بوابة حزب الاستقلال

الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال في حوار خاص مع جريدة المساء

الخميس 14 فبراير 2019

▪"البيجيدي" و"الأحرار" مسؤولان عما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والحكومة لم تتعلم الدرس من المقاطعة


▪الـ20 مليار درهم التي كانت تؤديها الدولة للمقاصة يتم اقتطاعها اليوم من جيوب المغاربة


▪قال إن الحكومة لم تتعلم من درس المقاطعة ونهجت سياسة اللاإنصات في الأزمات 


▪"البيجيدي" و"الأحرار" دشنا حملة انتخابية سابقة لأوانها منذ أول يوم لتشكيل الحكومة


▪تراجع الاستهلاك يعكس تخوف المواطن من المستقبل مما يدفعه إلى عدم الإنفاق 


▪الحكومة مسؤولة بكل مكوناتها عن قضية الفوترة لكن أساسا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار تقنيا أو سياسيا


▪نرفض منح الدعم المباشر بدون شروط والأساسي بالنسبة إلينا ليس هو الإحسان وترسيخ الاتكالية بل إخراج الفئات المعنية من الفقر


▪يجب تقييم دستور 2011 والتعديل ليس طابوها بل هو أمر عادي لتجاوز الإشكاليات المطروحة


▪حتى إمكانية لجوء المواطنين إلى القروض لم تعد ممكنة لأنهم وصلوا إلى مستويات عالية من الاقتراض


▪هناك إرادة لنظل في منطق سياسة الفرجة علما أن الشعبوية أضرت بالبلاد والحياة السياسية ككل وليس بحزب معين


▪الدستور يمنح صلاحيات مهمة للحكومة لكنها لا تستغل الإمكانيات المتاحة لها ووقع الاستحواذ على الثروات من طرف قلة قليلة والسياسة الليبرالية للحكومة تقوم على منطق إغناء الأغنياء


▪الحكومة عاقبت المواطنين بعد عدم اتفاقها مع النقابات والحوار الاجتماعي يجب أن يؤدي إلى نتائج


خص الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال جريدة المساء في عددها 3812 الصادر يوم الأربعاء 13 فبراير 2019، بحوار مفتوح تناول من خلاله مختلف القضايا التي تستأثر بالرأي العام الوطني، بالإضافة إلى راهنية الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، كما وقف هذا الحوار حول بروز الحركات الاجتماعية وتنوع أشكالها، إلى جانب مظاهر تقهقر القوة الشرائية واستفحال البطالة وفقدان الثقة في السياسة، وعجز الحكومة في التعاطي الإيجابي مع المشاكل والأزمات، والاقتراحات والمبادرات التي يقدمها حزب الاستقلال من موقعه في المعارضة لمعالجة هذه الوضعية وإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة، إلى جانب تقديمه للخطوط العريضة لتصور حزب الاستقلال حول النموذج التنموي الجديد.

في ما يلي نص الحوار كما تم نشره بجريدة المساء: 

في غمرة احتقان اجتماعي يسائل نجاعة السياسات الحكومية، يحاول حزب علال الفاسي إضفاء لمسته الخاصة على موقعه داخل المعارضة الوطنية عبر مراقبة السلطة التنفيذية بعيدا عن منطق استهداف الأشخاص والأحزاب. في هذا الحوار يكشف نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، عن موقف حزبه من عدد من الملفات الساخنة، وعلى رأسها الصراع الذي تعرفه مكونات الأغلبية والحملة السابقة لأوانها التي اندلعت بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية. ويوضح بركة موقف الحزب من تعامل الحكومة مع تنامي مظاهر الاحتقان الاجتماعي، ومنها ما يتصل بالمقاطعة التي يرى زعيم الاستقلال أن الجهاز التنفيذي تعامل معها بمنطق اللارد. كما كشف نزار بركة عن أبرز ملامح مقترحات الحزب لبلورة النموذج التنموي الجديد.

 

س: تشهد بلادنا موجة احتقان اجتماعية نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وعدم قدرة الحكومة على التفاعل مع مطالب مختلف الفئات. ما هي قراءتك لهذه الوضعية؟

ج: حقيقة، يمكن ربط هذا الاحتقان بمجموعة من العوامل. *العامل الأول يتعلق بالسياسة المتبعة من طرف الحكومة، والتي تؤدي إلى تفقير الطبقة المتوسطة وضرب القدرة الشرائية للمواطنين، والمعطى الأخطر يتجلى في عدم وجود إرادة سياسية لبعث الأمل واسترجاع ثقة المواطنين في العمل السياسي والمستقبل. طبعا هناك مؤشرات توضح ذلك، وأول مؤشر هو تراجع الاستهلاك بشكل يعكس تخوف المواطن من المستقبل مما يدفعه إلى عدم الإنفاق. *العامل الثاني يتعلق بتراجع نسبة الشباب الباحث عن الشغل، إذ نلاحظ تراجعا في نسبة الساكنة النشيطة، خصوصا في صفوف النساء. وهذا التراجع ليس شيئا إيجابيا بل هو معطى سلبي، بالنظر إلى أن هذا المؤشر مرتبط بانخفاض معدل البحث عن الشغل. *أما العامل الثالث فيرتبط بتعبير الطبقة المتوسطة- عبر النقابات، في إطار الحوار الاجتماعي، أو من خلال ما وقع في المقاطعة- عن عدم قدرتها على مواجهة غلاء المعيشة. نحن كحزب كنا من الأوائل الذين قاموا بهذا التحليل واعتبرنا أنه من الضروري العمل على تحسين القدرة الشرائية وقدمنا اقتراحات، من خلال فريقينا بالبرلمان، إلى رئاسة الحكومة من أجل العمل على تحسين القدرة الشرائية، وذلك بالرفع من الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل عبر توسيع التحفيزات من أجل التشغيل، خصوصا بالنسبة إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة وأيضا التعاونيات والجمعيات. لكن الحكومة، مع الأسف، لم تتفاعل مع هذه الاقتراحات، وأكدت أنها ستؤجل ذلك إلى قانون مالية 2019، لكنها أخلفت، مرة أخرى، وعدها ولم تقم بإدراج ذلك في مشروع مالية هذه السنة.

س: هل تعتقد أن مالية الدولة قادرة على الاستجابة لهذه المطالب، خصوصا أن المؤشرات تؤكد وجود عجز بنيوي؟

ج: الحكومة أعلنت، في إطار الحوار الاجتماعي طبقا للتوجيهات الملكية، أنه تمت تعبئة 6 مليارات درهم من أجل الاستجابة لمطالب النقابات، ولذلك فالإمكانيات المالية متوفرة. أضف إلى ذلك أنه إذا اشتغلنا على المالية العمومية للدولة فهنالك العديد من التدابير التي من شأنها أن تقلص من النفقات وتساهم في تحسين القدرة الشرائية. لابد أن نؤكد على مسألة أساسية، فالحكومة السابقة قررت حذف الدعم المخصص للمحروقات مع تحرير الأسعار، أي أن 20 مليار درهم التي كانت تؤديها الدولة قد تم اقتطاعها من جيوب المغاربة وأساسا الطبقة الوسطى.

