بوابة حزب الاستقلال

الأخ نزار بركة في الذكرى 76 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.. يؤكد أن الشعور الوطني أصبح يعتريه الفتور ويدعو إلى بناء مصير مشترك للمرحلة القادمة عنوانها الحماية والاعتبار كمقومين اثنين لا غنى عنهما للمواطن المغربي

السبت 11 يناير 2020

تخليدا للذكرى السادسة والسبعين لتقديم وثيقة 11 يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال، ترأس الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال مهرجانا خطابيا حاشدا، يوم السبت 11 يناير 2020، بالمركز العام للحزب بالرباط، وذلك إحياءا لهذا الحدث التاريخي والسياسي الوطني الهام، تحت شعار "الوعي الوطني المتجدد ومقومات المواطنة".

وعرفت فعاليات هذا المهرجان، حضورا هاما لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، بالإضافة إلى مشاركة مكثفة لمناضلات ومناضلي الحزب ولعموم المواطنين. وقد انطلق المهرجان بروح وطنية عالية، تخلله عرض شريط مصور يسلط الضوء على عدد من محطات هذا الحدث التاريخي المفصلي الهام في مسار الحركة الوطنية المغربية، ويبرز الدور المحوري لحزب الاستقلال في الكفاح الوطني ومقاومة المستعمر من أجل الحرية والاستقلال والتي كان في طليعته حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال.

وبعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وترديد النشيد الوطني ونشيد الحزب، انطلق المهرجان التخليدي لهذه الذكرى، بكلمة ترحيبية للأخ عبد الإله البوزيدي عضو اللجنة التنفيذية والمنسق الجهوي بعمالة الرباط - إقليم الخميسات، والتي بسط من خلالها دلالات انعقاد الذكرى 76 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بمدينة الرباط، مبرزا دور هذه الوثيقة في الانتقال من فترة المطالبة بالاصلاحات في ظل الحماية الفرنسية، إلى تدشين مرحلة النضال من أجل إنهاء عهد الحجر وفك الارتباط مع هذا النظام الذي تحول إلى حكم استعماري مباشر بدد السيادة المغربية التي نصت اتفاقية الحماية على احترامها وصيانتها.

واعتبر الأخ البوزيدي أن هذه الوثيقة جسدت عمق التنسيق والتلاحم بين رجالات الحركة الوطنية بقيادة حزب الاستقلال ومحرر البلاد جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله، مشددا على أن مضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال مازالت في معظمها تكتسي راهنية تدعو الجميع إلى مواصلة النضال من أجل تحقيقها، خصوصا فيما يتعلق بالمطالبة باستكمال الوحدة الترابية وصيانة الوحدة الوطنية وضمان المساواة في الحقوق والواجبات والتمسك بالحرية والديمقراطية في ظل الملكية الدستورية.

كما تميز هذا المهرجان، بالعرض السياسي الهام للأخ نزار بركة الأمين العام للحزب، الذي استهله بالتعبير عن إيمانه وإقتناعه العميق بالأهمية التي تكتسيها هذه المعادلة الصعبة بين "الوطنية والمواطنة" في مواصلة المشروع المجتمعي المشترك الذي بَشَّرَتْ به وثيقة 11 يناير، ولا سيما في ظل ما تعرفه الظرفية الحالية من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تُسائلنا جميعا كمواطنين وفاعلين سياسيين، كما تسائِل غيرنا من الفاعلين من مختلف أطياف القوى الحية والجادة ببلادنا.

واعتبر الأخ الأمين العام أنه وَاهِمٌ من يعتقد بأنه لم تعد هناك حاجة اليوم إلى الوعي الوطني المشترك الذي صنع المغرب الحر والمستقل قبل حوالي 70 سنة، كما أنه واهمٌ من يظنُ أن الولوج إلى مرحلة المواطنة الكاملة بحقوقها وواجباتها مع دستور2011، يمكنها أن تستقيم وتتحقق في غياب شعور جامع ودافع بحب الوطن وبتقوية روابط الانتماء إليه.

