بوابة حزب الاستقلال

الأخ شيبة ماء العينين خلال اللقاء التشاوري للأحزاب الديمقراطية بشمال إفريقيا بطنجة.. حزب الاستقلال يثمن كل المبادرات الهادفة إلى ما يجمع بين الشعوب المغاربية

الجمعة 1 مارس 2019


*إن اتحاد أقطارنا سيفتح باب الأمل أمام أجيالنا ويحد من بطالة الشباب

*إن أفضل وسيلة للتغلب على التحديات هي مواجهتها موحدين

*الاتحاد الأوروبي تحقق بفضل إصرار دوله على تجاوز جراح الحروب البينية والعالمية وتناسي الأحقاد وصراعات الحدود


شارك حزب الاستقلال في اللقاء التشاوري للأحزاب الديمقراطية بشمال إفريقيا الذي انعقد بمدينة طنجة يومي 23 و 24 فبراير الجاري والذي حضره أمناء عامين ورؤساء وممثلي 14 حزب سياسي تنتمي إلى بلدان المغرب، الجزائر، موريتانيا، تونس، ليبيا ومصر.

وقد كان حزب الاستقلال ممثلا بالإخوة شيبة ماء العينين رئيس المجلس الوطني للحزب والأخ عبد الإله البوزيدي عضو اللجنة التنفيذية للحزب والأخ الأمين بنجيد مفتش الحزب بطنجة، وبهذه المناسبة ألقى الأخ شيبة ماء العينين الكلمة التالية:

 

 
السادة الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب وممثليها وفعاليات المجتمع المدني المحترمين؛
 
أيتها السيدات والسادة؛
 
إننا في حزب الاستقلال المعروف بتوجهاته الوحدوية لنثمن مثل هذه المبادرة، التي تهدف إلى إتاحة الفرصة لتلاقي أحزاب أقطارنا المهتمة بما يجمع بين شعوبنا، وتسعى إلى تبادل وجهات النظر، وتعميق الحوار الجاد الهادف والمترفع، للتوصل إلى ما يقربنا من تحقيق مطمح مواطنينا في الحد من اتساع شقة الخلافات، وصولا إلى التكامل والوحدة المنشودة.
 
وبهذه المناسبة، يسعدني أن أتقدم بالشكر الجزيل لقيادة وأطر حزب الأصالة والمعاصرة على دعوتهم الكريمة لحزبنا، قصد المشاركة في هذا الملتقى التشاوري لشبكة الأحزاب الديمقراطية بشمال إفريقيا، والذي يضم نخبة هامة من أحزاب دولنا تفعيلا "لإعلان المنستير" حول الملامح والمبادئ المؤطرة لعملها المشترك، خدمة لطموحات شعوبنا المتطلعة إلى عمل حزبي ومدني مشترك مستدام واستراتيجي، يعلو على الظرفيات العابرة، برؤيا مستقبلية لتحقيق الطموحات الكبرى على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات، وذلك انطلاقا من استلهام واضح لروح مؤتمر طنجة لسنة 1958 وإدراكا لضرورة تعميق الوعي المشترك بحتمية بعث الروح في التفكير الجماعي لأحزاب أقطارنا في القضايا التي تشغل بال الرأي العام، على ضوء ما يعرفه العالم من أحداث متسارعة، وما يقتضيه التفاعل البناء مع التحولات المتعددة الأبعاد، هذا علاوة على ما ينبغي أن نتحلى به جميعا من حرص على إعمال الفكر وتعميق الدراسات والأبحاث، لرسم استراتيجيات استشرافية، لتحصين أقطارنا من آثار وتداعيات ما يشهده العالم من صراعات، ونزاعات وتجاذبات وقلاقل وحروب، وتنامي ظاهرتي الإرهاب والهجرة العابرتين للحدود إقليميا وقاريا ودوليا.
 
إن هذا اللقاء يكتسي أهمية خاصة اعتبارا لبواعثه ومراميه بشكل عام، ولكن مما يزيد راهنيته كونه يشكل تفاعلا عمليا إيجابيا مع مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، حيث قال نصره الله: "....أود الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغير مقبول مع ما يجمع شعوبنا من أواصر الأخوة ووحدة الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك".
 
ويضيف جلالته: "فهذا واقع لا يتماشى مع الطموح الذي جسده مؤتمر طنجة سنة 1958" (انتهى النطق الملكي السامي). 
 
وإن اختيار مدينة طنجة لاحتضان هذا الملتقى الهام يكتسي أهمية بالغة، ذلك لأن إسم طنجة من الأسماء الموقظة للذاكرة الوطنية، باعتبار حضورها المتميز في تاريخ بلادنا البعيد والقريب، ولما يعلِّق عليها من آمال في الإسهام في النهضة التنموية التي يعرفها مغربنا في العهد الجديد الناهض والمتجدد.
 

