوان لرفع منسوب التعبئة وتضافر جهود مختلف الفرقاء السياسيين والمؤسسات التمثيلية والقوى الحية ببلادنا من أجل تفعيل وتقوية دبلوماسية حزبية وشعبية تقوم على التواصل المستمر مع الرأي العام الوطني والدولي، والتموقع الاستراتيجي في المحافل الإقليمية والدولية، واعتماد الوسائط الاجتماعية والرقمية الواسعة الانتشار، من أجل التأثير والإقناع بعدالة قضيتنا الوطنية، ودفع دول أخرى وازنة للسير على منوال الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والانخراط في النهج الجديد الذي تم تكريسه.

●          بل ودفع الأمم المتحدة إلى الانتقال من منطق الموائد المستديرة، إلى مباشرة المفاوضات على أساس أرضية الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره إطارا سياسيا لإنهاء التوثر المفتعل، الذي يندرج في إطار الخيار الديمقراطي، الذي يحرص جلالة الملك على ترسيخه، علاوة على كونها رافعة، محفزة على صيانة وتطوير الخصوصيات المحلية، في إطار من التكامل والتضامن بين مختلف الجهات، بما يعزز الوحدة الوطنية والترابية.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          علينا أن نكون في أتم الجاهزية والاستعداد لتنزيل هذا الحكم الذاتي، من خلال:

-    الإسراع بتفعيل الجهوية المتقدمة طبقا للدستور والقانون التنظيمي للجهات بإعطاء الصدارة، في نقل الاختصاصات والموارد اللازمة من الدولة، إلى جهات الأقاليم الجنوبية، وتمتيعها باختصاصات موسعة تراعي مَبْدَأَيْ التدرج والتمايز تمهيدا لإقرار مخطط الحكم الذاتي بهذه الأقاليم أمميا في الأفق المنظور.

-    تعزيز الجيل الجديد من الاستثمارات في المنطقة الذي دعا إليه جلالة الملك حفظه الله في خطاب المسيرة الخضراء المظفرة، بما يجعل هذه الأقاليم قطبا تنمويا واعدا، وتسريع وتيرة استكمال مشاريع النموذج التنموي الجديد الخاص بها، واستثمار ما تزخر به من إمكانات وموارد بحرية وطاقية وسياحية من شأنها تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للساكنة الصحراوية؛

-    وضع الإطار القانوني والتحفيزي المناسب، في إطار كل من قانون الاستثمار وقانون المالية ولم لا تعديل القانون التنظيمي للمالية لفائدة تنمية الأقاليم الجنوبية من أجل تمكينها من اختصاصات منقولة موسعة في أفق الحكم الذاتي.

-    جعل ساكنة الأقاليم الجنوبية، لاسيما الفئات الفقيرة والهشة، في مقدمة المستهدفين المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي المؤطرة بالسجل الاجتماعي الموحد.

-    إحداث مؤسسة خاصة باستقبال المغاربة العائدين من تندوف لتتبع أحوالهم، وحل مشاكلهم الإدارية والاجتماعية ومواكبة ظروفهم المعيشية تمهيدا للحكم الذاتي.

●          وبهذه المناسبة، نتوجه إلى إخواننا في مخيمات تندوف من أجل استشعار تحولات المنطقة وتطوراتها، والالتحاق بأرض الوطن الموحد للمساهمة في المسار الديمقراطي القوي الذي يحمله مقترح الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية بمقوماته التنموية والواقعية الموسعة التي توفر إطارا لتحقيق الكرامة والإدماج والعيش المشترك.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          لحماية هذه الإنجازات الوطنية وتثمينها، نحن اليوم في أمس الحاجة إلى وطنية مجددة لتعزيز كيان الأمة ووحدتها، بالالتفاف حول مقدسات البلاد وصيانة مكتسباتها وترسيخ روابط الانتماء للوطن والحد من الشروخ داخل المجتمع وتقوية الوحدة الوطنية وتعزيز الإنسية المغربية وتوطيد دعائم التماسك الاجتماعي.

●          إنها الوطنية التي قال عنها الزعيم الراحل علال الفاسي في كتابه منهج الاستقلالية: "فالوطنية المغربية إذًا توحيد في الفكر وفي الاتجاه وجمع لشمل كل الطبقات... لأنها جميعا تبحث عن العدل والمساواة وحماية الكيان الوطني، إنها الوطنية الحرة للوطنيين الأحرار في الوطن الحر".