وأبرز الأخ نزار بركة أن الشعور الوطني في السنوات الأخيرة، اعتراه نوع من الفتور والإجهاد، وذلك بسبب اتساع الفوارق الاجتماعية والترابية، وتراجع قيم التضامن والتماسك، وتداعيات أزمة الثقة في وسائط الرابط الاجتماعي، والقلق الهوياتي المتزايد من جراء بروز النزعات الفردانية والفئوية والمناطقية، على غرار ما يجري في بقية العالم من تحولات في هذا الشأن، وكذلك التلاشي المطرد في درجة المقبولية لمبادئ وشروط العيش المشترك داخل المجتمع، في مقابل تنامي مظاهر التصادم والعنف والحيف والشروخ.

وسجل الأخ الأمين العام أنه مع انطلاق ورش مراجعة النموذج التنموي بلادنا، أمامنا جميعا فرصةٌ سانحةٌ وحاسمة ينبغي عدمُ إهدارِها من أجل تحفيز وتعبئة الوعي الوطني بإشراك الفاعلين وعموم المواطنات والمواطنين، وضمان انخراطهم الإيجابي بالإنصات إلى مطالبهم والتفاعل مع انتظاراتهم وإدراج مقترحاتهم في مخرجات التفكير حول النموذج التنموي الجديد، مؤكدا أن الشعور الوطني لا يمكن أن يستعيدَ مكانتَه وإشعاعَه إلا إذا تم تحسيس الفاعل والمواطن بأن مشاركتَه في هذا المسلسل التشاوري حول النموذج، ستُساهم في بلورة تعاقد مجتمعي جديد حقيقي، وبناء مصير مشترك للمرحلة القادمة يقوم على الكرامة والعدالة والإنصاف وغيرها من مقومات المواطنة الكاملة.

"كما كان حزب الاستقلال دائما، حاضرا وفاعلا إلى جانب باقي القوى الوطنية والديمقراطية، في مختلف المحطات التأسيسية والأساسية التي مرت منها بلادُنا"، يقول الأخ نزار بركة، فإنه اليوم واستشعارا بدقة اللحظة التي تعيشها، وبواجب المسؤولية التاريخية والوطنية النابعة من تضحيات أجيال من المناضلات والمناضلين، يعتبر أن بلادَنا مدعوةٌ إلى الدخول في مرحلة جديدة بعدَ التعثر والانتظارية اللذين عرفتهما مرحلة ما بعد دستور 2011.

هذه المرحلة، يضيف الأخ الأمين العام طبعتها صعوبة الولوج إلى الحقوق والحريات المضمونة دستوريا بما فيها حرية التعبير، والتردد في تكريس الممارسة الديمقراطية وتوسيعها بأشكالها التمثيلية والتشاركية، بالإضافة إلى صعوبة إقرار توازن جديد بين السلط لترجمة الإصلاح الدستوري على أرض الواقع، مما أدى إلى تغليب منطق الصراع والتدافع، بدل التعاون والتضامن بين المؤسسات، إلى جانب الابتعاد عن مسار تحقيق الصعود الاقتصادي نتيجة بطء التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، وتراجع مستوى النمو، وضعف نجاعة السياسات العمومية في العديد من المجالات، وتوسيع الفوارق بدل إعمال التوزيع العادل للثروة الذي يضمن الارتقاء الاجتماعي للفئات الفقيرة والهشة والشرائح الوسطى.

كما اعتبر الأخ نزار بركة أن بلادنا مدعوة إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة ينبغي لها أن تكون مؤطرةً بالمشروع المجتمعي الذي توافق عليه المغاربة من خلال الدستور، مع ترصيد المكتسبات السياسية والاجتماعية والحكاماتية التي حققتها بلادنا في العشرين سنة الأخيرة، مؤكدا أنه لا يمكن الولوج إلى هذه المرحلة الجديدة دون شحذ وبعث وتنمية الشعور الوطني مجددا على غرار ما كان بالنسبة للأجيال السابقة، ودون أن السعي إلى مصالحة المغاربة مع أواصر الانتماء إلى الوطن والمواطنة، وهو الأمر الذي لا يأتي فجأة أو دفعة واحدة من غير أن نوفر له الأسباب والمقومات، مبرزا أن هذه المرحلة الجديدة ينبغي أن يكون عنوانها الحماية والاعتبار كمقومين اثنين لا غنى عنهما للمواطن المغربي.

