بوابة حزب الاستقلال

الأخ نور الدين مضيان في مناقشة مشروع القانون المالي 2018

الاربعاء 15 نونبر 2017

التطورات الإيجابية لصالح قضية وحدتنا الترابية يجب تحصينها واستكمالها باسترجاع المناطق الشرقية ومدينتي سبة ومليلية والجزر التابعة لهما

مخطئ من يعتقد بإمكانية قيام دولة ديمقراطية بدون أحزاب سياسية قوية ببرامجها وبنخبها

اختيارات مشروع القانون المالي فقيرة ولا تدعم القطاعات الاجتماعية

المشروع بعيد عن آمال سكان المناطق الحدودية الذين يعيشون في عزلة اقتصادية وظروف اجتماعية مطبوعة باليأس والإحباط


تناول الكلمة الدكتور نورالدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، يوم الأربعاء 15  نونبر 2017، خلال الجلسة المخصصة لمناقشة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2018، فيما يلي النص الكامل للتدخل :

بسم الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛
السيد الرئيس؛
السيدات والسادة الوزراء؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
يسعدني أن أتدخل باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2018 ؛

هذا المشروع الذي نناقشه وقضية وحدتنا الترابية تعرف تطورات ايجابية في مختلف المحافل الدولية، بفضل الدينامية الجديدة للديبلوماسية المغربية التي يقودها جلالة الملك نصره الله، من خلال الحضور الوازن والقوي للمملكة المغربية في مختلف التكتلات الدولية  السياسية منها والاقتصادية، بما فيها بالأساس القارة الإفريقية التي تربطنا وإياها قواسم مشتركة، التاريخية منها والحضارية والدينية والثقافية والاقتصادية، هذه الدينامية القائمة على علاقات متعددة المستويات وفي جميع الواجهات، بدل نهج سياسة الكرسي والموقع الفارغين، هذه التطورات الإيجابية لصالح قضية وحدتنا الترابية، علينا تحصينها واستكمالها باسترجاع المناطق الشرقية ومدينتي سبة ومليلية والجزر التابعة لهما.

 لكن هذه الأجواء، بكل أسف، لا تنطبق على الظرفية العامة التي يأتي فيها هذا المشروع، بما تحمله من حياة سياسية مطبوعة بإضعاف دور الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين، وتكوينهم السياسي ومساهمتها في تدبير الشأن العام وانخراطهم في الحياة الوطنية، وتبخيس العمل السياسي، وضعف المشاركة السياسية المتمثلة أساسا في تدني نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 2016 والانتخابات الجزئية الأخيرة، واستهداف المؤسسات وفي مقدمتها المؤسسات المنتخبة التي تعتبر الواجهة الديمقراطية الحقيقية التي ينبني عليها الصرح الديمقراطي. فمخطئ كل من يعتقد بإمكانية قيام دولة ديمقراطية بدون أحزاب سياسية قوية، قوية ببرامجها، قوية بنخبها، وهذا لن يتحقق إلا من خلال دعم مالي حقيقي من طرف الدولة للأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، حتى تضطلع بالمهام الدستورية المنوطة بها على الوجه الأكمل.

بما تحمله هذه الظرفية من احتقان اجتماعي في غياب حوار اجتماعي جدي ومأسسته ، وتزايد ظاهرة الاحتجاجات والتعامل معهما بقبضة حديدية، بدل الانصات والحوار والتشاور والتشارك كأساس الديمقراطية الحقيقية؛

بما تحمله هذه الظرفية من تراجع لحقوق وحريات المواطنين كما عبرت عن ذلك تقارير بعض المنظمات الحقوقية؛

بما تحمله هذه الظرفية من اقتصاد هش أساسه الاقتصاد غير المهيكل، اقتصاد الريع، اقتصاد غير منتج للثروة وفرص الشغل، كما تجسد ذلك ظاهرة إقفال اكثر من 6 الاف مقاولة سنوية، أي بنسبة 17 %  من المقاولات الموجودة.

السيد الرئيس؛

– هل جاء هذا المشروع بتدابير كفيلة لمعالجة هذه الأوضاع والتحولات الراهنة التي فرضتها متطلبات المرحلة ؟

– هل يستجيب المشروع لمتطلبات تفعيل البرنامج الحكومي الذي يرتكز على خمس محاور أساسية، وهي :

دعم الخيار الديمقراطي ومبادئ دولة الحق والقانون وترسيخ الجهوية المتقدمة
تعزيز قيم النزاهة والعمل على اصلاح الادارة وترسيخ الحكامة الجيدة
تطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة
تعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي
العمل على تعزيز الإشعاع الدولي للمغرب وخدمة قضاياه العادلة في العالم.