س: تريد القول بأن 20 مليار درهم التي كانت تقدمها الحكومة عبر صندوق المقاصة لضمان استقرار أسعار المحروقات أصبح يتحملها المواطن بشكل مباشر؟

ج: نعم، لأن هذا الغلاف المالي تحول إلى زيادة في الأسعار يتحملها المواطن. لذلك نحن نقول بأن المقاصة لم تخضع لإصلاح شمولي، والحال أن 20 مليار درهم كان يفترض أن يوجه جزء منها إلى العجز المالي والجزء الآخر إلى الطبقات الفقيرة لدعم صندوق التماسك الاجتماعي الذي يعاني اليوم من قلة الموارد، وذلك من أجل مواصلة البرامج من قبيل "تيسير" ودعم الأرامل وبرنامج مليون محفظة ونظام "راميد" في حد ذاته، الذي تبقى اعتماداته ضئيلة. كما كان يفترض أن تستفيد الطبقة الوسطى من خفض هذه النفقات، وهو الأمر الذي لم يتم. فمنذ سنة 2011 ظلت الأجور مجمدة، في حين ارتفعت نفقات الأسر من خلال رفع دعم المحروقات وارتفاع فواتير الكهرباء والماء ونفقات التعليم، خصوصا في القطاع الخاص، ونفقات الصحة. لذلك فالطبقة المتوسطة ترى أن هناك فسخ للتعاقد الاجتماعي الذي تم إبرامه مع الدولة. فهذه الشريحة كانت تستفيد من مجانية التعليم، لكنها لم تعد تستفيد منها، إلى جانب غياب خدمات صحية ذات جودة، وهي اليوم تتحمل على عاتقها نفقات المحروقات. لذلك فقد اعتبرنا كحزب أن من بين الأمور الأساسية التي ينبغي القيام بها لاسترجاع الثقة هو أن نقوم ببناء تعاقد مجتمعي جديد بناء على النموذج التنموي الجديد.

س: بالعودة لقضية المقاطعة، لاحظنا أن هذا الشكل الاحتجاجي استُغل سياسيا بين بعض مكونات الأغلبية في حين أنك تعتبر هذا السلوك الاحتجاجي صرخة رفض للأوضاع الاجتماعية المتردية. هل كانت المقاطعة في تقديرك تعبيرا عن رفض أوضاع اجتماعية متردية، أكثر منها سلوك سياسي؟

ج : تماما، هذه هي وجهة نظر الحزب. صحيح أنه عندما ظهرت المقاطعة وجدنا أنفسنا أمام صراع بين مكونات الأغلبية ومن المسؤول ومن وراءها ومن المستهدف. آنذاك قلنا بأن الأهم ليس هو البعد السياسي بل أن نستحضر مصلحة المواطن، واعتبرنا أن الإشكال الحقيقي يرتبط بالقدرة الشرائية للمواطنين. ويمكن أن نؤكد الآن ما يقوله المواطنون وهو أنهم "مابقاش عندهوم باش يكملو الشهر"، بل أكثر من ذلك فحتى إمكانية الاقتراض لم تعد ممكنة لأنهم وصلوا إلى مستويات عالية من الاقتراض، وبالتالي فقد وصلنا إلى الباب المسدود ولابد أن نحل المشكل. كما أن المواطنين طرحوا مشكل المنافسة وهو ما جعل الأسعار تتأثر، لأنه لا توجد منافسة حقيقية في هذا المجال. خطورة هذا الأمر هو أن المواطن انخرط في المقاطعة دون أن يجبره أحد، فصحيح كان هناك "الفايسبوك" وربما أطراف دخلت لإعطاء هالة معينة، لكن ما هو أساسي بالنسبة لنا هو القابلية وكيف انخرط المواطنون في هذا السلوك. الرسالة وصلت إلى الحكومة، لكن الأخيرة كان لها موقف اللارد وهو مسألة خطيرة لأنه ليست هناك قدرة على الإنصات. فلم يقع أي رد فعل ولم يتخذ أي تدبير، وقالوا بأنهم سيقومون بالتسقيف وهو القرار الذي لم يتم لحد الآن في انتظار رأي مجلس المنافسة، في حين أن الشركات الكبرى تضررت وأيضا سمعة المغرب على الصعيد الدولي. فمقابل هذه الصرخة، لم تقع أي زيادة في الأجور ولا أي تخفيف للضرائب والأخذ بعين الاعتبار نفقات التعليم في القطاع الخاص بخصمها من الضريبة على الدخل. فأن يوجه المواطن هذه الرسالة ويتم التفاعل معه بالتجاهل أو التسويف، هو أمر خطير يحيل على أمرين. أولا، فالمواطن لم يعد ينتظر أي شيء من الحكومة بل أخذ زمام الأمور بمبادرته إلى المقاطعة. لكن الخطير هو أن هذه المقاطعة كان لها وقع في تخفيض الأسعار وهوامش ربح شركات المحروقات. أي أن المواطن استطاع أن يوصل ويضغط من أجل إجراءات لم تستطع الحكومة القيام بها، وهذا يوضح أننا خلقنا أزمة سياسية بسبب عدم التفاعل مع مطالب المواطنين المشروعة.

س: الملاحظ هو أن هناك تطور في الفعل الاحتجاجي مقابل سياسة الهروب إلى الأمام التي تسنها الحكومة.

ج : السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو: لماذا تتعمد الحكومة التعامل مع المواطنين بالسياسة نفسها؟ لقد لاحظنا الموقف نفسه مع احتجاجات الحسيمة ومع جرادة وكذا المقاطعة وأيضا مع قضية الساعة الصيفية التي تقرر ترسيمها ووكذاك في موضوع الإنفلونزا. الملاحظ أن هناك سياسة واحدة للتعامل مع هذه القضايا، وهي سياسة تعتمد على اللاإنصات واللاحوار واللاتواصل، وأيضا اللااستباقية. ففيما يخص موضوع الإنفلونزا، نحن نعرف أن فترة البرد تعرف ظهور الفيروس، وبالتالي كان على الحكومة أن تتخذ إجراءات استباقية من خلال اقتناء الأدوية واللقاحات، لكننا لاحظنا غياب هذه المقاربة مقابل تدابير إطفائية بعدما تتعقد الأمور وتصبح التكلفة عالية. هذا الأمر يغذي عدم الثقة وفقدان الأمل، وهو ما جعلنا نلاحظ ارتفاع نسبة الهجرة سواء بالنسبة لهجرة الأدمغة أو الهجرة السرية. كما نلاحظ جمودا على مستوى الاستثمارات، وهو الأمر الذي يمكن رصده لدى المؤسسات البنكية التي قامت بتخفيض الفوائد بسبب تراجع الاستثمارات الداخلية والأجنبية. ففيما يتعلق بالأخيرة، وباستثناء بعض العمليات المالية الكبرى، نجد أن هناك تراجعا جد مهم على مستوى الاستثمارات المباشرة الأجنبية. لذلك هناك أزمة ثقة حقيقية، ومع الأسف فالسياسة المتبعة من طرف الحكومة تغذي هذه الأزمة عوض العمل على تجاوزها.

