بوابة حزب الاستقلال

تدخل الأخ نورالدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب في مناقشة مشروع قانون المالية 2019

الخميس 15 نونبر 2018


- اعتزاز بالقوات المسلحة الباسلة تحت قيادة جلالة الملك القائد العام للقوات المسلحة الملكية على تضحياتها للدفاع عن حوزة الوطن وحماية حدوده
- تنبيه الحكومة إلى بعض التراجعات في الحريات العامة التي لا تتناسب مطلقا مع المنظومة الدستورية والقانونية بالبلاد
- اعتزاز بالدينامية الملكية لتجاوز حالة الانتظارية التي تطبع العمل الحكومي
- المشروع القانون المالي لا يستجيب لانتظارات المواطنين وجاء في ظل حكومة تفتقد للرؤية الاستراتيجية
- تسخير المنظومة الجبائية لإرساء نظام انتقائي وزبوني من الأعطاب التي تحول دون تطوير الاقتصاد المغربي
- اعتماد الحكومة على التعاقد لتغطية الخصاص بالتعليم قرار خطير يضرب في العمق جودة التعليم
- الرهان على نسبة نمو لا تتجاوز 3.2 في المائة يهدد ملايين الشباب بالتوريث الجيلي للفقر


 تدخل الأخ نورالدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، يوم  الأربعاء 14 نونبر 2014، خلال الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية 2019،حيث أخضع هذا مضامين الأخير  للتشريح والتحليل.
وأكد الأخ مضيان في بداية تدخله على أهمية الاستقرار الذي تنعم به بلادنا، مبرزا أنه يشكل في حد ذاته، فرصة ثمينة لبناء دولة المؤسسات وسمو القانون ، كما نوه  بالمبادرة الملكية الصادقة والسديدة، لفتح حوار جاد واستراتيجي مع الجزائر، بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين.
 وانتقل رئيس الفريق الاستقلالي تحليل المعطيات التي تضمنها مشروع القانون المالي، مؤكدا ان هذا الأخير لا يستجيب لانتظارات المواطنين، حيث جاء في ظل حكومة تفتقد للرؤية الاستراتيجية، في مواجهة تحديات كبرى، أهمها تعاظم أزمة انعدام الثقة في المؤسسات..وفي ما يلي النص الكامل للتدخل:

 
تشكل مناقشة مشروع قانون المالية السنوي، لحظة دستورية وسياسية بالغة الأهمية، وهي مناسبة لنجدد التأكيد في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، على أهمية الأشواط الكبرى التي قطعتها بلادنا، في كل المجالات، بفضل التلاحم التاريخي لأمتنا، ملكا وشعبا، وهو ما أفرد لوطننا وضعا استثنائيا من الاستقرار والتنمية، في منطقة، كانت ولازالت محط صراعات جيوسياسية دولية.
استقرار يشكل في حد ذاته، فرصة ثمينة لبناء دولة المؤسسات وسمو القانون ، مسلحين في ذلك بالإجماع الوطني المطلق حول ثوابتنا الدستورية الجامعة.  

اعتزاز كبير بوحدة صف الأمة وصمودها في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى

ويهمنا هنا، أن نعبر عن اعتزازنا الكبير بوحدة صف أمتنا وصمودها في دفاعها المستميت عن قضيتنا الأولى، قضية وحدتنا الترابية المقدسة، وهي معركة لا هوادة فيها، سواء تعلق الأمر بجهاتنا الجنوبية التي أضحت تنعم بمقومات تنمية مستدامة، تتوجها المشاركة الفاعلة لساكنة الصحراء المغربية، سواء في دينامية البناء والتنمية الوطنية، أو في تدبير الشؤون السياسية والتمثيلية المحلية، وهو ما أصبح محط إشادة من المجتمع الدولي والحقوقي، أو مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين والجزر الجعفرية، مؤكدين أن منطق التعايش والتعاون الذي يربطنا مع جارتنا الشمالية إسبانيا تاريخيا وجغرافيا، لا يمكن أن يكون على حساب الانتقاص من سيادتنا ووحدتنا الترابية.
ومن منطلق التعاون والتعايش، فإن الفريق الاستقلالي ينوه عاليا بالمبادرة الملكية الصادقة والسديدة، لفتح حوار جاد واستراتيجي مع الجزائر، بما يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين، ويمكنهما من المضي سويا نحو تحقيق التقدم، والاستثمار الأمثل لفرص التنمية الهائلة المتاحة، بعيدا عن منطق النزاعات المفتعلة وبما يسهم في تعزيز وحدة المغرب الكبير.
ولا يفوتنا هنا أن نجدد التقدير والاعتزاز بقواتنا المسلحة الباسلة، بكل تصنيفاتها، تحت قيادة جلالة الملك القائد العام للقوات المسلحة الملكية، على ما تبذله من تضحيات وطنية استثنائية، للدفاع عن حوزة الوطن وحماية حدوده من كل التهديدات أو الاستفزازات المرفوضة.
مداخل تحقيق وطن التنمية التعادلية والكرامة
إن تحقيق وطن التنمية التعادلية والكرامة، هدف لا يمكن بلوغه بالأرقام المجردة، ولا بالمعاندة في الاستثمار في الحجر بدل البشر ، ومنها نؤكد أن صون مقومات الإنسية المغربية المستمدة من تاريخ أمتنا الإسلامية وحضارتها ، ينبغي أن يكون نبراسا لعملنا، تلك الإنسية المتفردة والمتشبعة بالثوابت الجامعة للأمة وقيمها الحضارية، والتي تواجه اليوم تحديات جمة، تفرضها خارجيا، نتائج العولمة وتأثيرات الفورة التكنولوجية وداخليا، نزعات شاذة، تحاول جاهدة خلق أزمة حول الهوية الوطنية، وهي نزعات تواجهها الأمة موحدة بالرفض المطلق، مستندة في ذاك على ثقتها المطلقة في مؤسسة إمارة المؤمنين، والتي شكلت عبر التاريخ، أحد أبرز عناصر الاستقرار والأمن الروحي للشعب المغربي.
ولذلك ومن منطلق مسؤوليتنا الوطنية نؤكد أن حزب الاستقلال، وإذ يدين كل الأعمال والممارسات الهادفة للمس بالشعور الوطني وثوابت الأمة، فإنه سيقف في مواجهة كل المشاريع الهدامة التي تحاول التشويش على هويتنا ومنظومة قيمنا الجامعة كما حسمها دستور المملكة.
وبكامل اليقظة اللازمة، فان الفريق الاستقلالي يرفض المحاولات البئيسة، التي تحاول اصطناع صراع مفتعل بين اللغتين الدستوريتين العربية والأمازيغية، ونشر التفرقة وخلق فتنة ثقافية مجتمعية زائفة، كما نرفض محاولات البعض فرض استعمال العبارات الدارجة في المقررات الدراسية، أو ربط القصور التنموي وأعطاب التعليم باللغات الدستورية، في قراءة تحمل في طياتها عددا من مركبات النقص والقصور.
فالانفتاح الثقافي واللغوي، كخيار تاريخي لأمتنا، لا يمكن أن يكون مطلقا على حساب لغاتنا الدستورية، أو مقومات هويتنا الوطنية، لذلك فإننا ندعو الحكومة ومختلف مكونات تحالفها إلى ضرورة الإسراع بالمصادقة على القانون التنظيمي لمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية .

الترابط العضوية بين التنمية المستدامة وتثبيت الديمقراطية

إن تحقيق التنمية المستدامة والناجعة، يرتبط عضويا بتثبيت الديمقراطية، باعتبارها إحدى الاختيارات الدستورية الكبرى لبلادنا، فالممارسة الديمقراطية ليست ترفا ولا تكتيكا سياسيا، بل هي سبيل آمن نحو التقدم، وهو ما يدعونا للتنبيه أن تعطيل الديمقراطية بفعل عدد من الممارسات التي تتنافى مع أعرافها وقواعدها، لن يسهم إلا في مزيد من الضبابية والغموض، وهي السمات التي أضحت تطبع الفعل السياسي ببلادنا.
فكيف يمكن أن تفسر الحكومة للمواطنات والمواطنين إعلان تصويت جزء مهم من أغلبية التحالف الحكومي لصالح مرشح من المعارضة، وفي مواجهة مرشح من الحزب الأول في الأغلبية، وهو ما يعتبر عبثا سياسيا يبرهن عدم قدرة الحكومة على التمثل الديمقراطي لروح وجوهر الدستور.
وإذا كانت بلادنا قد حققت بفضل التراكم النضالي لمكونات الأمة، مكتسبات كبرى ومقدرة، على مستوى ضمان الحقوق والحريات، والتي أضحت تحتل مكانة بارزة في دستور المملكة ، وبشهادة كل الفاعلين الدوليين والمنظمات الحقوقية الدولية.
وعليه، فان مسؤوليتنا الوطنية الصادقة تجعلنا ننبه الحكومة أن بعض التراجعات في الحريات العامة ببلادنا، لا يتناسب مطلقا مع المنظومة الدستورية والقانونية في هذا المجال، وأن هشاشة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والالتفاف حول مخرجات العمليات الانتخابية، وتكوين المجالس والمؤسسات الهجينة، وضعف استباقية التدخل الحكومي، وهزالة مردودية الاستثمار العمومي، وغياب العدالة المجالية في توزيعه ، هي في الحقيقة الأسباب الحقيقية لتزايد الاحتقان وتنامي الطلب الاجتماعي.
ويلزم القول هنا أن الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة في أحداث الحسيمة المؤلمة، وأحداث جرادة وقبلها بزاكورة، وللأسف الشديد، ما تشهده مختلف مدن المملكة اليوم، من احتجاجات تلاميذية، بفعل قرار ارتجالي بتغيير الساعة القانونية للمملكة، دون مراعاة لتأثيراته الخطيرة، على نظام حياة المجتمع، وإذ ندعو أبناءنا التلاميذ وجميع الاسر المغربية إلى ضرورة العودة السريعة لمقاعد الدراسة، فإننا ندعو الحكومة مرة أخرى لإعادة النظر في هذا القرار الخاطئ وغير المدروس، وهي أحداث كلها تبرهن ضعف استباقية الحكومة، والذي يظل العنوان الأبرز لمختلف التدخلات العمومية، وهو ما يجعل المواطنين في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن وحفظ النظام، وهو ما يؤدي دائما إلى نتائج مؤسفة.

مشروع قانون المالية في ظل حكومة تفتقد للرؤية الاستراتيجية

إننـا نناقش اليوم مشروع قانون المالية، في ظل حكومة تفتقد للرؤية الاستراتيجية، في مواجهة تحديات كبرى، أهمها تعاظم أزمة غياب الثقة في المؤسسات، و في الفعل والفاعل السياسي، وفي ظل سياق وطني يعرف عودة الاحتجاجات الاجتماعية، وظاهرة الهجرة السرية والعلنية، والتي تشكل علامة واضحة على فشل الحكومة في الجواب على مختلف الرهانات والمطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحة، وهو الأمر الذي جعل جلالة الملك يتدخل بكثافة غير مسبوقة لإطلاق إصلاحات هامة في عدد من الميادين مع تحديد السقف الزمني لإنجازها.
وبقدر ما نسجل اعتزازنا بالدينامية الملكية لتجاوز حالة الانتظارية التي تطبع العمل الحكومي، فإننا نسجل بأسف كبير استمرار التفكك الحكومي، والذي جعل هذه الحكومة تشهد عدد إقلات ملكية غير مسبوقة.
إن فشل الحكومة في فتح الحوار الوطني حول مشروع النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك منذ أكثر من سنة، واستمرارها في تبني الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للنموذج الحالي، الذي بلغ مداه، يؤكد أن الحكومة مستمرة في إنتاج الأزمة بدل إنتاج الثروة، في ظل انحصار أفق الإصلاح لديها.
يبقى مشروع قانون المالية 2019 عنوانا بارزا لعجز الحكومة، حيث كان من المفروض أن يتضمن التحولات الأولى للنموذج التنموي الجديد، بدل اعتماد اختيارات اقتصادية تقليدية سمتها الأساسية، تدخلات عمومية تفتقد للنجاعة، بحيث تبقى أرقام مشروع قانون المالية بدون جدوى ما دام أثرها غير محسوس في المجتمع .
لعل توزيعية الاستثمار العمومي الذي يبلغ 196 مليار درهم على المستوى الجهوي، تبقى خير دليل على استمرار الحكومة في تكريس الفوارق المجالية، وتوسيع هوة التنمية للمناطق الهشة، وخاصة المناطق الحدودية والجبلية، فإذا كان المعدل الوطني هو 3000 درهم للفرد كمتوسط وطني للاستثمار فان المتوسط الجهوي لجهة فاس مكناس مثلا لا يتجاوز 1100 درهم و1500 درهم في جهة درعة تافلالت، فإنه يصل إلى 5200 درهم بجهة الدار البيضاء سطات.