– هل يترجم هذا المشروع بالفعل الأولويات التي يستند عليها والمتمثلة في:

جميع القطاعات الاجتماعية: التعليم والصحة والشغل وتقليص الفوارق المجالية، مع ايلاء عناية خاصة بالعالم القروي؟، تطوير التصنيع وتحفيز الاستثمار الخاص ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة؟، وترسيخ الجهوية المتقدمة؟، وإصلاح الإدارة، وتحسين الحكامة وتسريع تنزيل الإصلاحات؟

– فكيف يمكن لمشروع قانون فقير في توجهاته واختياراته أن يدعم القطاعات الاجتماعية، بما فيها منظومة التعليم بميزانية لا تتعدى نسبتها 22.44 %، وهي نسبة مهمة من حيث الغلاف المالي ولكنها تبقى هزيلة من حيث ميزانية الاستثمار والأهداف المتوخاة منها، مادامت نسبة كبيرة من هذه الميزانية تم تخصيصها لميزانية التسيير بنسبة 85.73 %؟

– هذا، في الوقت الذي لم يأت  فيه هذا المشروع بأي تدابير مواكبة لتجسيد إرادة الحكومة في بلورة مشروع قانون إطار لإصلاح التعليم كما عبر عن ذلك المجلس الأعلى للتربية والتكوين في تقريره الأخير، وكذا غياب الإجراءات الكفيلة بتنزيل الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030 ، خاصة فيما يتعلق بتعميم التمدرس، تعزيز تملك اللغات، تعميم إحداث المسارات المهنية وملاءمتها مع سوق الشغل، الرفع من مردودية التعليم العالي والقابلية للتشغيل، بالإضافة الى التدابير التي من شأنها معالجة الاختلالات التي تعاني منها المدرسة العمومية والمتمثلة اساسا في ضعف التأطير والهدر المدرسي، عندما خصص مشروع القانون المالي لهذا القطاع الاستراتيجي 700 منصب شغل و20 ألف منصب في اطار التعاقد، أي ما مجموعه 50 الف متعاقد في الوقت الذي يعرف فيه هذا القطاع إحالة أكثر من 20 ألف إطار على التقاعد، الأمر الذي سيجعلنا أمام وظيفة عمومية برجلين مختلفتين : مناصب مالية قارة وأخرى بالتعاقد، وما يترتب عن ذلك من عدم الاستقرار، وما قد تخلفه من اضطرابات وغياب التأطير والتكوين وانعكاس ذلك سلبا على منظومة الجودة.

السيد الرئيس؛

– كيف يمكن إذن لمشروع قانون أن يساهم في معالجة الوضعية الصحية المتردية وتحسين الخدمات الصحية، وتوفير التجهيزات اللازمة والأدوية الضرورية بميزانية لا تتجاوز نسبتها 5.6 % ، ورصد 4000 منصب مالي في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع إلى 30 ألف طبيب حتى يكون المغرب في مستوى  المعايير المحددة من طرف منظمة الصحة العالمية؟ 

– كيف يمكن لمشروع قانون أن يعالج معاناة المستفيدين من نظام المساعدة الطبية (راميد) باعتمادات مالية ظلت جامدة في غلاف مالي لا يتجاوز المليار درهم في الوقت الذي ارتفع فيه عدد هؤلاء المستفيدين إلى أكثر من 11 مليون مستفيد ؟

– كيف يمكن لمشروع قانون أن يعالج معضلة التشغيل بعد ما عرفت نسبة البطالة ارتفاعا مهولا بأكثر من 45 % بالحواضر بالنسبة لفئات الشباب ما بين 15 و 25 سنة، دون الحديث عن شباب المناطق النائية الذين يعانون من الاقصاء والتهميش والبطالة المقنعة، وذلك بتخصيص 19 ألف منصب مالي موزعة على جميع القطاعات الحكومية و20 ألف في إطار التعاقد لقطاع التربية الوطنية، وغياب أي تدابير لإخراج المخطط الوطني للنهوض بالشغل إلى حيز الوجود والاكتفاء ببعض الإجراءات التحفيزية المحتشمة لحث القطاع الخاص على خلق فرص الشغل والمتمثلة في إعفاء المنشآت الاقتصادية بالنسبة لعشرة أجراء من أداء الضريبة على الدخل والتحملات الاجتماعية لمدة سنتين في أفق دجنبر2022 ؟