س: حتى نكون صرحاء أكثر، هل هذه الإشكالات مرتبط بحزب معين أم بالحكومة ككل؟

ج : بالنسبة إلينا نرى أن ما يمس بمصالح الوطن والمواطنين هو هذه الحملة الانتخابية السابقة لأوانها. فمنذ تأسيس الحكومة ونحن أمام حملة انتخابية سابقة لأوانها بين مكونين أساسيين داخل الأغلبية، من خلال التراشق وتبادل الاتهامات. هذا الأمر يؤدي إلى تعطيل الإصلاحات الكبرى وعدم التوافق، وخير دليل على ذلك هو عدم التوصل إلى اتفاق حول مذكرة موحدة للنموذج التنموي على الأقل كحكومة وليس كمكونات للأغلبية، رغم أن جلالة الملك حدد آجالا لذلك. كما أننا لاحظنا هذه الإشكال على مستوى مناقشة القانون الإطار حول التربية والتكوين، فالإشكال دائما مطروح بين مكونين من الأغلبية وليس بين الأغلبية والمعارضة. بصراحة عندما تكونت هذه الحكومة اعتبرت بأنها "عندها الزهر". فهذه الحكومة تستفيد من ولاية كاملة بدون استحقاقات انتخابية كما هو الحال بالنسبة لحكومة ادريس جطو وعباس الفاسي وعبد الإله بنكيران. لذلك فقد كان أمام الحكومة الوقت الكافي لتسريع الإصلاحات الهيكلية التي تبقى مكلفة شعبيا، لكنه من الضروري إنجازها. غير أن العكس هو الذي حصل، فقد دخلنا في منطق الصراع الذي يؤدي إلى إهدار الزمن الحكومي والمس بمصالح المواطنات والمواطنين. 

س: ألا ترى بأن فراغ الأحزاب من الفكر والإيديولوجيا هو الذي يقودنا إلى هذه الوضعية؟

ج : أظن أن الإشكال الحقيقي مرتبط بالجري وراء المرتبة الأولى من أجل الوصول إلى رئاسة الحكومة أكثر من أي شيء آخر. ثانيا، هناك إرادة لإبراز قطبية سياسية مصطنعة جديدة، وهي غير نابعة عن المجتمع. لذلك فعندما نتابع النقاشات يتم التركيز على هذا الصراع ويتم الترويج لغياب المعارضة، في حين أنه على الأقل بالنسبة لحزب الاستقلال فهو حاضر باقتراحاته وعمله وطرحه للإشكاليات الكبرى في البرلمان وبتقديم بدائل للخروج من هذه الوضعية. كما أن هناك إرادة لنظل في منطق سياسة الفرجة، في حين أننا نعتبر، وهو الأمر الذي أكدت عليه بقوة في برنامج ترشيحي كأمين عام حزب الاستقلال، أن الشعبوية أضرت بالبلاد والحياة السياسية ككل وليس بحزب معين، لأنها أفقدت الثقة في العمل السياسي. الشعبوية تعطي فكرة بأن كل شيء سهل في حين أن الواقع معقد، وبالتالي فهي تخلق أزمة بين ما يتم إعلانه وما يتم تحقيقه على أرض الواقع. أضف إلى ذلك أن الشعبوية تخلق عنفا وعنفا مضادا، ما يجعل المجتمع ككل ينمو مع هذا العنف الذي يكون عنفا لفظيا ولكن يؤدي إلى مواجهات وضياع الوقت بالنسبة لبلادنا التي هي في حاجة إلى تسريع وتيرة العمل. مع الأسف، عرف المغرب خلال السنوات الأخيرة تراجعا على مستوى وتيرة النمو والقدرة على خلق فرص الشغل وتراجعا على مستوى منسوب الثقة، وقد لاحظنا تراجع المشاركة على مستوى الانتخابات الأخيرة وأيضا في الانتخابات الجزئية، ولا قدر الله فإذا بقينا على هذه الوتيرة فلا نعرف إلى أين سنصل. هذا الأمر يجعلنا نؤكد على ضرورة القيام بوقفة، وهو ما اقترحناه كحزب اختار معارضة لا تستهدف الأشخاص والأحزاب بل تقوم بتقييم السياسات وتقدم المقترحات، تنتقد ما يجب انتقاده وتنبه إلى ما يقتضي دعمه، ونقدم البدائل.

س: ألا ترى أن عدم التجانس بين مكونات الأغلبية يعود إلى كون الحكومة بنيت على أساس تحالف هجين؟

ج : الحكومة تتوفر على أغلبية مريحة عدديا، وهي مكونة من ستة أحزاب و40 عضوا. وفي نفس الوقت هذه الحكومة تتوفر على برنامج وميثاق للأغلبية، الذي أخذ وقتا قبل التوقيع عليه. السؤال الحقيقي هو لماذا تُطرح مثل هذه الإشكالات؟ صحيح أنه يمكن أن تثار بعض الخلافات، على اعتبار أن الحكومة مكونة من عدة أحزاب، لكن المفروض هو أن تتم معالجتها من خلال ميثاق الأغلبية، إذ أن حزب الاستقلال هو أول حزب أكد على ضرورة صياغة الميثاق كأرضية أساسية في تدبير الأغلبيات. هذا النص يضم آليات لفك النزاعات بين مكونات الأغلبية، وبالتالي فكان يفترض أن يتم الاحتكام إليه لحل المشاكل وأن يستمر العمل الحكومي بشكل عاد ويقع تسريع وتيرة الإصلاحات بالنسبة لبلادنا. صحيح أن نمط الاقتراع يجعل من الضروري أن تتكون الحكومة من ائتلاف يضم مجموعة من الأحزاب، لكن من الضروري أن يكون هناك حد أدنى من أخلاقيات التوافق والعمل الجماعي لكي نسير إلى الأمام.