أيها السادة والسيدات؛
 
لاشك أننا نتقاسم القناعة بأن اختيار مدينة طنجة لاحتضان هذا الملتقى في هذا الظرف بالذات لا ينطلق من فراغ، الشيء الذي يجعلنا نستحضر بكل تقدير وإكبار، مؤتمر الأحزاب الثلاثة بتونس والجزائر والمغرب المنعقد بها ما بين 27 إلى 30 أبريل 1958، ولقد سبق أن خلدنا ذكراه الخامسة والعشرين هنا بطنجة سنة 1983، ثم في تونس حيث استضاف حزب الدستور الذكرى 26 سنة 1984، وفي الجزائر نظمت جبهة التحرير الوطني الذكرى 28 سنة 1986، ثم تم تخليد الذكرى الخامسة والأربعين بدعوة من حزب الاستقلال هنا أيضا في 27 أبريل 2003 التي تمت تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
 
ولقد حرصنا في حزب الاستقلال على الإبقاء على هذه المحطة النضالية الجامعة والمشتركة بين شعوبنا حية في أذهان الأجيال المتعاقبة، وذلك بالتذكير بها في كل اللقاءات التنظيمية أو التأطيرية أو الندوات السياسية والفكرية سواء داخل الوطن أو خارجه، ونجدد دائما التأكيد على أن بناء المغرب الكبير سيظل مطمحا شعبيا راسخا في الوجدان باعتباره حلقة أساسية في استكمال تحرر واستقلال أقطارنا، وما يزال شعارا ثابتا في أدبيات حزبنا، يقول الزعيم علال الفاسي: "إن وحدة المغرب العربي الكبير شيء قار في النفوس، ثابت في الذهنيات، يجري به الدم المشترك، ويسري به الإيمان الموحد في الأرواح، ويصعد به التاريخ العميق".
 
لقد اقترنت فكرة تشييد صرح المغرب الكبير مع النضال من أجل التحرر والاستقلال، انطلاقا من التاريخ المشترك والإرث الحضاري لأقطارنا، وما يجمع بينها من دين ولغة وتمازج أعراق وتساكن الفئات وتعايش الطبقات في تسامح ووئام، فتظافرت جهودها في العمل النضالي المشترك حتى تحقق الاستقلال.

أيها السادة والسيدات؛
 
إن استحضار الماضي المشترك يهدف بالأساس إلى استخلاص العبر من الأحداث، والوقوف عند الإيجابيات والبناء عليها، ورصد الثغرات والعمل على تجنبها وتلافي مسبباتها، والعمل على شحذ عزائم الأجيال للانطلاق نحو المستقبل بخطى ثابتة وإرادة صادقة بلا إبطاء، وبدون تسرع أو اندفاع زائد أو مزايدات غير مأمونة العواقب أو حسابات ضيقة.
 
والوحدة في نظرنا ليست هدفا في حد ذاتها، بل وسيلة تمكن بلداننا من أسباب النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي على نحو يستجيب لتطلعات الشعوب في العيش الكريم، ويُكسب مجموعتنا وزنا أكبر على الساحة الدولية، ويعزز مواقفها في الدفاع عن مصالحها بشكل متكامل، بدل المتنافس أو المتناقض أحيانا، ويفتح أمام صناعتنا وفلاحتنا وتجارتنا إمكانيات كبرى لتنويع وتطوير منتوجاتنا ويضمن لها سوقا واسعة للاستهلاك، ويمكنها من طاقات ومهارات بشرية متعاونة في العمل والابتكار.
 
إن اتحاد أقطارنا، ونحن نعيش في عصر التكتلات الاقتصادية والتحالفات السياسية، من شأنه تعويض الكثير من الفرص التي فوتها علينا واقع الصراع المرير والتفرقة المقيتة، وسيفتح باب الأمل أمام أجيالنا والحد من بطالة الشباب وهدر طاقاته، وسيمكن من تحسين ظروف العيش وجلب الاستثمارات وتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني، ويزيل العوائق التي تحد من انسياب وسلاسة تنقل الإنسان والسلع بين أقطارنا، علاوة على أن هذا التوحيد سيعزز قدرتها التنافسية، خصوصا أمام الاتحاد الأوروبي ومع الدول الإفريقية وبقية دول العالم، بدل الاستفراد بكل قطر على حدة بدرجة تبلغ أحيانا حد الابتزاز، علما بأن أقطارنا قد أنعم الله عليها بطاقات بشرية جد نشطة تواقة للعمل، وخصها بثروات طبيعية هائلة، ومتكاملة تمكنها إذا ما أحسنت حكامة تدبيرها من الاكتفاء الذاتي، فمثلا درجة التكامل بين المغرب والجزائر تبلغ حوالي 80%. 
 
هذا، بالإضافة إلى ما سيكون للوحدة من انعكاس إيجابي على مناهج التعليم وبرامجه، وآفاقه الرامية إلى توحيد القاعدة الأساس وهي الفكر والإنسان، الشيء الذي ينبغي معه جعل البحث العلمي المتطور، في مجالات مشتركة، في مقدمة اهتماماتنا الوحدوية.
 
إن أقطارنا تواجه تحديات كبرى، خارجية أمام تنامي نفوذ الدول الكبرى وبسط سيطرتها التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية والسياسية زيادة على التحديات الداخلية، التي تتمثل أساسا في النهوض بأعباء مسؤوليات الحاضر وكسب رهان المستقبل، وتلبية انتظارات المواطنين، خصوصا في مجالات التعليم والصحة والسكن والأمن الغذائي والبيئي، واللحاق بركب التطور الحضاري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية عموما.
 
إن أفضل وأنجع وسيلة للتغلب على هذه التحديات تكمن أساسا في أن نواجهها موحدين.
 

أيها السادة والسيدات؛
 
إن جذوة الحماس الوطني التي جعلت أجيال الكفاح من أجل الاستقلال تغرس وفكرة الاتحاد المغاربي، ضحى من أجلها الشهداء، وترجمتها توصيات مؤتمر طنجة 1958 التي باركها المرحومان جلالة الملك محمد الخامس والرئيس التونسي بورقيبة وأيدها قادة الحركة الوطنية في بلداننا، إن هذه الجذوة تسائلنا كلنا أين نحن الآن من تحقيق هذا المطمع؟
 
وتذكرنا بأن مؤتمر طنجة الطموح بمقرراته وتوصياته تزامن في نفس السنة 1958 مع إبرام ست دول أوروبية (اتفاقية الفحم والصلب) (بروما) لتشكل اللبنة الأولى للعمل الأوروبي المشترك المتدرج والمتواصل إلى أن تحقق حلم الاتحاد الأوروبي الذي تجاوز بإصرار جراح الحروب البينية والعالمية، وتناسي الأحقاد وصراعات الحدود ووحد العملة ونسق المواقف السياسة والاقتصادية والأمنية والبيئية، ولم يعقه حاجز تعدد اللغات، رغم أن كل كلمة في المؤتمرات واللقاءات الأوروبية تكلف ميزانية الاتحاد حوالي 35 دولار.
 
فلنتأمل بإعجاب نجاحاتهم ولنتدبر بحسرة وألم واقع فرقتنا، وابتعادنا عن روح، وأهداف مؤتمر طنجة رغم ما يجمعنا، ونسائل أنفسنا:  
 
ما هي حصيلة العمل المشترك الذي طالما دعت له توصيات ومقررات لقاءاتنا على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية والحزبية؟
 
هل هناك إرادة سياسية حقيقية في كل أقطارنا لدى الحاكمين والمتنفذين من معدي القرارات ومتخذيها ومنفذيها؟
 
هل نحن واعون بخطورة مشاعر انعدام الثقة والتنابز بالألقاب وتدافع المسؤولية عن هذا الوضع المتردي؟
 
هل نحن جادون في العمل على ردم الهوة التي تفصلنا عن بعضنا والحفاظ على هويتنا وتاريخنا المشترك؟
 
هل ندرك خطورة العناد والتمادي في إبقاء العوائق والحواجز التي تقطع الرحم، وتحول دون حرية وسلاسة تنقل الأشخاص والبضائع فيما بين أقطارنا وتعوق التنمية وتكرس التخلف؟
 
هل نرضى لهذا المغرب الكبير الذي نحلم به أن يكون هو المجال الجغرافي الوحيد في العالم الذي مازالت توجد به حدود مغلقة بعد بداية فتح حدود الكوريتين؟
 
أيها السادة والسيدات؛
 
إن هذه التساؤلات وغيرها لاشك أنها تخامرنا جميعا، وإن هذا اللقاء التشاوري الذي نتمنى له كامل النجاح، يعتبر أنسب إطار لطرحها ولتبادل الرأي من زوايا مختلفة وتعميق التفكير في أوضاع مغربنا الكبير الذي يسكننا جميعا، وتعتبر هذه المبادرة المشكورة بشارة خير بأن حلم الرعيل الأول مازالت الأجيال الحاضرة اليوم تحمل همه وتسهم في العمل على تحقيقه وفاء لروح مؤتمر طنجة 1958، والله ولي التوفيق.