فشل الحكومة في الرقي بالجهات وإعطائها الدينامية اللازمة

وإذا كانت بلادنا قد اتخذت خيارا استراتيجيا في مسار اللامركزية، عبر اعتماد نظام للجهوية المتقدمة، أفرد من خلاله دستور المملكة مكانة دستورية مهمة للجهات، باعتبار هذا الخيار، يشكل جوابا سياسيا واقتصاديا على الطلب الاجتماعي، فإن الحكومة قد فشلت بعد ثلاث من الزمن السياسي، في الرقي بالجهات وإعطائها الدينامية اللازمة، لتفعيل أدوارها الدستورية فمعدل 2.3 % من الميزانية العامة يوجه للجهات، فيما تتقاسم 1500 جماعة ترابية أخرى 9.1 % منها ، وهو ما جعل الجهات تكابد في ظل محدودية إمكانياتها، وغياب إرادة سياسية حقيقية لهذه الحكومة، في مجال اللاتمركز الإداري وضعف التقائية السياسات العمومية.
مما لا شك فيه، أن الفساد يعتبر أحد العوائق الكبرى أمام التنمية، بل لا تستقيم معه بنية أي نظام ديموقراطي، والحقيقة أن مكافحة الفساد المالي والاقتصادي والتدبيري، يعتبر الغائب الأكبر في خطاب الحكومة وتدابيرها المحتشمة، وهي الحكومة التي رفعت شعار كسب نقطتين إضافيتين من النمو، عبر محاربة الفساد وحماية المال العام، ولا يحتاج الأمر هنا للتذكير أن عددا من التقارير الدولية، لازالت تصنف بلادنا في مراتب متأخرة جدا، ومع ذلك فإن هذه الحكومة لا تقر بعمق أزمة الاقتصاد المغربي، الذي لا زال يعيش تحت وطأة بنية ريعية غير منتجة للثروة، بالرغم من أهمية الاعتمادات المخصصة للاستثمار.
وهنا تطرح تقارير المجلس الأعلى للحسابات، باعتباره المؤسسة العليا للرقابة على المال العالم وتدبيره، أكثر من تساؤل، خاصة فيما يتعلق بإحالة العدد المهم من الاختلالات التي كشفت عنها للقضاء، تفعيلا للمبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة؟
والحقيقة أن اقتصادنا الغارق في الأرقام والمؤشرات، سيبقى هشا ما لم تمتلك الحكومة الإرادة السياسة اللازمة لمحاربة الفساد، الذي يعيق إنتاج نخبة اقتصادية حقيقية تنتج الثروة، وتحفز على الإبداع والابتكار والمبادرة، بدل الاقتيات على الريع، وكعكة اعتمادات ميزانية الدولة، فالاقتصاد الحر والشفاف هو أحد أبرز دعامات التطور الديموقراطي.
لقد استسلمت الحكومة لليبيرالية المتوحشة والغير متوازنة، والتي أصبحت للأسف عائقا بنيويا لتطور النموذج الاقتصادي الوطني، الذي لم يستطع أن يحقق نسب نمو مهمة، توازي الإمكانيات الكبيرة التي تتوفر عليها بلادنا، بحيث أضحى الاقتصاد رهينة لاختيارات اقتصادية كبرى، دون أثر تنموي أو منتج للثروة.
ولعل إعلان إفلاس آلاف المقاولات الشابة سنويا، يؤكد جليا أزمة المقاولة المغربية، وعدم نجاعة الإجراءات الحكومية الموجهة لدعمها وإنعاشها، وخاصة المقاولة الصغيرة والمتوسطة.
وهو ما جعل جلالة الملك يحث الحكومة، على ضرورة التسريع في وثيرة أجال الأداء للمقاولات والتقليص منه، وهنا ندعو الحكومة إلى التسريع بإخراج المراسيم التطبيقية للقانون 15.49 التي تحدد الآجال النهائية للأداء، والعقوبات في حالة التأخر، واعتماد تدابير تفضيلية وخاصة بالمقاولات الصغرى والمتوسطة،.
وإذا كان جلالة الملك قد أعطى أيضا توجيهاته السامية للحكومة لتصفية دين الضريبة على القيمة المضافة، لفائدة المقاولات المستحقة، فإن الحكومة مدعوة بالموازاة إلى اعتماد تدابير مستعجلة من أجل حث الشركات الكبرى على أداء ما بذمتها للمقاولات المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، بما يمكن من تنشيط النسيج المقاولاتي المغربي، والذي لا يمكن تطويره إلا بتطوير هذا الصنف من المقاولات، وتمكينها من مختلف أشكال الدعم.