س: اليوم أصبحنا أمام تحالف حكومي يضم أطرافا همها الأساسي هو ممارسة المعارضة، من قبيل ما وقع في أزمة التجار. كيف تابعت تفاعلات هذا الملف؟

ج : هذه لبنة أخرى توضح مسألة الهروب من المسؤولية. أولا نحن نعرف بأن هناك تدبير مرتبط بالفوترة الإلكترونية بالنسبة للتجار الكبار وما يتعلق بالجمارك فيما يرتبط بمنع ولوج المواد المهربة. التدبير الأول اعتمد سنة 2015، والثاني تم اتخاذه في قانون مالية 2019. اليوم يجب أن نكون واضحين، فمن قدم هذا القرار سواء في 2015 أو 2019 هو وزير الاقتصاد والمالية المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ومن يفترض أن يقوم بالحوار مع التجار هو وزارة الصناعة والتجارة التي يسيرها حزب التجمع الوطني للأحرار، لكن من صادق على القانون سياسيا هي الأغلبية المكونة من العدالة والتنمية والأحرار والأحزاب الأخرى. لذلك فالحكومة مسؤولة بكل مكوناتها، وأساسا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، سواء تقنيا أو سياسيا. نحن كمعارضة نبهنا في مجلس المستشارين إلى الإشكال الذي ستطرحه الفوترة الإلكترونية، على اعتبار أن التجار غير جاهزين ولم يقع تفسير القرار خاصة بالنسبة إلى التجار الصغار، في حين أن الأغلبية لم تواكبنا. بعد ما وقع، دخلنا في منطق التنصل من المسؤولية في حين أنها ثابتة على الأغلبية ككل، وحزبي التجمع والعدالة والتنمية أساسا. هنا نعود إلى النقطة الأولى المرتبطة بالبعد الانتخابي، والسؤال هو أين هي مصلحة المواطن؟

س: ما الهاجس الذي تحكم في تدخل حزب الاستقلال في موضوع الفوترة الإلكترونية؟

ج : نحن تدخلنا لعدة اعتبارات. أولا لدينا نقابة للمقاولين والمهن والتجار الصغار (الاتحاد العام للمقاولات والمهن) بعض قياداتها مقربون من الحزب أو ينتمون إليه، ولذلك فقد دخلوا في حوار مع المديرية لعامة للضرائب والمديرية العامة للجمارك في إطار دور الوساطة الذي تعلبه النقابات. وقد وصلنا إلى اتفاق، أهنئ بشأنه الاتحاد العام وأيضا وزير المالية الذي تفاعل إيجابا، حيث تقرر عدم إصدار المراسيم التطبيقية إلا بعد أن يقع النقاش والتفسير للخروج بصيغة للتنفيذ. كما أن وزير الصناعة والتجارة انخرط في هذا المسلسل، وجاء بفكرة إيجابية تتعلق بتنظيم مناظرة للتجار قبل المناظرة الوطنية حول الضرائب، وذلك حتى يخرج التجار والحكومة بتصور موحد. هذه المحطة انتقالية ولا يجب أن تستمر، لأنه لا يعقل أن يتم توقيف قانون بعدم استصدار مرسوم أو دورية. فاليوم من الضروري الوصول إلى اتفاق، وأن نعود إلى القانون من أجل تحسينه. فالعديد من القوانين ظلت حبرا على ورق بسبب عدم إصدار المراسيم التطبيقية، إذ أن الالتفاف على القانون يبعدنا عن منطق الدستور وما أكد عليه جلالة الملك بشأن بناء دولة الحق والقانون. يجب أن نؤكد أيضا بأن غرف التجارة لم يتم إشراكها، وهو ما يبين بأن الحكومة لم تقم بواجبها في إشراك المؤسسات المنتخبة من أجل بلورة السياسات العمومية. فالحكومة تكتفي بالتشاور مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب فقط. هذا نهج مطلوب، لكن هذه الهيئة لا تمثل الجميع.

س: لكن لماذا انقلب التجار على الاتفاق المكتوب الذي تم التوصل إليه مع الحكومة؟ أليس في ذلك توظيف سياسي؟

ج : قد تقع بعض التدخلات لأن هناك من يرغب في الركوب على هذه الأمور من أجل خلق أزمة. لكن بحكم وجود تفاعل إيجابي مع الحكومة، فقد اعتبرنا أنه من الضروري احترام هذا الاتفاق الذي تمت بلورته وهو الأمر الذي تم فيما بعد.

س: هناك من يعتبر أن هذه الحملة السابقة لأوانها ربما تؤشر على وجود مخاوف من وقوع طارئ سياسي، من قبيل الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها. ما ردك؟

ج : في الواقع هذا الأمر يساهم في تغذية عدم الاستقرار. فقد تطلب تشكيل الحكومة ظرفا زمنيا طويلا، وبعد ذلك وقعت أزمة الحسيمة والتعديل الحكومي الأول، ثم التعديل الحكومي الثاني. علاوة على ذلك، فمنذ البداية ونحن نتساءل إن كانت الحكومة ستستمر أم لا وما إذا كانت بلادنا ستشهد انتخابات سابقة لأوانها. وبالتالي فعدم استقرار الحكومة يكرس هذه الحملة السابقة لأوانها، في وقت يمكن أن أقول بألا شيء يبرر وجود هذه الحملة. فبلادنا تتمتع بالاستقرار، وهناك إصلاحات مهمة يجب إنجازها في أقرب وقت، ولا يمكن ترك البلاد أمام هذا الهاجس المرتبط بالانتخابات.

س: هل الأحزاب مستعدة لانتخابات سابقة لأوانها؟

ج : بالنسبة لحزبنا نحن نقوم الآن بتجديد أنفسنا. طبعا إذا كانت هناك انتخابات سابقة لأوانها فسنتجند لها. دعني أقول بأنه في الانتخابات المقبلة يجب أن يقع تقييم للسياسات العمومية وأن نخرج بنقاش حقيقي سياسي كما تعرفه جميع الدول، وما إذا كنا سنستمر في هذه التجربة ومن المسؤول عنها لتقديم الحساب للمواطن. هذا الأمر ضروري، لأنه مع الأسف في انتخابات 2016 كان هناك نقاش مغلوط اختزل في موقف "مع أو ضد التحكم"، وبالتالي لم يكن هناك نقاش سياسي حقيقي مبني على أرقام، علما أن الحكومة السابقة لم تقدم حصيلتها والتي كان يفترض أن تناقش داخل البرلمان. والحال أن حكومة عباس الفاسي أنشأت موقعا إلكترونيا وقدمت حصيلة ما حققته آنذاك. نحن نعتبر أن المواطن من حقه أن يعرف ما تحقق وما لم يتحقق والسبب وراء ذلك، حتى يتمكن من بلورة موقف مبني على معطيات مضبوطة وليس بناء على انطباعات وثنائية قطبية غير حقيقية.