●          إن الوطنية المجددة التي ننشدها اليوم، تقتضي المشاركة المواطنة في مسلسل اتخاذ القرار واختيار المشاريع المجتمعية وتقييم السياسات العمومية، وتتطلب قبل هذا وذاك، تفعيل المواطنة الحقة، من خلال:

-    تقوية ثقة المواطنين في الأحزاب وفي المؤسسات المنتخبة محليا وجهويا ووطنيا؛

-    تقوية الحضور المواطناتي وخاصة في جانب الشباب في العملية السياسية، عبر تحفيزه على المشاركة السياسية وانتشاله من الإحباط والعزوف والنفور من الممارسة السياسية.   

-    تقوية آليات الإدماج في العملية الديمقراطية لضمان مساهمتهم بشكل أكبر في العملية الانتخابية، من خلال تكثيف التسجيل في اللوائح الانتخابية وتعبئة انخراطهم في أداء الواجب الوطني والإدلاء بأصواتهم يوم الاقتراع لضمان المشاركة الفاعلة في بناء مستقبلهم وتنمية وطنهم.

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●           لقد عرفت بلادنا تطورا مهما في مجال السيادة الترابية، التي كرسها الدستور ضمن الثوابت الراسخة والجامعة للأمة المغربية، غير أن هذه السيادة لا تكتمل إلا بتعزيز الاستقلالية الاقتصادية وتقليص التبعية للخارج فيما يتعلق بالموارد والمواد الحيوية التي يحتاجها المواطنات والمواطنون وتحتاجها بلادنا لمواصلة مسارها التنموي.

●          ولا يخفى عنكم أنه في سياق تداعيات جائحة كورونا، برزت إلى حد كبير مخاطر التبعية الاقتصادية للبلدان، وعولمة سلاسل التوريد التي تعطلت بسبب الأزمة متعددة الأبعاد التي خلفتها الجائحة، ولاسيما فيما يتعلق بالقطاعات المرتبطة بالمجالات الصحية واقتصاد الحياة والأمن الغذائي، والأنشطة الموجهة إلى التصدير.

●          إذا كان الاستقلال مشفوعا بالديمقراطية، يشكلان النواة الصلبة لمطالب عريضة الاستقلال، فإن الوثيقة قد شددت كذلك على مقومات أخرى، لا تقل أهمية، والتي لا يمكن للدولة المستقلة والديمقراطية التي كان يتطلع إليها المغاربة أن تكون بدونها، من قبيل التمتع بالسيادة الوطنية، وتوطيد الوحدة المغربية، وتوطيد الدولة المتناسقة الأجزاء،  والدَّامِجَة لجميع عناصر الشعب المغربي وشرائحه.

●          وعلاوة على ذلك، فإن تكريس السيادة الوطنية ليست مسؤولية ملقاة على عاتق الدولة فقط، تتحقق بوحدة التراب، وسن السياسات التي تكرس استقلالية القرار الاقتصادي، وتأمين الموارد النادرة، مثل الغذاء والماء والدواء والطاقة والتمويل، ولكنها مسؤولية مشتركة يتقاسمها مع الدولة الفاعلون والمواطنات والمواطنون على حد سواء.

●          وبالتالي، فإن المغاربة مدعوون أفرادا وفئاتٍ وفاعلين إلى استنهاض روابط الانتماء إلى المشروع الوطني الجماعي، بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية، وإلى جعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، وفوق كل ظرفية، وفوق كل حسابات ضيقة للربح والخسارة.

●          فنحن جميعا معنيون بتحصين السيادة الوطنية، بإخلاص الولاء للمغرب، وللهوية المغربية بتنوع مكوناتها وروافدها، والإخلاص للإجماع الوطني في لحظات التحديات والأزمات واتخاذ القرارات الصعبة لبلادنا بقيادة جلالة الملك أمير المؤمنين أيده الله، بما تقتضيه اللحظة من وحدة الصف، وتعبئة للتضامن والتماسك، وتعضيد جهود واجتهادات الجميع لنصرة بلادنا تحصينا لثوابتها ومقدساتها ولخياراتها الكبرى، على غرار الصحوة الوطنية الاستثنائية التي انبثقت مؤخرا في مواجهة جائحة كورونا، وفي الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية.