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي ان يقلص الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية والعناية بالعالم القروي برصد 50 مليار درهم على مدى سبع  سنوات لتسريع تفعيل البرنامج الحكومي للحد من هذه الفوارق  والتفاوتات، في الوقت الذي تغيب عنه التدابير الكفيلة بتحسين القدرة الشرائية  للمواطنين والرفع من مستوى معيشتهم عندما نجد أن الحكومة، من خلال هذا المشروع، اختارت الطريق السهل للرفع من المداخيل بضرب القدرة الشرائية للمغاربة من خلال فرض سعر 20% (عوض 14% )، دون الحق في الخصم على الخدمات المقدمة من طرف وكلاء التأمين، هذه الزيادة التي ستنعكس على زبناء التأمين بمختلف شرائحهم، بما فيهم الأشخاص الذاتيين والطبيعيين، بالإضافة إلى فرص سعر 14 %  عوض 10 % على الوقود، وما ستشكله هذه الزيادة من أثار سلبية على الحياة العامة؟

– هذا بالإضافة إلى الرفع من سعر التنبر على جواز السفر من 300 درهم إلى 500 درهم دون اي سند من شأنه تبرير هذه الزيادة.

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي أن يوسع قاعدة المستفيدين من خدمات صندوق التكافل العائلي ليشمل النساء المعوزات وأطفالهن القاصرين، عندما يتم إهمالهم بدون نفقة خلال فترة الزواج، وكذا الأطفال المستحقون لهذه النفقة في حالة وفاة الأم المهملة في الوقت الذي لم يعرف هذا الصندوق اي زيادة في مداخيله، الأمر الذي يضرب في الصميم البعد التضامني والحماية الاجتماعية باعتبارهما الركيزة الأساسية للسلم الاجتماعي؟

السيد الرئيس؛

–  كيف يمكن لمشروع قــــانون مالي أن يعالج أزمة السكن بميزانية لا تتعدى نسبتها0.7 % من الميزانية العامة للدولة، في الوقت الذي التزمت فيه الحكومة، من خلال برنامجها، بالسعي إلى معالجة 50% من 120 ألف أسرة تعيش في دور الصفيح في أفق سنة 2021 ، ومعالجة 37 ألف بناية مهددة بالانهيار، بالإضافة إلى الحد من جميع إشكال السكن غير اللائق ؟

– كيف يمكن لمشروع القانون المالي أن يساهم في تقوية البعد الثقافي وترسيخ الهوية الوطنية، والإنسية المغربية والقيم الاجتماعية، ومواجهة الغزو الفكري ومظاهر الانحراف والتطرف بميزانية لقطاع الثقافة لا تتجاوز 1 % من الميزانية العامة للدولة، في الوقت الذي يتأكد للجميع أنه لا يمكن تحقيق أي إقلاع تنموي بدون تنمية ثقافية، متفاعلة مع محيطها ومتجذرة في أصولها، قادرة على النهوض بالإنسان المغربي وتحرير طاقاتها الخلاقة والإبداعية، وتحصينه من الاستلاب أمام القيم الهدامة الهادفة الى طمس الهوية المغربية ونشر ثقافة الميوعة والانحراف والإباحية؟

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي أن يترجم البعد الدستوري للثقافة المغربية بصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية- الإسلامية والأمازيغية والصحراوي- الحسانية والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، في الوقت الذي لم يأت فيه هذا المشروع بأي تدابير من شأنها الحفاظ على المكانة المتميزة للغة العربية، وتفعيل تنزيل اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد باعتبارها رصيدا مشتركا لكل المغاربة؟ وكيفية إدماجها في مجالات التعليم والحياة العامة؟ 

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي أن يرسخ الجهوية المتقدمة  لتحقيق التفعيل السليم للدستور، عندما اقتصر المشروع على إجراءات محتشمة لا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي تصبح فيه الجهة الإطار المؤسساتي الحقيقي لتنزيل السياسات العمومية، بما تحمله من معالجة للمطالب الاجتماعية والتنموية بمختلف مناطق المملكة والمحرك الأساسي للنموذج التنموي الجديد، هذه الإجراءات المحتشمة المتمثلة في رفع حصيلة الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل المرصدة للجهات من 3 % إلى 4 % في غياب البعد التعاقدي بين الدولة والجهات، رغم التنصيص عليه في البرنامج الحكومي، كما يتجلى ذلك بوضوح من خلال عدم تفعيل كل من صندوق التأهيل الاجتماعي، من اجل سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، وكذا صندوق التضامن بين الجهات بهدف التوزيع المتكافئ للموارد بينها.