س: إذا كنت تستبعد إمكانية الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، ألا ترى بأن هناك حاجة إلى "عملية جراحية" موضعية لتقويم التشوه الذي أصاب العمل الحكومي من خلال تعديل وزاري؟

ج : نحن طلبنا من الحكومة أن تقوم بأمرين. أولا، عليها القيام بتقييم للسياسات والاستراتيجيات القطاعية، على اعتبار أن هناك استراتيجيات قد انتهت أو ستنتهي سنة 2020. لذلك يجب القيام بعملية التقييم هذه السنة وليس انتظار 2020 التي تتزامن وقرب الاستحقاقات الانتخابية. طبعا هذا التقييم يجب أن تقوم بها مؤسسات دستورية مستقلة عن الحكومة. ثانيا، دعونا الحكومة إلى تغيير البرنامج الحكومي على ضوء التوجيهات الملكية السامية في مجال التشغيل والتكوين المهني والمجالات الكبرى التي أعطى الملك فيها تصورات هامة، وعلى ضوء ضرورة التحول إلى النموذج التنموي الجديد. فإذا ذهبنا في هذا التوجه القاضي بتغيير البرنامج الحكومي فيمكن آنذاك أن يواكبه تغيير على مستوى التشكيلة الحكومة.

س: إذا طلبت منكم المشاركة، هل أنتم مستعدون للالتحاق بالحكومة؟

ج : نحن قررنا التوجه إلى المعارضة في أبريل 2018، انطلاقا من رصدنا لبطء وتردد وارتجالية حكومية في التعامل مع عدة قضايا، وهي القناعة التي تزداد ترسيخا مع الأسف. كما أكدنا بأننا سنقوم بمعارضة وطنية استقلالية، وقد قمنا بدورنا بالنسبة للقضية الوطنية سواء في العيون أو فيما يتعلق باتفاقية القطاع الفلاحي، وكذلك فيما يتعلق بالإشكاليات الكبرى المطروحة. لذلك نحن نعتبر بأن موقعنا اليوم هو المعارضة، لكننا لا نتملص من مسؤوليتنا بعيدا عن منطق القفز على الفرص، إذا كانت هناك أزمة خانقة اليوم. بيد أنني أؤكد أنه ليس هناك شيء يستلزم الدخول في هذا المنطق، ولذلك فنحن نواصل عملنا من داخل المعارضة.

س: ما رأيك في الطرح الذي يقول إن ابتعاد الاستقلال عن تدبير الشأن العام أثر على الحزب؟

ج : هذا الأمر ممكن. فلا أحد يمكنه الجزم بأن خروجنا من الحكومة لم يكن له وقع على حزب الاستقلال، خصوصا أن مبررات الخروج لم توضح إلى يومنا هذا. فهذا الأمر كان له انعكاس على نتائجنا الانتخابية والجماعات التي نترأسها. فعندما يكون الحزب خارج الحكومة يصعب عليه تحقيق البرنامج الذي تعاقد عليه مع المواطنين إذا لم يكن يتوفر على الدعم اللازم، لكن ذلك لا يعني أننا يجب أن نشارك في الحكومة بأي شكل كان. نحن نعتبر بأن السياسة المتبعة والبرنامج الحكومي أصبح متجاوزا، على اعتبار أنه يحمل ليبيرالية قصوى توسع الفوارق الاجتماعية والمجالية، وقد لاحظنا في قانون المالية الأخيرة أن الحكومة لازالت تتبع نفس السياسة. نحن نرى بأن هذا التوجه خط أحمر، فموقفنا هو أن توسيع الطبقة المتوسطة وتقويتها هو الذي سيمكن من تقليص الفوارق الاجتماعية في حين أن الضرب في هذه الطبقة هو الذي يوسع الفوارق ويفقر المواطن. وعليه، نعتبر أن هذه السياسة خاطئة والحكومة تتملص من مسؤوليتها، بل إن جلالة الملك يمنحها آجالا ولا تحترمه سواء بالنسبة للتكوين المهني أو التشغيل أو النموذج التنموي وغير ذلك. كما أنه بالنسبة للدستور، ورغم ما يمنحه من صلاحيات مهمة للحكومة، فإنها لا تستغل الإمكانيات المتاحة لها.

س: كيف تنظر إلى هذا التناقض الحاصل بين حزب لديه توجهات ليبيرالية وحزب يشتغل بمنطق الإحسان، كما هو الحال بالنسبة للأرامل؟

ج : ما يمكن قوله هو أن الحزبين منذ 2013 إلى يومنا هذا مسؤولان عن هذه السياسات المتبعة. فهذه الليبيرالية الجديدة التي تزداد حدة تقوم على منطق إغناء الأغنياء حتى يقوموا بالاستثمارات ويوفروا فرص الشغل لكي يعود ذلك بالنفع على المواطن، لكن تبين بأنه وقع الاستحواذ على الثروات من طرف قلة قليلة في حين أن هذه الاستثمارات لم تتم ولم يكن لها وقع. لذلك فهذا الأمر يزيد من توسيع الهوة وفي تفقير المواطنين، وهو الأمر الذي يجعلنا ندخل في منطق الإحسان عوض منطق تقوية القدرات والتشغيل اللائق والتضامن ووضع آليات لذلك.

هل الدعم المخصص للأرامل يستحق هذه التسمية أم هو صندوق للأيتام؟

بركة: يتعلق بالأرامل اللواتي لديهن أيتام. في الواقع هذا الصندوق من بين البرامج التي يجب أن نشتغل عليها، فآليات التضامن يجب تقييمها وتطويرها وخير دليل على ذلك هو نظام المساعدة الطبية. فاليوم يفترض أن هناك أكثر من 12 مليون مستفيد، من بينهم 20 في المائة لا يستحقون الاستفادة من البرنامج، لكن الخطير في الأمر هو أن الولوج إلى الخدمات الصحية شبه منعدم على اعتبار أن الإمدادات المالية التي كان يفترض أن تواكب هذا التوسيع لم توفر. الآن بالكاد بلغنا 1.5 مليار درهم، في حين كان يتم تخصيص مليار درهم فقط، علما أنه لو سألنا وزارة الصحة فستقول إنها لم تتوصل حتى بـ800 مليون درهم. عندما كنا في الحكومة، اعتبرنا أن علاج 5 ملايين مواطن يستوجب توفير 3 ملايير درهم على الأقل، وبالتالي فاليوم هناك حاجة إلى 4 أو 5 ملايير درهم حتى نتمكن من مواكبة وتقديم الخدمات الصحية الضرورية. لذلك فالسجل الاجتماعي سيمثل خطوة إيجابية إذا تم ضبط معايير التسجيل. ففي تجربة تادلة أزيلال تم الاتفاق على معايير معينة فيما يتعلق بنظام المساعدة الطبية، لكن عند عملية التوسيع لم يتم الأخذ بهذه المعايير ما جعلنا نصل إلى وضعية يستفيد فيها أشخاص غير مستحقين. نحن من وضع برنامج "تيسير" وقد كان الدعم مشروط بالتمدرس، وبدأنا في الاستهداف الجغرافي بالمناطق الأكثر فقرا. هذه العملية أعطت نتائج مهمة، إذ تم خفض الهدر المدرسي بـ60 في المائة على مستوى المناطق المستهدفة.

س: الدعم المباشر أثار خلافات كبيرة في الحكومة السابقة، خاصة فيما يتعلق برفع الدعم عن البوطا. مؤخرا خرج رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران بتصريحات قال فيها إن هناك أطراف احتجت على مسألة الدعم المباشر، في حين أن نزار بركة ساند الفكرة. هل من توضيحات؟

ج : نحن نعتبر بأن رفع الدعم كان يجب أن يدخل في إطار إصلاح شمولي لصندوق المقاصة، وهو الأمر الذي لم يتم. فقد وقع رفع الدعم عن المحروقات بدون القيام بهذا الإصلاح الشمولي، ونقصد لذلك القيام بعملية الاستهداف ومنح دعم مشروط في التعليم والصحة وغيرهما. كما يجب أن تكون هناك برامج للمواكبة من أجل الخروج من دائرة الفقر، لأن الأساسي بالنسبة إلينا ليس هو الإحسان وترسيخ الاتكالية بل تحسين الأوضاع الاجتماعية للفئات المعنية وإخراجها من وضعية الفقر. فقد رفضنا منح الدعم بدون أي شرط، فلو منحنا 500 درهم لكل أسرة مع تحرير أسعار مختلف المواد فهذا الدعم لن يكفي عددا من الأسر لمواجهة ارتفاع الأسعار، في حين أن هناك أسر ليست في حاجة إلى ذلك. المشكل الذي سيطرح هو أن المواطنين سيعتبرون غدا أن هذا الدعم غير كاف وسيحتج الملايين لرفع هذه المنحة، وهو الأمر الذي وقع في بعض البلدان. كما أننا لاحظنا أنه عندما تكون الأمور غير مضبوطة فيمكن لأشخاص غير مستحقين أن يستفيدوا من تلك البرامج، وقد عشنا ذلك مع برنامج "راميد". لذلك فقد كان لدينا تحفظ على الدعم اللامشروط والدعم الكلي، ليس لأغراض سياسية بل لأثر ذلك على الاستقرار ونجاعة الدعم.

س: إذا كنا قد تحدثنا مطولا عن التناقضات التي تعرفها الأغلبية، فإن المعارضة تضم بدورها أحزابا متنافرة. هل استفادت المعارضة من الوضعية التي منحها لها دستور 2011؟

ج : المكانة التي أعطى الدستور للمعارضة نجدها فقط على مستوى ترؤس بعض اللجان البرلمانية، لكن ما عدا ذلك فليست هناك أي مكانة خاصة للمعارضة. فالحكومة كان يفترض أن تناقش مع المعارضة الملفات الكبرى والقوانين التنظيمية من قبيل الأمازيغية ومجلس اللغات والقانون الإطار للتعليم، فالمفروض أن تدعو الحكومة المعارضة لتعطي وجهة نظرها بدل أن يكون هناك عمل على مستوى البرلمان فقط في إطار منطق الأغلبية والمعارضة. فالدستور وصلنا إليه في إطار التوافق، وبالتالي فاستكمال تنزيل القوانين التنظيمية يفترض الاستمرار في إطار هذا الجو التوافقي الإيجابي. كما أنه ليست هناك أي اجتماعات مع المعارضة بكيفية مؤسسة، ففي عهد عباس الفاسي كان يستقبل المعارضة سنويا ليناقش معها مختلف الإشكاليات ويضعها في صورة ما يجري. أيضا على مستوى الدعم المخصص للأحزاب فليست هناك مكانة خاصة للمعارضة، بل تم الإبقاء على نفس طرق احتساب الدعم المعتمدة سابقا وهو الأمر الذي جعلنا نعتبر، خصوصا بعد الخطاب الملكي السامي الذي أكد في افتتاح البرلمان على الرفع من الدعم المخصص للأحزاب في مجال التأطير والتفكير، على ضرورة إيلاء عناية خاصة للمعارضة. بالنسبة للعلاقات داخل المعارضة، أود أن أوضح أن الأغلبية لديها تعاقد حول البرنامج الحكومي لكن بالنسبة للمعارضة فليس لها برنامج بل يقع التنسيق بين مكوناتها في ملفات تكون فيها التقائية في وجهات النظر، كما يقع التنسيق مع فرق الأغلبية في البرلمان في النقط التي نتفق حولها.

س: هناك اعتراف بأن الضرب في مصداقية الفاعل الحزبي والنقابي يشكل تهديدا حقيقيا في ظل أشكال احتجاجية منفلتة من أي تأطير، خاصة على مستوى وسائط الاتصال الاجتماعية. ما هي سبل استعادة الثقة في مؤسسات الوساطة؟

ج : اليوم أزمة الوسائط خطيرة بالنسبة لبلادنا، سواء تعلق الأمر بالنقابات أو الأحزاب أو المجتمع المدني. هذه الخطورة لاحظناها في عدة دول وأيضا في بلدنا، على اعتبار أن الإشكال الذي يطرحه العالم الافتراضي هو أننا لا نعرف هوية من يتحركون فيه وما هي دوافعهم ومن وراءهم، وما إن كانوا داخل أم خارج أرض الوطن. عندما كنا في حكومة عباس الفاسي كان هناك إضراب في قطاع النقل سنة 2009، والذي أخذ وقتا كبيرا وتسبب في أزمة خانقة، حيث اضطر الوزير الأول إلى استقبال 87 جمعية للتفاوض معها حول توقيف الإضراب. لكن عندما وصلنا إلى توافق، تم توقيع الاتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية لأننا نعتبر بأنه من الضروري أن يكون لنا محاور. عندما كان حزب الاستقلال يترأس الحكومة قمنا بمأسسة الحوار الاجتماعي، فقد كان هناك لقاء ينطلق في شهر فبراير وينتهي في أبريل قبيل عيد الشغل، ولقاء آخر ينطلق في شتنبر وينتهي قبيل إحالة قانون المالية على البرلمان في أكتوبر. كما أننا قمنا ببرمجة القضايا التي تتم دراستها سنويا، وقد كنا نحقق إنجازات كل سنة إلى أن وصلنا إلى اتفاق 26 أبريل 2011. نحن نعتبر بأنه من الضروري أن نقوي الوسائط في المجتمع وذلك لمصلحة الوطن، عكس ما تقوم به هذه الحكومة. فالحوار يجب أن يؤدي إلى نتائج، لأن العبرة ليست باللقاءات والدردشة. أكثر من ذلك فهناك أمر أخطر، فعندما النقابات أن العرض الحكومي غير كافي فلاشيء كان يمنع الحكومة من تنفيذ الشطر الأول من مقترحاتها ومنها تحمل الشطر الرابع من الاقتطاع الخاص بالتقاعد والرفع من التعويضات العائلية بـ100 درهم ورفع الأجور مثلا بـ200 درهم، على أن تستمر في المفاوضات للخروج بقرار نهائي مع النقابات. هذا الأمر كان سيمنح جوا من الثقة ويقوي ويسهل مأمورية النقابات، لكن بحكم عدم التوصل إلى اتفاق مع النقابات فقد تمت معاقبة الموظفين والمواطنين. هذا الأمر نقوله ليس لأننا معارضة بل هو واقع نعيشه اليوم. طبعا لكي نعيد الاعتبار إلى العمل السياسي، هناك ثلاثة أمور قدمناها في إطار تصورنا للنموذج التنموي. أولا، يجب إعادة النظر في المنظومة الانتخابية حتى نجعل المواطن يرى نفسه في المنتخب ونقوي العلاقة بين الطرفين. فالنائب البرلماني يجب أن تكون لديه مكاتب للاستقبال من أجل الإنصات والترافع حول مطالب المواطنين، حتى نسترجع الثقة. أيضا، يجب أن تكون للمهاجرين تمثيلية داخل البرلمان وذلك على الأقل عبر خلق الجهة 13 على مستوى مجلس المستشارين. النقطة الثانية تكمن في استقرار الهيكلة الحكومية، فلا يمكن مثلا أن نلحق قطاع الماء مرة بوزارة الطاقة ومرة أخرى بوزارة التجهيز، وهو الحال نفسه بالنسبة لقطاع النقل بشكل يجعلنا مجبرين على إعادة هيكلة الحكومة في كل مرة. اليوم هناك حاجة إلى أقطاب تنموية قوية من أجل خلق عمل جاد، وذلك تفعيلا للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة. ثالثا، يجب التقليص من المدة الفاصلة بين اتخاذ القرار السياسي وتطبيقه على أرض الواقع. لا يمكن أن نستمر في وضع مشاريع قوانين تأخذ وقتا طويلا داخل البرلمان قبل أن يتم نشرها، وبعد ذلك نقوم بنشر المراسيم التطبيقية في حين أن القانون أصبح متجاوزا. لذلك، يجب أن نحرص على إرفاق مشاريع القوانين بمراسيمها التطبيقية وتقدم للبرلمان من أجل الاستئناس، وذلك حتى نتمكن من تنفيذ القوانين خلال ستة أشهر. فهذا الأمر سيعطي معنى للعمل السياسي، على اعتبار أن هناك عددا من مشاريع القوانين التي أثير حولها نقاش وخرجت لكنها لم تطبق أو تم تطبيقها في وقت أصبحت متجاوزة. كما أننا مطالبون بوضع قطيعة مع الطريقة التي نضع بها قوانينا، نظرا لأنها مبنية على سوء النية واعتبار المواطن "غشاش"، وهو الأمر الذي يجعلنا نعقد هذه القوانين ويطرح صعوبة في مقروئيتها والتحكم فيها، ما يعطي سلطة تقديرية للإدارة ويتسبب بالتالي في انتشار الرشوة والمحسوبية والزبونية. طبعا الأحزاب السياسية مطالبة من جانبها بالقيام بدورها واسترجاع مصداقيتها بربط القول بالفعل. فالاقتراحات التي نقدمها قابلة للتطبيق على أرض الواقع، على اعتبار أنه لدينا تجربة حكومية سابقة ونبتعد عن الشعارات الرنانة. فنحن ننطلق من الواقع من خلال الاستماع إلى المواطن، كما فعلنا عندما زرنا ساكنة المناطق الحدودية في بوعرفة وجرادة. 

س: وأنت تتحدث عن تحركات حزب الاستقلال للاستماع إلى هموم المواطنين، كيف تشتغلون على الجانب التنظيمي؟

ج : أولا أطلقنا عملية مصالحة على صعيد التراب الوطني، حيث اتصلنا بالأعضاء الذين ابتعدوا شيئا ما عن الحزب. كما أننا نحاول تدبير بعض المشاكل الناتجة عن الانتخابات أو حتى المؤتمر، كما أننا اجتزنا محطات مهمة من قبيل محطة الدورة الأولى للمجلس الوطني حيث تم انتخاب رئيس المجلس الوطني وانتخابات اللجنة المركزية وتجديد هياكل الحزب، إذ أن العملية شملت حوالي 30 في المائة مع تغيير كيفية إحداث الفروع التي لم تبق صورية بل أصبحت فروعا حقيقية. ثالثا، نشتغل على إنشاء متحف افتراضي لذاكرة الحزب وأيضا أكاديمية للتكوين حتى نعرف بمواقف الحزب وتراثه، إلى جانب مركز للبحث العلمي حتى نطور الفكر التعادلي بالنسبة للحزب. كما وضعنا لجنة لليقظة الاستراتيجية، والتي تقوم بتتبع القضايا الآنية من أجل متابعة ما يجري، على اعتبار أن هذا البعد أساسي في العمل الحزبي. هذا علاوة على اشتغالنا هذه السنة على تجديد الروابط، وأيضا تنظيم مؤتمر الشبيبة الاستقلالية.

س: أكدتم مؤخرا على ضرورة الاستمرار في الإصلاح السياسي والمؤسساتي. هل هذا الإصلاح يقتصر على القوانين أم هناك دعوة ضمنية إلى إصلاح دستوري؟

ج : نحن نقول بأن الأولوية بالنسبة إلينا هي استكمال تفعيل الدستور، فهناك بعض القوانين التنظيمية التي لم تصدر بعد، فضلا عن القوانين التي تحتاج إلى الملاءمة مع روح ومقتضيات الدستور. كما أننا نؤكد على ضرورة وضع محطة لتقييم هذا الدستور حتى نقف على الصعوبات التي تمت مصادفتها على مستوى الممارسة، وما ينبغي القيام به من أجل تجاوز ذلك. طبعا إذا اقتضى الحال القيام بتعديل دستوري فليس لدينا إشكال، على اعتبار أن تعديل الدستور أصبح ممكنا بمبادرة من جلالة الملك أو رئيس الحكومة أو البرلمان بمجلسيه، وبالتالي فلا يمكن اعتبار الأمر "طابو" نتخوف منه، بل هو أمر عاد من أجل تجاوز بعض الإشكاليات المطروحة إذا اقتضى الأمر ذلك. النقطة الوحيدة التي نؤكد عليها كحزب، هي أن النقاش الذي يراد إحياؤه من جديد فيما يتعلق بالملكية البرلمانية والتنفيذية فقد تم تجاوزه وقمنا كمغاربة بالحسم فيه أثناء دستور 2011. فدستور 2011 يقر بأنه لدينا ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية، وحدد صلاحيات جلالة الملك وصلاحيات الحكومة، إذ لأول مرة أصبح المجلس الحكومي مؤسسة داخل الدستور وأعطيت صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة. لذلك فإننا لم نصل بعد إلى الأفق الذي وضعه الدستور على مستوى التطبيق، لتظل الإشكالية الحقيقية مرتبطة بممارسة الصلاحيات والممارسة الديمقراطية للدستور. 

