بوابة حزب الاستقلال

الأخ محمد سالم بنمسعود يسائل رئيس الحكومة حول تدبير التوظيف في القطاع العام ورهانات تحديث الإدارة العمومية

الخميس 30 ماي 2019

ـ الواقع يؤكد تفاقم الاختلالات والأعطاب التي تعيشها منظومة التربية والتكوين وارتفاع تكاليفها الاقتصادية والاجتماعية
ـ الحكومة عطلت اليات الارتقاء الاجتماعي امام فئات واسعة من الشعب المغربي وخاصة الشباب منهم
ـ الأغلبية الحكومية تعمل على خلق الانقسام والتفرقة بين مكونات المجتمع المغربي


وجه الأخ محمد سالم بنمسعود سؤالا شفويا في إطار مساءلة رئيس الحكومة حول تدبير التوظيف في القطاع العام ورهانات تحديث الإدارة العمومية.
وشكل هذا السؤال المحور الثاني في سلسلة الأسئلة الموجهة للسيد العثماني بعد محور تحديات التعليم والتكوين المهني.
 
وفي هذا الإطار قال الأخ بنمسعود إن الرهانات الاقتصادية والاجتماعية التي ترفعها بلادنا تفرض وبإلحاح كبير الإصلاح الشامل للإدارة العمومية المركزية والمحلية، وتدبير توظيف الموارد البشرية المؤهلة بشكل أمثل وأجود في القطاع العام لتعزيز الانخراط في التنافسية الدولية، ليتساءل عقب ذلك عن السياسة الحكومية في تدبير التوظيف ورهانات تحديث الإدارة.
 
 وفي جوابه ذكر رئيس الحكومة ان الحكومة عملت على إعداد رؤية استراتيجية لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية (تم تقديم خطوطها العريضة في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 14 مارس 2019)، وهي الرؤية التي توجت مسارا تشاوريا تم من خلاله إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين، كما تم التداول بشأنها في المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بتاريخ 16 يناير 2019. وتقوم على إرساء وظيفة عمومية مهنية ومحفزة وناجعة وقادرة على الاستجابة للمتطلبات الراهنة، عبر الانتقال من التدبير الإداري للمسارات إلى تدبير مهني مبني على الكفاءات.
وتقوم هذه الرؤية على المداخل الأساسية التالية:
  • إدماج التدبير بالكفاءات، من خلال اعتماد الآليات الحديثة لتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية القائمة على أساس التخطيط الاستراتيجي والتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، والانتقال من التدبير الإداري إلى تدبير مهني للمسارات مبني على الكفاءات، بما يجعل التوظيف والارتقاء والتكوين المستمر وتقييم الأداء الفردي للموظف مرتكزا على مفهوم الكفاءة؛
  • إعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا، وتكريس مكانتها وتثمين أدوارها المحورية في قيادة الإصلاح، تبعا لتوصيات الملتقى الوطني الأول للوظيفة العمومية العليا المنعقد بتاريخ 27 فبراير 2018؛
  • ملاءمة بنيات الوظيفة العمومية مع التوجه الجديد للدولة، عبر حصر مهام الإدارة المركزية في المستوى الاستراتيجي، ودعم التوطين الترابي للخدمة العمومية من خلال الدفع بتنفيذ سياسة اللاتمركز الإداري؛
  • دعم التحفيز وتحسين بيئة العمل بهدف إحداث بيئة عمل ملائمة وآمنة، تحفز على رفع المردودية وتحسين الإنتاجية بالإدارة العمومية.
ووعد بأن الحكومة ستعمل على تنزيل هذه الرؤية الاستراتيجية من خلال مراجعة شاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ووضعها قريبا على مسطرة المصادقة.
 
وفي اطار التعقيب أوضح  الأخ نسالم بن مسعود أن الحكومة  أعلنت، أكثر من مناسبة، سواء خلال عرض البرنامج الحكومي أو في قوانين المالية عن التزامها الصريح بجعل التعليم والتكوين المهني والبحث العلمي ببلادنا أولوية قصوى في السياسات العمومية، وتعهدت  بتطوير وتفعيل البرامج الحكومية.
 