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي أن يعمل على إصلاح الإدارة وتجاوز الاختلالات التي تعرفها، وجعلها في خدمة المواطنين والمقاولات، وتبسيط المساطر، واعتماد التدبير اللامتمركز للموارد المالية والبشرية، ومحاربة الرشوة والفساد الإداري، والقضاء على البيروقراطية الإدارية القاتلة ، عندما اعتبر جلالة الملك في خطاب العرش “أن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب هو ضعف الإدارة العمومية سواء من حيث الحكامة أو على مستوى النجاعة أو جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين ” ؟

السيد الرئيس؛

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي أن يحقق العدالة الجبائية الحقيقية بعدما تأخر الإصلاح الجبائي عن موعده في غياب تدابير لتوسيع الوعاء الضريبي، والتخفيض من الضغط الضريبي،  ومحاربة التملص الضريبي، ووضع حد للإعفاءات الضريبية التي لا تخدم الاقتصاد الوطني، بقدر ما تصب في تحقيق مصالح ذاتية ضيقة في اطار سياسة الامتيازات  واقتصاد الريع،  والاثراء الغير مشروع كما هو الشأن بالنسبة لمنح الاعفاء من الضريبة على القيمة المضافة في الداخل وعند الاستيراد لبعض المواد الأساسية المتعلقة حصريا في تربية الاحياء المائية، وكذا تمديد النظام الضريبي الاستثنائي لفائدة أغدية الأسماك لمدة 6 سنوات إضافية ابتداء من فاتح يناير 2018 ، في الوقت الذي يتساءل فيه المغاربة عن مآل الثروة السمكية ببلادنا والتي لا يستفيدون منها، سواء بصفة مباشرة من حيث التغذية والمساهمة في الأمن الغذائي، أو بطريقة غير مباشرة بواسطة جلب العملة الصعبة ، في الوقت الذي تتوفر فيه بلادنا على 3500 كلم من الشواطئ ؟

– كيف يمكن لمشروع قانون مالي أن يساهم في بلورة نموذج تنموي جديد، وهو يفتقد لأي لمسة سياسية من شأنها ملاءمة السياسات العمومية لتستجيب لانشغالات المواطنين وتطلعاتهم وحاجياتهم، وخصوصية كل منطقة من مناطق المملكة، حتى يشمل التقدم الذي تعرفه البلاد ومستوى نموها جميع المواطنين، حتى يتمكنوا من الاستفادة من ثروة البلاد وخيراتها، في أفق التخفيف من الفوارق الاجتماعية والمجالية التي لا تزداد إلا اتساعا، في ظل النموذج التنموي المعتمد الذي تطغى عليه سياسة الليبرالية المتوحشة ؟

– ألم يكن من الأجدى إعطاء الأسبقية لأولوية واحدة كإصلاح التعليم مثلا بالنسبة لمشروع الميزانية لهذه السنة؟ في إطار ميزانية البرامج، حتى يكون الإصلاح شاملا وحقيقيا بدل ان يظل ترقيعيا بدل تضخيم الأولويات في غياب آليات التنفيذ ؟

السيد الرئيس؛

لقد نبهنا في أكثر من مناسبة إلى أنه إذا كان النموذج التنموي المعتمد قد ساهم الى حد ما في خلق الثروة ، فانه اخفق في توزيعها التوزيع العادل والمنصف لتشمل جميع المغاربة بكل شرائحهم الاجتماعية ومناطقهم الجغرافية، وإعادة التشغيل لسلم الارتقاء الاجتماعي، والتقليص من حدة الفقر والإقصاء والتهميش، حيث لا زالت الإحصائيات الصادرة عن المؤسسات الدولية والوطنية المختصة ترسم صورة قاتمة عن الأوضاع الاجتماعية، التي أخذت بعدا مقلقا تهدد الاستقرار المجتمعي وتماسكه، نتيجة اتساع رقعة الفقر والهشاشة ومظاهر الحيف الاجتماعي، الذي تعاني منه شرائح واسعة من المغاربة، وانسداد الآفاق أمام ساكنة العالم القروي والمناطق المهمشة، كما تجسد ذلك في تزايد رقعة الاحتجاجات للمطالبة بحقها الدستوري في التنمية وتوفير الماء الشروب والكرامة في العديد من مناطق المملكة، بما فيها الريف، زاكورة، قلعة السراغنة ، ورززات، تاونات، سوس وغيرها من ساكنة المناطق النائية ، فعوض إعمال لغة الحوار والإنصات لمطالب الساكنة ، تم اللجوء الى العنف والزج بأصحاب الحق في السجون.