س: ما هي القناعات التي تحكم رؤية حزب الاستقلال للنموذج التنموي؟

ج : نحن نعتبر أن بلادنا تمتلك من المقومات والمؤهلات والقدرات التي تمكننا من الانتقال إلى عتبة جديدة في التنمية. في مقدمة هذه المقومات الاستقرار والقدرة على الريادة في مجالات متعددة كالطاقات المتجددة والبنيات التحتية واللوجيستيك وصناعة السيارات والقطاع البنكي، فضلا عن الشراكات الاستراتيجية الإقليمية والقارية والدولي. كما النموذج التنموي الجديد ينبغي أن يندرج ضمن المشروع المجتمعي المشترك الذي توافق عليه المغاربة من خلال الوثيقة الدستورية في روحها ومقتضياتها ومقاصدها بما يكرس الحقوق ويرسخ المواطنة الكاملة ويثبت الخيار الديمقراطي. أيضا فالنموذج التنموي ليس مجرد توجهات واختيارات برنامجاتية واستراتيجيات قطاعية معزولة عن بعضها البعض، بل لا بد من منظور سياسي ورؤية شمولية ومندمجة في إطار المشروع المجتمعي المشترك. كما أننا نؤكد على أن التعادلية بفكرها المتجدد، وقيمها المبنية على الحرية والمسؤولية والعمل والتضامن، وتوجهاتها المتكاملة الأبعاد؛ خليقة بأن تقدم أجوبة متناسبة مع طبيعة المرحلة التي تعيشها بلادنا، والتعاطي مع الإشكاليات المطروحة على النموذج التنموي الحالي، لا سيما فيما يتعلق بالاختلالات المسجلة على مستويات التوازن والتضامن والإنصاف في توزيع الثروة ومقدراتها.

س: هل تضعون في تصوركم أمورا يجب القطع معها للانتقال إلى النموذج الجديد؟

ج : نعم لدينا مجموعة من القطائع، أولها الانتقال من مجتمع مبني على "الوَاسِطة" والامتيازات والدوائر النفعية المغلقة إلى مجتمع الحقوق المكفولة للجميع على قدم المساواة، في إطار سمو القانون. كما يجب الانتقال من مقاربة مبنية على الآنية وإطفاء الأزمات إلى الاستباقية والرؤية الاستراتيجية الطويلة المدى؛ وأيضا الانتقال من تشتيت الموارد والتدخلات إلى الاستهداف، وذلك من خلال بلورة استراتيجيات مندمجة ومدمجة للنهوض بكل مَواطن الخصاص والهشاشة الاجتماعية والمجالية ( استهداف الأسر/ استهداف المعوزين/ استهداف الطبقة الوسطى/ استهداف المناطق الجبلية/ الشريط الحدودي...). علاوة على ذلك، علينا الانتقال من التدبير العمودي إلى المقاربة المندمجة التي تعتمد على التقائية وتكامل الخدمات والمشاريع التنموية على المستوى الترابي. هذا إلى جانب الانتقال من نموذج يرتكز على تشييد البنيات والمنشآت إلى نموذج يراهن على بناء القدرات، سواء تعلق الأمر بتأهيل العنصر البشري، أو الرفع من إنتاجية المقاولة، أو تحسين مردودية الاستثمار؛ وأيضا الانتقال من الاستهلاك المفرط للموارد النادرة، لا سيما الماء والطاقة والموارد المالية، إلى الاستهلاك العقلاني لهذه الموارد والعمل على تثمينها من أجل التنمية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وبين الأجيال الحالية والقادمة.

س: ما هي مداخل ومخرجات رؤيتكم للنموذج التنموي الجديد؟

ج: نحن نرى ضرورة إضفاء المعنى السياسي على النموذج التنموي الجديد، سواء عند إعداده أو في بلورة مضامينه، وذلك من خلال مواصلة المسار الديمقراطي والمؤسساتي بوتيرة أعلى، وذلك نحو السقف الإصلاحي المتقدم الذي يحدده الدستور. أيضا، يجب اعتماد هندسة تنموية جديدة للمجال الترابي في إطار الجهوية المتقدمة لمواجهة إشكالية الفوارق الاجتماعية والمجالية، وذلك بجعل العمق الترابي مكونا هيكليا في النموذج الجديد وما ستنبثق عنه من استراتيجيات وسياسات عمومية وبرامج تنموية، وذلك بالارتكاز على أربعة مجالات تنموية كبرى: الشريط الحدودي، والمناطق الجبلية، والمجال الصحراوي- الأطلسي (الأقاليم الجنوبية)، والشريط الساحلي حيث تتمركز غالبية الثروة الوطنية حاليا. كما يجب الرهان على الطبقة الوسطى بما يوفر شروط وأسباب الارتقاء الاجتماعي والحركية الصاعدة أمام الشرائح الفقيرة والهشة؛ بحيث كلما توسعت الطبقة الوسطى كلما تقلصت الفوارق الاجتماعية، وكلما تقوت الطبقة الوسطى كلما تقلصت الفوارق وتوطدت آليات التضامن والتماسك والحماية الاجتماعية. أما بالنسبة للمخرجات فنحن نتوقع أن يُثمر ورش بلورة النموذج التنموي الجديد عن بناء تعاقدات مجتمعية جديدة قادرة على تجاوز حالات الإجهاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي وصل إليها النموذج التنموي الحالي. كما نتوقع أن يتملك المواطن هذا المشروع الجديد بإشراكه في بلورته وتنفيذه، وباقتناعه أن الانتقال إلى نموذج تنموي جديد يعني حياة أفضل، وفرصا أكثر، وفوارق أقل. كما نرى بأن يتم إسناد المسار التوافقي والتشاركي في بلورة النموذج التنموي الجديد، بتضمين ما سيتمخض عنه من توجهات واختيارات وإصلاحات كبرى، في قانون-إطار بمثابة ميثاق لتعاقد مجتمعي جديد يصادق عليه المجلس الوزاري والمؤسسة التشريعية.