●          لذلك بات مطلب تملك السيادة الوطنية ملحا لاستنفار الوطنية المجددة بهدف البناء عليها لإطلاق جيل جديد من البرامج والسياسات والمخططات لتحريك دواليب الاقتصاد وإنعاش فرص الشغل ودعم القدرة الشرائية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وصياغة رؤية واضحة للمستقبل معززة بآليات قادرة على تمنيع السيادة الاقتصادية وتقوية قدرات بلادنا على الصمود أمام التقلبات، واستبدال السياسات المرتكزة على الاستيراد المفرط، بسياسات وطنية إرادية تدعم أساسا المنتوج المغربي، وتحصين الأمن الغذائي والمائي والصحي والطاقي والرقمي والمالي، وكل المقومات الجديدة والمستقبلية التي تضمن  السيادة للدول، وهي تتأرجح حاليا بين الحمائية والانفتاح في ظل عالم يتسم بعدم اليقين.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          شكلت الديمقراطية ثابتا أساسيا في تنايا وثيقة المطالبة بالاستقلال من خلال نصها على ضرورة إرساء نظام ديمقراطي برعاية جلالة الملك لقناعة رجالات الحركة الوطنية بأن الكفاح الوطني التحرري يجب أن يتوج بحكم ديمقراطي، تصان فيه الحقوق والحريات وهذا ما أكده الزعيم علال الفاسي رحمه الله في كتابه الديمقراطية وكفاح الشعب المغربي من أجلها قال: "إن بناء الدولة المغربية الحديثة بعد الاستقلال، يجب أن يقام على أسس ديمقراطية حقيقية، تمكن الشعب من المشاركة في تدبير شؤونه، وتخوله حق مراقبة الحاكمين في مناخ يضمن الحريات الفردية والجماعية.

●          نحن اليوم بصدد تلمس نفس ديمقراطي جديد ببلادنا في أفق إجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك من خلال فتح ورش لإجراء إصلاحات سياسية جديدة ترصيدا للمكتسبات، وذلك من خلال:

-    تشجيع المشاركة السياسية والمواطنة باستعادة الثقة في العملية الانتخابية والمؤسسات التمثيلية؛
-    ترسيخ الشفافية والنزاهة؛
-    تقوية الأحزاب السياسية للقيام بأدوارها الدستورية.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          إننا مدعوون إلى استثمار الإصلاحات التي نتطلع أن تشمل  القوانين الانتخابية التي دافعنا عنها كحزب الاستقلال وانخرطنا في مسلسل تحيينها وتطويرها إلى جانب الفرقاء السياسيين، وقدمنا بشأنها جملة من الاقتراحات ، وذلك من أجل تأهيل الحقل السياسي وإعادة الثقة والاعتبار للفعل والفاعل السياسيين وتجاوز منطق الغموض والضبابية في المشهد السياسي.

●          ونتطلع اليوم إلى إنجاح محطة الاستحقاقات الانتخابية القادمة بمنظومة انتخابية عصرية، تفرز حكومة سياسية جديدة يطبع أداءها التجانس والانسجام والنجاعة والرؤية المستقبلية والانخراط القوي في منطق التغيير الذي ما فتئ يطالب به المواطنات والمواطنون، لتجاوز عقم السياسات المتبعة والقطع مع ممارسة الماضي.

●          حكومة تتحمل مسؤوليتها كاملة وتتسم بالوضوح في المواقف والإنسجام في الأداء والقدرة على التخطيط والاستباقية، لتمكين بلادنا من تجاوز تحديات الجائحة وربح رهانات مغرب ما بعد الأزمة.

●          حكومة سياسية ذات مشروعية انتخابية تنكب على إجراء الانتقالات الضرورية والتحولات المنتظرة في السياسات العمومية ببلادنا، وتطلق جيلا جديدا من الإصلاحات والسياسات التي تروم بشكل أساسي ترسيخ العدالة الاجتماعية والمجالية، وضمان جودة المرفق العام وتوفير الحماية الاجتماعية، والوقاية من المخاطر والأزمات، وكسب رهانات الانتقالات الرقمية والطاقية والبيئية.

أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛

●          يحدونا الأمل إلى أن يستشعر الجميع روح وفلسفة وثيقة المطالبة بالاستقلال لإيقاظ الضمير الجماعي للانخراط بكل مسؤولية وروح وطنية في إحداث التغيير المنشود المؤطر بوطنية مجددة وتملُّكٍ لسيادة وطنية كفيلة بتوفير العيش الكريم للمواطنين والأمن والاستقرار والعزة للوطن.  

●          وسيظل حزب الاستقلال، حريصا على إحياء هذه الذكرى المجيدة، وفاء لقادة الحركة الوطنية واستحضارا للدروس والعبر من كفاحهم المرير وجهادهم الصادق وتضحياتهم السخية، ولتجديد العزم على مواصلة الخط النضالي لزعيمه الراحل علال الفاسي في التحرير والوحدة وبناء الصرح الديمقراطي وتحقيق التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي تنشد العدل والإنصاف والكرامة لجميع المواطنات والمواطنين.



في نفس الركن