– فهل المطالبة بالعيش الكريم كحق من حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا والمكرسة في دستور2011 تعتبر جريمة في ظل دولة الحق والقانون والمؤسسات، في الوقت الذي وقف فيه جلالة الملك اكثر من مرة على حقيقة الاوضاع وحجم الاختلالات التي يعرفها المغاربة ، متسائلا جلالته : ” أليس المطلوب هو التنفيذ الجيد للمشاريع التنموية المبرمجة التي تم اطلاقها ، ثم إيجاد حلول عملية وقابلة للتطبيق للمشاكل الحقيقية والمطالب المعقولة والتطلعات المشروعة للمواطنين في التنمية والتعليم والصحة والشغل وغيرها” كما جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجارية.

فكان جواب جلالة الملك  سريعا ذا دلالات واضحة  لكل من يهمه الامر، بشأن هذه الاختلالات التي وقفت عليها كل من المفتشية العامة للداخلية والمفتشية العامة للمالية، فيما يخص انجاز مشاريع “الحسيمة : منارة المتوسط” ، بما فيها تلك التي اطلقها جلالة الملك كما جاء في بلاغ الديوان الملكي، هذه القرارات الملكية التي تعتبر بادرة ايجابية في تفعيل البعد الدستوري لتقييم السياسات العمومية، التي يجب ان يخضع تدبيرها لمبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن اعطاء المسؤولية السياسية والتدبيرية مدلولها الحقيقي بعدم الافلات من العقاب.
هذه الخطوة التي نتمنى ان تشمل جميع الاختلالات التي عرفتها المشاريع الأخرى بمختلف ربوع المملكة، وكذا ملفات الفساد المالي المحالة على وزارة العدل من طرف المحاكم المالية حتى تكون درجة الزلزال السياسي في مستوى تطلعات المواطنين.
كما يجب ان يشمل هذا التوجه الجديد في تدبير السياسات العمومية وتقييمها المشاريع الملتزم بها امام جلالة الملك بالقارة الافريقية، سواء تعلق الامر بالاستثمارات العمومية أو الخاصة.

السيد الرئيس؛

لقد تعودنا في الفريق الاستقلالي ألا نقتصر في نقاشنا على تقديم التشخيص والاكتفاء بالنقد، ولكن نتقدم بالبدائل الكفيلة بتحسين مضامين مشروع القانون المالي وتوجهاته واختياراته حتى يكون في مستوى تطلعات وانتظارات المواطنين ويشكل بالفعل مدخلا لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد ويساهم في تعزيز الثقة والمصالحة مع المواطنين عندما يجدون ذاتهم في تدبير السياسات العمومية والاستراتيجيات الوطنية المعتمدة والقوانين المالية باعتبارها  الإطار السنوي لتفعيل هذه التوجيهات والاختيارات، وذلك من خلال إعطاء  البعد التعادلي مدلوله الحقيقي في تدبير السياسات العمومية وآلياتها التنفيذية المتمثلة في الميزانية السنوية كمذهب اقتصادي واجتماعي، لا هو بالشرقي ولا بالغربي بعيدا عن أي نموذج جاهز مستورد من الخارج، مذهب يستلهم توجهاته واختياراته ومرتكزاته من المبادئ الإسلامية والقيم الثقافية المغربية والتفاعل مع الواقع المغربي وتطلعات وانتظارات المواطنين وحاجياتهم، مذهب نعتبره في الفريق الاستقلالي، يشكل أساس بناء مجتمع تعادلي تسوده المساواة وتكافؤ الفرص في توزيع ثروة البلاد وخيراتها، مجتمع تذوب فيه الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، مجتمع يتكامل فيه  الغني والفقير، يتكامل فيه سكان العالم القروي والعالم الحضري، تتعايش فيه مختلف الشرائح الاجتماعية كيفما كان مستواها الثقافي والايديولوجي  والاجتماعي.
هذا البعد التعادلي الذي نعتبره بديلا للنموذج التنموي الذي أبان عن فشله في معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد، حيث تؤكد  الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة التي وصلت إليها البلاد صواب خيار النموذج التنموي القائم على التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، في أفق أنسنة اقتصاد السوق وتقوية الاقتصاد التضامني، ليشكل ثروة اقتصادية حقيقية بالعالم القروي من اجل تحسين دخل الساكنة وخلق فرص الشغل  وقيمة مضافة محلية مهمة كفيلة بالرفع من مستوى معيشة الساكنة، بما يضمن تقليص الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وإعطاء الديمقراطية أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، في أفق بناء مجتمع متضامن تسوده المساواة وتكافؤ الفرص ومقومات العيش الكريم.