المقوم الأول هو ضمان الحماية بمختلف أبعادها ومستوياتها، يؤكد الأخ الأمين العام، والذي يتجلى في حماية الحقوق الأساسية والجيل الجديد من الحقوق، وكذا الحريات التي يقر بها الدستور، وحماية القدرة الشرائية، وحماية المواطنين من جشع الشركات الكبرى والمضاربين والمحتكرين، ومن الغش وتأمين السلامة الغذائية إلى جانب حماية المواطن والمقاولة من شطط الإدارة والفساد، مع ضمان الأمن القانوني والقضائي، وحماية المقاولين والتجار الصغار من المنافسة غير الشريفة، بالإضافة إلى حماية المواطنين من العنف والجريمة وخصوصا النساء والفئات المعوزة، وحماية الشباب من الإدمان والتطرف والقيم السلبية، وحماية المواطنين من التلوث والجفاف والمتغيرات المناخية، وكذا حماية المواطنات والمواطنين من مخاطر الحياة والمرض والشيخوخة والبطالة والفقر والمديونية المفرطة، وحماية المجتمع من مخاطر التفكك والتصادم والشروخ...

أما المقوم الثاني فيتجلى في ضمان الاعتبار للمواطن المغربي، يقول الأخ نزار بركة وذلك من خلال اعتبار وتمنيع الهوية الوطنية المُوَحَّدة والمتنوعة، واعتبار صوت المواطن في مسلسل اتخاذ القرار السياسي والتنموي من أجل تحصين الاختيار الديمقراطي من سلطة المال والمصالح والنفوذ، إلى جانب إقرار تكافؤ الفرص، وتطبيق نفس القاعدة القانونية على الجميع، وتقديم الخدمات العمومية المتوفرة بجودة عالية، بالإضافة إلى توفير العمل اللائق والسكن الكريم والنقل المحترم الذي يراعي مواصفات الجودة، وتقديم خدمات إدارية مبنية على رضا المواطن من خلال نهج الرقمنة وتقليص السلطة التقديرية للإدارة، واحترام آجال الأداء بالنسبة للمقاولة، وكذا التوزيع المنصف للثروات والتضحيات، وتوفير وسائل الارتقاء الاجتماعي وتحقيق المشروع الشخصي داخل أرض الوطن.

أما الأستاذ محمد مزيان أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة، قدم عرضا هاما تناول من خلاله "لمحات من تطور الوعي الوطني في فترة الحماية"، مسجلا أن محطة 11 يناير 1944 أتت لتغيير المطالب الإصلاحية والرفع من سقفها إلى المطالبة بالاستقلال، موضحا أن هذه الذكرى تأتي لإستلهام ما جادت به قريحة رجال الحركة الوطنية وكذلك من أجل فهم الحاضر، والتطلع إلى المستقبل ، مؤكدا أن الاحتفاء بهذه الأحداث التاريخية ليس مرده أن "نظل حبيسي هذا التاريخ، ولكن لنطوره وفق قراءة نقدية وقراءة تسعى إلى نشر المعرفة للجميع ونشر الروح الوطنية لدى الناشئة".

فيما قدمت الأخت خديجة الزومي عضوة اللجنة التنفيذية للحزب ورئيسة منظمة المرأة الاستقلالية، من خلال تدخلها، قراءة استشرافية في وثيقة المطالبة بالاستقلال، استحضرت من خلاله دلالات هذا الحدث التاريخي الذي طبع مسار الشعب المغربي، كما أوضحت ارتباطه بعدد من التحديات الكبرى التي تواجه بلادنا والمرتبطة بقضايا وأسئلة الوعي الوطني وسؤال ترسيخ مقومات المواطنة الحقة.

"إننا أمام وثيقة أو صفحة واحدة غيرت مجرى تاريخنا الوطني"، تقول الأخت الزومي، لدى فالضرورة تحتم علينا الارتباط بأهدافها والنهل من معينها، إنها وثيقة حية، متجددة، وإعلان صريح وقوي عن تحدي الوعي الوطني للدولة الاستعمارية ومعطى واضح لتشييد الدولة المغربية المستقلة الديمقراطية. كما انصبت الأخت خديجة الزومي في الحديث عن قراءة هذا الحدث الوطني الكبير على ضوء نضال المرأة المغربية المرير، ذلك لأن كفاح المرأة المغربية من أجل الوطن كان سابقا على كفاحها من أجل المواطنة.