بوابة حزب الاستقلال

اختلالات وأعطاب كثيرة يعرفها تدبير قطاع المحروقات

الخميس 12 يوليوز 2018

حزب الاستقلال سيظل رافضا لأي إصلاح يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين
 
 عقد مجلس النواب صباح يوم الثلاثاء 10 يوليوز 2018 جلسة عامة لمناقشة تقرير اللجنة الاستطلاعية حول المحروقات، تميزت بالتدخل القوي للفريق الاستقلالي من خلال تقديمه لمعطيات مرقمة بخصوص هذا القطاع الحيوي، مع الوقوف عند الارباح التي حققتها الشركات والحكومة على حد سواء ، والتذكير بطبيعة الاختلالات والأعطاب التي يعرفها تدبير القطاع.. في ما يلي النص الكامل الذي للكلمة التي قدمتها الأخت النائبة رفيعة المنصوري باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية:
يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، في مناقشة التقرير التركيبي للمهمة الاستطلاعية المؤقتة حول "كيفية تحديد أسعار بيع المحروقات السائلة للعموم، وحقيقة وشروط المنافسة، بعد قرار تحرير الأسعار" وهي مناسبة لنجدد الـتأكيد على أهمية العمل الرقابي، الذي اضطلعت به هذه اللجنة ، رغم الاكراهات التي واكبت عملها.

 الإصلاح الحقيقي لا يتم على حساب جيوب المغاربة

  إن مناقشة موضوع تحرير أسعار بيع المحروقات، أو ما تطلق عليه الحكومة " إصلاحا"، يستلزم منا بداية، أن نتفق على أن هذا القرار اللاشعبي، لا يمثل إصلاحا في حد ذاته، بل يعتبر هروبا حكوميا إلى الأمام، لأن الإصلاح الحقيقي لا يتم على حساب جيوب المغاربة، بل هو في الحقيقة، ضرب واضح للقدرة الشرائية للمواطنين، باعتبارهم الحلقة الأضعف في السياسة الحكومية.
إن أي إصلاح، ينبغي أولا وأخيرا، أن يكون محور دراسة علمية دقيقة، أي دراسة "الأثر والانعكاسات"، وهو الأمر الذي افتقده هذا القرار الحكومي الارتجالي والمتسرع، خاصة في ظل غياب أي إجراءات حكومية حمائية للقدرة الشرائية من جهة، وفي ظل استمرار تعطيل مجلس المنافسة كآلية دستورية ومؤسساتية، لمحاربة الاحتكار والمنافسة التجارية غير المشروعة، وعمليات التركيز الاقتصادي من جهة أخرى، والذي يبقى المواطن ضحية مركزية لجشع الشركات.
وهنا نتساءل عن الدوافع الحقيقية وراء قرار التحرير؟ والذي سبقه قرار متسرع آخر، قضى بتفكيك صندوق المقاصة، وهو ما يسائل الحكومة في العمق، حول مدى عدالة وصدقية المعادلة المتبعة في تحرير أسعار المحروقات؟ عن الجهة أو المستفيدة من هذا القرار؟

 تضخم أرباح الشركات العاملة في القطاع

لقد وقف تقرير اللجنة النيابية الاستطلاعية على عدد مهم من الاختلالات والأعطاب التي تهم حكامة تدبير هذا القطاع الحيوي، وهي اختلالات يظل عنوانها الأبرز، تضخم أرباح الشركات العاملة في القطاع، التي تستفيد من صمت، ووقوف الحكومة موقف المتفرج، أمام تغول الليبيرالية المتوحشة، في مقابل الارتفاع الصاروخي لأسعار بيع المحروقات للعموم، وهو الأمر الذي يعود بالأساس، الى توسع الفارق بين الأسعار المحتسبة، استنادا لتركيبة الأسعار ما قبل التحرير والاسعار المعتمدة بعد التحرير،علما أن تركيبة الأسعار قبل قرار التحرير، كانت تتضمن هامشا مهما للربح، حيث خلص التقرير إلى أن متوسط الفارق بين الأسعار يبلغ ستة وتسعين سنتيما في اللتر بالنسبة للكازوال وستة وسبعين سنتيما بالنسبة للبنزين، وهو ما يعني جني أرباح صافية تجاوزت 14 مليار درهما في ظل سنتين.
إن مسؤولية الحكومة ثابتة في الحفاظ على توازن القدرة الشرائية للمواطنين، بل إنه من صلب مهامها الدستورية، والتزاماتها التعاقدية مع البرلمان ، خاصة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، وفشل النموذج التنموي المعتمد، وارتفاع نسب البطالة في أوساط الشباب، وضعف محاربة الفساد، وتصاعد الطلب الاجتماعي للفئات الهشة والفقيرة، وإضعاف الطبقة المتوسطة، التي أضحت بدورها سجينة القروض البنكية الجشعة.