السيد الرئيس ،

– كنا نأمل أن يأتي هذا المشروع بالإجراءات الكفيلة بمواصلة إصلاح صندوق المقاصة، بما يمكن الفئات المستهدفة من الاستفادة من هذا الصندوق، من مختلف أزجه الدعم، بدل أن يظل في خدمة الأشخاص الذين لا يستحقون هذا الدعم، سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو ذاتيين، وذلك في إطار التوزيع العادل للثروة وتقليص الفوارق الاجتماعية؛

– كنا نأمل أن يأتي هذا المشروع بتدابير كفيلة بتعزيز وتقوية الرعاية الاجتماعية ودعم الفئات الهشة، بما فيها الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بما يضمن تفعيل مقتضيات القانون الإطار المتعلقة بحقوق هذه الشريحة الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بوضع نظام للدعم الاجتماعي والتشجيع والمساندة لفائدتها، وكذا وضع مخطط عمل للنهوض بحقوقها، والعمل على ملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات الاتفاقية الدولية الخاصة بهذه الفئات الاجتماعية، كما التزمت بذلك الحكومة في برنامجها؛  

– كنا نأمل أن يأتي هذا المشروع بتدابير من شأنها تنمية المناطق الحدودية التي أصبحت عبارة عن قنبلة موقوتة، بعدما أصبح ساكنو هذه المناطق يعيشون في عزلة اقتصادية وظروف اجتماعية مطبوعة باليأس والإحباط، بعدما تخلت الحكومة عن دورها في إيجاد البديل لهذه الساكنة بالنظر لطبيعة عملها القائم على الاقتصاد غير المنظم؟

– كنا نأمل أن يأتي مشروع القانون المالي لهذه السنة بتدابير كفيلة بمعالجة الأعطاب والاختلالات العميقة التي تعرفها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، ويزرع بذور الأمل لدى المغاربة في العيش الكريم، ونقل البلاد من خانة الدول النامية إلى نادي الدول الصاعدة كما جاء في البرنامج الحكومي، وذلك إيمانا بأن نجاح الحكومة هو نجاح للبلاد وللوطن وللمغاربة أجمع، ولكن الحكومة تتعامل بمنطق التفكير بالمفرد عندما قدمت حصيلتها خلال 120 يوما من تعيينها دون إشراك باقي الفرق النيابية وفي مقدمتهم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، وكأن مكوناتها لا تهمها هذه الحصيلة التي اعتبرها المتتبعون مخيبة لآمال المغاربة ابتداء من كيفية تعيينها إلى الزلزال السياسي الذي تتبعه الرأي العام الوطني باهتمام بالغ مرورا بحوادث وأزمات ستظل وصمة عار في جبين هذه الحكومة، بما فيها التعامل العنيف مع الاحتجاجات الاجتماعية ، تحويل مهنة التدريس إلى مهنة التعـــــــــاقد ، تعفن الأضاحي،  حادثة الاغتصاب الجماعي لفتاة مشردة بالحافلة ، حالات الانفلات الأمني، وغيرها من المصائب التي تكشف بالملموس سوء التدبير للسياسات العمومية في مختلف الميادين ومدى الشعور بالإحباط واليأس لدى المواطنين.

السيد الرئيس؛

نتمنى من الله عز وجل أن يسقينا بأمطار الرحمة في ظل موسم فلاحي بدأت بوادره تِؤشر لموسم جفاف هيكلي، وما قد يترتب عنه من نتائج سلبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومستوى معيشة المواطنين خاصة منهم الفلاحون الصغار والمتوسطون؛
علينا جميعا أن نتقي الله في وطننا العزيز مادام حب الأوطان من الإيمان.
“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته