تدخل الأخ عمر عباسي في مناقشة الميزانيات الفرعية للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان برسم مشروع القانون المالي 2018

الجمعة 17 نونبر 2017

ملاحظاتنا واقتراحاتنا تروم بالأساس المساهمة في تحسين الأداء والرفع من جودة العمل


تدخل الأخ عمر عباسي عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، في مناقشة الميزانيات الفرعية التي تندرج ضمن اختصاصات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان يوم  الجمعة 17 نونبر 2017، في ما يلي النص الكامل للتدخل:

“بسم الله الرحمن الرحيم؛ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين”

السيد الرئيس المحترم؛

السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛

السيدات والسادة النواب المحترمون؛

يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في مناقشة الميزانيات الفرعية التي تندرج ضمن اختصاصات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلسنا الموقر، ونعتبر في الفريق الاستقلالي بادئ ذي بدء أن هذه المناسبة هي موعد سنوي لمناقشة الخطوط العريضة والتوجهات الكبرى لمجموعة من القطاعات الحكومية الاستراتيجية والحيوية، والوقوف على مضامين ميزانيتها السنوية المقبلة، من حيث توجهاتها واختياراتها، وآفاق عملها، بناء على مجموعة من المرتكزات و المرجعيات الأساسية، وفي طليعتها التوجهات التي حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطبه السامية الأخيرة، وكذا بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية.

 كما نؤكد من خلال هذا المنبر أن ملاحظاتنا واقتراحاتنا التي سجلناها خلال الدراسة والمناقشة داخل اللجنة، كانت تروم بالأساس المساهمة في تحسين أدائها والرفع من جودة عملها مستقبلا، لتقييم ما تحقق سابقا، وتقويم ما اعوج منه وتصحيح ما اختل فيه، وذلك في إطار النقد البناء الموضوعي والفعال، بما يتوخى تدبير جيد للسياسات العمومية.

السيد الرئيس

إلى أي حد استطاعت تلك القطاعات الحيوية والأساسية من خلال توجهات ميزانيتها  برسم السنة المالية 2018 تفعيل مضامين البرنامج الحكومي، وتضمين مسار  الخط الإصلاحي ببلادنا،  في احترام تام لمقتضيات الدستور الجديد، والتي تروم بالأساس تكريس القضاء كسلطة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية، ونقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة بطريقة سلسة وضمانات قوية، بما يدعم أسس استقلال السلطة القضائية وترسيخ استقلال القضاء، وتكريس إدارة قضائية ناجعة وحديثة، موضوعة في خدمة المتقاضين على حد سواء، وذلك حرصا على حماية حقوقهم، من خلال سن قواعد سير العدالة بطرق شفافة ونزيهة، وتعزيــز مقومات المنظومة القضائية الوطنية لحماية حقوق الأشخاص والجماعات، بما يعزز احترام الحريات الأساسية، دون انتهاك صريح أوصارخ لحقوق الإنسان، في إطار القطع مع ممارسات الماضي، بما يضمن تعزيز وتثبيت الأمن القانوني والقضائي. ولابد أن نشدد في هذا السياق على الخطوات الجبارة التي قطعتها بلادنا بإحداث المصالحة الوطنية، من خلال خلق هيأة الإنصاف والمصالحة، وجبر الضرر، وهو إقدام جريء نال ثقة المجتمع الدولي بمختلف منظماته وهيئاته سيما الحقوقية منها.

إن ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان يستدعي انخراطا جماعيا لمؤسسات الدولة والمجتمع بمختلف تشكلاته القوى الحية السياسية منها والاجتماعية، لتتضافر الجهود في ما بين مختلف الفرقاء من أجل رصد وتتبع مختلف الخروقات المرتبطة بمجالات حقوق الإنسان، كيفما كان نوعها ومصدرها، بتعاون وطيد مع الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجتمع المدني ومختلف الفعاليات الحقوقية والاجتماعية ، وقد اقترحنا خلال مناسبة مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان الدعوة إلى حوار وطني حول ” الحكامة الأمنية” تشارك فيه مختلف الفعاليات وتتمخض عنه توصيات تصب في إطار تحصين المكتسبات في مجال حقوق الإنسان، وتبرز فيه نجاعة وحكامة المنظومة الحقوقية وتحدد فيه المسؤوليات.        

السيد الرئيس  

لا يمكن الحديث عن إصلاح منظومة العدالة دون استحضار المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وذلك نظرا للدور الحيوي والاستراتيجي التي تلعبه هذه المؤسسة في مجال ترسيخ حقوق السجناء، وصون كرامتهم وتيسير سبل إعادة إدماجهم، ولابد أن نؤكد أيضا على أن مسؤولية تدبير السجون ليست بالسهلة، إذ لا يخفى على أحد جسامة وحجم المسؤولية في ظل غياب الموارد البشرية الكافية، وارتفاع ظاهرة الاكتضاض التي تعرفها السجون، وهذا ما يتطلب من الحكومة التسريع بتنزيل النصوص القانونية المرتبطة بالمسطرة الجنائية، بما يسمح باللجوء إلى التدابير والعقوبات البديلة للحد نسبيا من ظاهرة الاكتضاض، في تدارك إعمال مسطرة الاعتقال الاحتياطي خاصة في الحالات العادية.

السيد الرئيس

إن المدخل الأساسي لأي إصلاح أفقي أو عمودي يتغيى إرساء إدارة حديثة وعصرية، إدارة قمينة بتوفير الخدمات وتقريبها من المرتفقين، ومن هذا المنطلق نعتبر في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن إصلاح الإدارة المغربية يعتبر حجر الزاوية في تنزيل الأوراش الإصلاحية الكبرى في مختلف المجالات، تفعيلا للمقتضيات الدستورية في هذا المضمار، بما يضمن الشفافية ويعزز مبدأ الحكامة وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي هذا الإطار لابد أن نستحضر التوجيهات والإشارات الملكية السامية والقوية التي أرسلها جلالته للفاعلين السياسيين والقائمين على إصلاح الشأن الإداري، من أجل تعزيز قيم الشفافية، وترسيخ الحكامة الإدارية وتخليق المرفق العمومي، داعين الحكومة إلى الرجوع لطاولة الحوار والنقاش المسؤول، وتفعيل مأسسة الحوار الاجتماعي، من خلال الانكباب على دراسة الملفات المطلبية لمختلف هيئات الموظفين والأجراء ، بما يضمن اعتماد الأجر المتساوي من أجل العمل ذي القيمة المتساوية، وإقرار المساواة بين تعويضات أطر الدولة من نفس التكوين ونفس المؤهلات، وإحداث نظام ترقي منصف للموظفين ورد الاعتبار إليهم.

السيد الرئيس

إن أي نص قانوني يبقى جسدا بلا روح إذا لم يتم تجويده وتنقيحه، ومن هنا يبرز الدور الأساسي للأمانة العامة للحكومة، فيما يتعلق بإعادة النظر في التعامل مع الترسانة القانونية الوطنية، وما يقتضيه الأمر من ضرورة الإسراع بإخراج النصوص التشريعية والتنظيمية والإدارية، الكفيلة بتنزيل الإصلاحات الدستورية والقانونية في مختلف المجالات، وهو العمل الذي يتطلب تعاونا وطيدا مع المؤسسة التشريعية، واحترام قواعد المبادرة التشريعية، وتجاوز ما هو مناسباتي، كما أن الأمانة العامة للحكومة مدعوة لتحيين الترسانة القانونية القديمة، وتجاوز أدوارها التقليدية ، مع ضرورة الانفتاح على مجموعة من الفاعلين الجدد داخل المجتمع المغربي لكسب رهان الزمن السياسي.

السيد الرئيس

 إن علاقة التعاون والتوازن بين الجهازين التشريعي والتنفيذي تتطلب مجموعة من الآليات الدستورية والتنظيمية لترسيخها ، كما تستدعي بالأساس دوارا فعالا وناجعا للوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني لتجاوز مجموعة من الأعطاب، وفي طليعتها تحسين صورة البرلمان النمطية، والتي كرستها مجموعة من الممارسات الهجومية الممنهجة تحت عباءة المجتمع المدني والمعرفية العلمية والجامعية، علاوة على تطويق المبادرات التشريعية، وعدم التفاعل الفوري والايجابي لمجموعة من القطاعات الحكومية مع بعض القضايا المجتمعية ذات الراهنية، مع التأخر المسجل في الجواب على الأسئلة الكتابية.

وهذا ما يستدعي تفعيل دور هذه الوزارة في خلق دينامية التواصل والتعاون بين الجهازين، والاضطلاع بأدوار أساسية فيما يرتبط بتأهيل هيئات المجتمع المدني وتكوينها، ودعمها وفق شروط ومعايير موضوعية وواضحة.

السيد الرئيس  

إذا كانت المحاكم المالية تشكل مؤسسات دستورية مكلفة بمراقبة مالية الدولة والسهر على احترام التدبير الرشيد والمحكم للسياسات العمومية بطرق تتلاءم مع القواعد الدستورية والقانونية الجاري بها العمل ، بما يخدم الصالح العام ، فإن التفعيل الأمثل للدستور فيما يتعلق بإقرار الحكامة المالية الجيدة والشفافة يقتضي تمكين المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية من الأطر الكفء والمختصة للقيام بالمهام المنوطة بها على الوجه المطلوب.

ولإضفاء مصداقية أكبر على عمل المحاكم المالية لابد من تفعيل التقارير الصادرة عنها حتى لا تبقى حبرا على ورق، وبعيدة عن أي انتقائية من شأنها أن تمس بمصداقية هذه المؤسسة الدستورية.

السيد الرئيس           

كثيرة هي الملاحظات والاقتراحات التي أبداها الفريق الاستقلالي  على الميزانيات الفرعية للقطاعات المومإ إليها أعلاه، ملاحظات رامت بالأساس الوقوف على الداء واقتراح الدواء ، بما من شأنه ضمان تدبير جيد للسياسات العمومية وخلق نموذج تنموي يليق بالمواطن المغربي ويرسخ كرامته.

والسلام عليكم ورحمة الله



في نفس الركن