الحكومة تخصص الأرباح المحققة  لتقليص عجز الميزانية

وإذا كانت الحكومة بدورها قد استفادت من عمليتي رفع الدعم والتحرير، حيث تمكنت منذ دخول قرارها حيز التنفيذ، من توفير ما يزيد عن 35 مليار درهم سنويا، فإن استثمار هذه الاعتمادات المالية المهمة، يطرح أكثر من تساؤل حول جدية التزامات الحكومة؟ وشعاراتها الاجتماعية المتجاوزة؟ ذلك أنه  ومنذ سنة 2015، وفي الوقت الذي كان من المفروض أن يعاد توجيه تلك الاعتمادات المالية المحصلة لدعم القطاعات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والبنيات التحتية، ومحاربة الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية الواسعة، فقد اكتفت الحكومة ، بتخصيصها لتقليص عجز الميزانية، في انسجام تام مع هواجسها الموازناتية الضيقة.
 لا بد من التذكير بأن حكومة الأستاذ عباس الفاسي، لم تذهب إلى اتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات، بالرغم من تجاوز تحملات صندوق المقاصة أكثر من 54 مليار من الدرهم، في جواب واضح وصريح بأن استقرار الوطن أمر مقدس، وأن وكرامة المواطن المغربي فوق كل اعتبار، بل أنها لا تقاس بثمن، ولا تخضع لتوازن ماكر واقتصادي.
وهو الأمر الذي أكدته دراسة وطنية أعدتها حكومة الأخ عباس الفاسي حول الـتأثيرات المتوقعة لسياسة تحريرية شاملة للقطاع، والتي ظلت على طاولة رئاسة الحكومة السابقة للأسف الشديد.
 فلا حكامة تدبيرية جيدة، ولا سياسات اقتصادية ناجعة، إذا لم يكن المواطن في صلبها، ورفاهيته وكرامته غايتها، وإذا كان قرار رفع الدعم وتحرير أسعار المحروقات، لا يحقق هذه الغايات، فمن واجب الحكومة أن تعترف بعدم جدواه، وأن تستجيب بشكل فوري لعدد من التوصيات الهامة التي قدمها الفريق الاستقلالي لإغناء توصيات المهمة الاستطلاعية.

 مسؤولية الحكومة عن الآثار السلبية لتحرير الأسعار

على الحكومة إذن أن تتحمل كامل مسؤوليتها في الآثار السلبية التي خلفها القرار القاضي بتحرير أسعار المحروقات وتبعاته،  في غياب الإجراءات المصاحبة الكفيلة بضمان التدخل الكفيل بوقف نزيف الأسعار وتحديد سقف أعلى لهذه الأسعار، لا يمكن للشركات تجاوزه على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول.
على الحكومة أن تتحمل كامل مسؤوليتها في معالجة الوضعية المتأزمة التي يعيشها قطاع المحروقات بعيدا عن سياسة الإجراءات الترقيعية بعدما فشلت في التدبير الجيد لهذا القطاع الاستراتيجي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.

لماذا لم تتفاعل الحكومة لحد الآن مع التوصيات الصادرة عن المهمة الاستطلاعية والمتمثلة أساسا في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيض أسعار المحروقات بعدما وصلت إلى حد لا يطاق من طرف الأغلبية الساحقة من المواطنين.

ما مصير المواطنين إذا ما تضاعفت أسعار المحروقات في السوق الدولية التي غالبا ما تتأثر بالأحداث الجيوسياسية في مناطق الإنتاج؟
متى تستخلص الحكومة الدروس والعبر؟ من التفاعل التلقائي للمواطنين مع الأرباح الخيالية التي حققتها الشركات العاملة في هذا القطاع؟ وارتفاع هوامش الربح إلى مستويات غير مقبولة على حساب جيوب المغاربة وقدرتهم الشرائية؟ وذلك من خلال اللجوء إلى آلية جديدة للتعبير عن الرفض المطلق لهذه السياسة والاحتجاج ضدها، والمتمثلة في مقاطعة مجموعة من المنتوجات الاستهلاكية.

إن الحكومة مطالبة بإعادة التوازن في سياستها بشكل يضمن للمواطنين حقهم الدستوري في مقومات العيش الكريم، ويحصن الوطن من أي مس بالاستقرار والسلم الاجتماعي، في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية تدعو للقلق.