لكن الواقع لا يرتفع، ولا يختف بشأنه اثنان ولا يتناطح عليه جديان، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك تفاقم الاختلالات والأعطاب التي تعيشها منظومة التربية والتكوين في بلادنا وتكاليفها الاقتصادية والاجتماعية الباهظة؛

لقد عرفت منظومة التربية والتكوين،على الأقل مند سنة 2000   إلى سنة 2016، ثلاث محطات إصلاحية مهمة، بدأت مع ميثاق التربية والتكوين والمخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التكوين وصولا إلى الرؤية الإستراتيجية 2015-2030.

واخترقت المحطتين السابقتين أعطابا بنيوية مازال البعض منها مستمرا إلى حدود هذه اللحظة، فمعضلة تخبط البرامج والمناهج وتغييرها تفاقمت حتى أفقدت العملية التعليمية هويتها،

كما أن الحكومة مع كامل الأسف نجحت في تعطيل اليات الارتقاء الاجتماعي وأوقفت حركية الصعود الاجتماعي امام فئات واسعة من الشعب المغربي وخاصة الشباب منهم،

جل الشرائح الاجتماعية تعيش حركية معكوسة في انحدار طبقي غريب، يرتبط في واقع الامر بعجز الحكومة على تفعيل مبادئ الانصاف وتكافؤ الفرص، فيما يخص الولوج الى القنوات الضامنة للصعود الاجتماعي والمتمثلة في الولوج الى التعليم والتكوين المهني الجيد؛

وعلى الرغم من التكلفة المالية المرتفعة المرصودة لقطاع التربية والتكوين، وكذا الموارد البشرية المخصصة للقطاع، فإن ترتيب المغرب في مؤشرات التنمية البشرية وفي جودة التعليم مازال كارثيا وصادما، ويظهر ذلك من خلال المعطيات التالية:

ـ  يحتل المغرب الرتبة 123 من أصل 189 دولة حول العالم في تقرير التنمية البشرية لسنة 2018،
ـ متوسط عدد سنوات الدراسة بالنسبة للساكنة التي تتجاوز أعمارها 25سنة لا يتجاوز4,4  سنة، وهومستوى بعيد كل البعد ليس فقط عن المتوسط العالمي البالغ 7,7 سنوات بل أيضا عن المتوسط في افريقيا والشرق الأوسط.
 ـ الأمية تمس حوالي ثلث الساكنة؛
 ـ تعميم التعليم يبلع 78,5 فيالمائة الى حدود الثانويالتأهيلي؛
 ـ ظاهرة الهدر المدرسي تصل لحوالي 400 ألف حالة سنويا؛
 ـ متوسط التكرارالسنوييتجاوز 760 ألفحالة، وهو يضاعف مرتين تقريبا المتوسط العالمي؛
 ـ الجامعات المغربية تحتل مراتب جد متأخرة جدا  في مختلف التصنيفات الدولية؛
 
لقد ظلت المسألة التعليمية حبيسة نظرة بيروقراطية لم تستطع تجاوز أبواب المكاتب التي أعدت فيها وتوقف أثرها عند أبواب المؤسسات ولم تدخل إلى فنائها، ولم تتمكن الحكومة من حشد التعبئة المجتمعية اللازمة للنهوض فعلا بهذا القطاع الحيوي.
ولم تتمكن الحكومة من ضمان انخراط كل الهيئات المعنية بالإصلاح، ومن ضمان انخراط الشركاء الاجتماعيين ...

والواضح اليوم أن أعطاب منظومة التربية والتكوين تتفاقم وهو ما تعكسه بجلاء المشاكل الكبرى التي يعيشها القطاع والحركات الاحتجاجات التي تخوضها منفردة وبشكل غير مسبوق كل الفئات المكونة للمنظومة: الأساتذة أطر الاكاديميات، أو ما يصطلح عليهم بالأساتذة المفروض عليهم التعاقد، التقنيون، المتصرفون، المفتشون، مستشارو التوجيه والتخطيط، المدراء، وأساتذة الزنزانة 9 وهلم جرا....
  • هل يمكن الرهان على المنظومة التعليمية في ظل هذا الوضع؟
  • هل يمكن الرهان على منظومة التعليم في ظل غياب الاهتمام برجال التعليم؟
  • هل يعقل السيد رئيس الحكومة أن نتحدث عن الإصلاح ولا زالت العديد من مؤسسات التعليم العالي تمنع الناس من مواصلة تعليمهم بحجة تقادم شهادة البكالوريا بعد مرور سنتين؟
  • هل لنا أن تحدث عن الإصلاح والابواب موصدة أمام عموم الطلبة في ولوج أسلاك الماستر والدكتوراه بدعوى الانتقاء، والحقيقة أن ثقافة باك صاحبي والرشوة لا زالت محددا أساسيا في الولوج؟
إن الجواب السيد رئيس الحكومة عن كل هذه الأسئلة متروك لكم، لكننا نعتبر أن جزأ من الجواب مرتبط بطبيعية السياسات التي تنهجها الحكومة في ميدان التعليم، والتي افتقدت لأي سند شعبي أو مشروعية ديمقراطية.

وإذا كانت مناسبة القرار الملكي بإصدار قانون إطار للتربية والتكوين، بناء على الرؤية استراتيجية التي سبق وأعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين قد شكلت لحظة تاريخية فارقة لتحصين الإصلاح من التعثرات التي أفشلت التجارب السابقة، فإن النفق المسدود الذي وصل إليه هذا المشروع نتيجة الصراعات المعلنة بين مكونات الأغلبية الحكومية، ليعكس بجلاء اليوم، افتقاد الحكومة لأي رؤية استراتيجية للإصلاح، ودخول مكوناتها مع كامل الأسف في حسابات سياسوية وانتخابوية ضيقة؛

الصورة التي تقدمها هذه الأغلبية للشعب، هي صورة غريبة وعجيبة للأسف في التاريخ المعاصر، كما أن الأغلبية الحكومية تعمل على خلق الانقسام والتفرقة بين مكونات المجتمع المغربي، تحت يافطة الدفاع تارة عن الهوية الوطنية، وعن أسباب تحقيق التقدم ومسايرة لغات العصر تارة أخرى....

إن تحقيق النهضة العلمية والمعرفية يحتاج الى انخراط واع واستثنائي من طرف كل مكونات المجتمع، حكومة وبرلمان، أحزاب سياسية ونقابات، مجتمع مدني وقطاع خاص، مؤسسات منتخبة وإعلام، أسر وجمعيات اباء وأمهات وأوليات التلاميذ...

إلا أن الواقع الذي أنتجته تجاذبات مكونات الأغلبية الحكومية لم ينجح في تحقيق ذلك بقدر ما أعاد النقاش حول قضية الإصلاح الى نقطة الصفر، فانقسمت الاغلبية إلى مع وضد، وضاعت في ثنايا الاستقطاب حول موضوع لغات التدريس قضايا أهم وأعمق كجودة التعليم، وتطوير ديداكتيك التدريس، وتجديد المناهج والبرامج الدراسية وتوحيدها، وتأهيل بنيات التعليم والعناية بركيزة الإصلاح الذي هو بالأساس العنصر البشري وبصفة خاصة الأستاذ.

إن الأستاذ الذي يعول عليه في النهوض بالمنظومة، تحول مع كامل الأسف، إلى الحلقة الأضعف في هذا النقاش غير الصحي والغارق في الأنانيات السياسية، فصار الأستاذ عرضة لكل أشكال الاهانات والتنكيل المادي والمعنوي، بعد أن سدت في وجهه قنوات الحوار والاستماع لهمومه وتظلماته المشروعة، بدل جعله في صلب الاهتمام والعناية باعتباره عماد أي اصلاح.

وعوض أن تحقق الحكومة غاية تجويد التعليم ومخرجاته، نجحت في قهقرة المدرسة العمومية التي تهجرها سنويا الاف الاسر من الطبقات الهشة والمتوسطة مكرهة نحو القطاع الخاص...

وعوض أن تجعل الحكومة المدرسة العمومية قاطرة لتحقيق الارتقاء الاجتماعي، نجحت في جعلها مشتلا لتفريخ الاف المعطلين التائهين في تخصصات علمية بعيدة عن حاجيات سوق الشغل أو سبق وحقق إشباعها منها؛
 
البحث العلمي

مما لا شك فيه ان الاقتصاد المغربي يمر اليوم من منعطف خطير و دقيق بالنظر الى مجموعة الانتقالات التي تؤطره إن على المستوى الدولي أو الوطني، والتي تؤثر سلبا و ستؤثر بشكل أكبر مستقبلا في تنافسية الاقتصاد الوطني و امتيازاته المقارنة التقليدية.

لذلك وجب علينا العمل على تنويع مصادر نمو الاقتصاد الوطنيوخاصة الصعود في السلسلة الإنتاجية (Montée en gamme) وعدم الاكتفاء بالتخصصات التقليدية التي أضحت تزاحمنا فيها دول الجنوب أكثر فأكثر.

لكن هذا الصعود يبقى رهينبالقدرة على الابتكار والتجديد وتملك التكنولوجيا وتشجيع البحث العلمي. والى حين تحقيق ذلك، هذه بعض الأرقام والمؤشرات التي تؤكد استحالة تحقيق ذلك في ظل الوضعية الحالية وفي ظل الحصيلة المخجلة للحكومة في مجال دعم البحث العلمي والابتكار:
  • هزالة ميزانية البحث العلمي التيلم تغادر بعد منطقة الصفر بين( 0,6 و 0,8) من الناتج الداخلي الخام، في مقابل ما بين 4 و6 في المائة في الدول المصنعة.
  • متوسط عدد الباحثين بالنسبة لكل مليون نسمة في المغرب لا يتجاوز 647 باحث  في مقابل 5000 في البلدان الغربية.
  • غياب الإرادة لتنفيذ الاعتمادات المالية المخصصة لدعم البحث العلمي...
والسؤال المطروح هو لماذا ترفض وتمتنع الحكومة عن انجاز الاعتمادات المالية السنوية المخصصة للبحث العلمي، سواء تعلق الأمر بالميزانية العامة او حتى بالنسبة للحسابات الخصوصية، فعلى سبيل المثال يشير التقرير المتعلق بالحسابات الخصوصية للخزينة المرفق يقانون المالية لسنة" 2019" إلى أن معدل انجاز الصندوق الوطني لدعم البحث العلمي لايتجاوز 10 %،

إن المغرب يحتل المرتبة 76 عالميا من أصل 126 دولة، في النسخة 11 من مؤشر الابتكار العالمي لسنة 2018 ، الذي تصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في تقييم البحث العلمي على الصعيد الدولي؛
التكوين المهني

وفيما يخص التكوين المهني، فاننا نعتبره قطب الرحى بالنسبة لكل القطاعات التنموية، لكن استراتيجية التكوين المهني اليوم تسائل الحكومة، عن مدى قدرتها على تلبية الطلب الاجتماعي على التكوين من جهة، والتأسيس ليصبح وسيلة تحكّم، بإمكان السياسة العمومية أن ترتكز عليها لمرافقة مختلف السياسات الاقتصادية المقررة؟

إن النموذج الخاص بإعادة هيكلة شعب التكوين المهني، الذي التمسه الملك من الحكومة لإعداده في غضون ثلاثة أسابيع العام الماضي، ولم تتمكن من ذلك رغم اشتغال 8 وزراء وكبار المسؤولين على هذا الملف عبر الاستعانة بنماذج دول أوربية؛

وقد ترأس جلالة الملك محمد السادس، يوم الخميس 28 فبراير 2019، جلسة عمل خصصت لبرنامج تأهيل عرض التكوين المهني وتجديد الشعب والمناهج البيداغوجية.

وتأتي جلسة العمل هاته استكمالا للاجتماعين السابقين المخصصين لقطاع التكوين المهني، الذي يحظى بعناية ملكية سامية موصولة، باعتباره رافعة استراتيجية للتنافسية ونهجا واعدا بالنسبة للإدماج المهني للشباب، ودعا جلالة الملك، في هذا السياق، إلى اعتماد مقاربة واقعية تحدد، بكيفية صارمة، الأولويات وفقا لحاجيات الاقتصاد الوطني وسوق الشغل، والانتظارات الاجتماعية وتطلعات المغاربة