العدالة الضريبية في صلب مقومات بناء دولة العدالة

إن مطلب العدالة الضريبية كان دائما ولازال، في صلب مقومات بناء دولة العدالة، فغياب العدالة الضريبية، وتسخير المنظومة الجبائية لإرساء نظام انتقائي وزبوني، واقتصار السياسة الجبائية على رفع مداخيل الحكومة، والتخفيف من عجز ميزانها التجاري، دون اكتراث بدور الضريبة في التوزيع العادل للثروة، كلها أعطاب ستحول دون تطوير الاقتصاد المغربي، الذي تعتبر الطبقة المتوسطة صمام أمانه.
فتجارب الدول المتقدمة كلها تثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن تقوية هذه الطبقة المتوسطة وتوسيعها، هو الكفيل بضمان مناعة النسيج الاجتماعي الوطني، والمبني أساسا على التضامن بين شرائحه ( كل موظف فهو مصدر عائلي في إطار التضامن الاجتماعي).
وللأسف الشديد، فإن مشروع قانون المالية الذي تقترحه الحكومة، يضرب في العمق الطبقة المتوسطة، من خلال تركيز العبء الضريبي عليها، فكلما اشتدت الأزمة المالية الحكومية، فإنها تتجه رأسا نحو مزيد من تضريب هذه الطبقة، وهو ما يؤكد غياب أي رؤية استراتيجية لعملها، فيما يستمر مسلسل الإعفاءات الضريبية الضخمة في غياب أي استراتيجية لتقييم أثرها، فالإعفاءات الضريبية في الأصل وجدت لتحفيز القطاعات المنتجة للثروة ظرفيا وليس أبديا، حتى لا تتحول قطاعات بعينها إلى مساحة جديدة للريع الاقتصادي، وهو يساهم بكل أسف في توريث الفقر وتركيز الثروة.
ومما يزيد من حدة الاستهداف الممنهج للطبقة الوسطى، استمرار إضعاف قدرتها الشرائية عبر الزيادات المتتالية في أسعار المواد الأساسية، والراجعة بالأساس إلى الارتفاع المهول في أسعار المحروقات، والذي تجاوز حدود المعقول ، رغم أن أسعار النفط العالمية مستقرة، وهو ما يدعونا لنجدد دعوة الحكومة الى امتلاك الشجاعة السياسية اللازمة لاتخاذ قرار تسقيف الأسعار، والعمل الجاد والسريع لإخراج مجلس المنافسة لحيز الوجود باعتبارها المؤسسة الدستورية المكلفة بتنظيم المنافسة الحرة والمشروعة، وضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية خاصة من خلال مراقبة ممارسات التجارية غير المشروعة وخاصة الاحتكار، أو التواطؤ التجاري.
فمن غير المقبول أن تستمر الحكومة في لعب مؤامرة الصمت في مقابل الارتفاع المتزايد للأسعار دون أسباب موضوعية، اللهم الاحتكار والمنافسة التجارية غير الشريفة.
الاستقرار الذي تنعم به بلادنا  ثمرة لمسار طويل من النضال الديموقراطي
إن الاستقرار الذي تنعم به بلادنا، ولله الحمد، هو ثمرة لمسار طويل من النضال الديموقراطي، وحصيلة تراكم من الإصلاحات السياسية والدستورية الهامة، وخاصة الحوار الاجتماعي المنتظم، والذي يمكن من الحفاظ على توازن دينامية المجتمع، فالحوار الاجتماعي ليس ترفا زائدا، ولا اجتماعات بروتوكولية، إنما صمام أمان المجتمع، لذلك فإن تعطيل الحوار الحقيقي والمنتج مع الشركاء الاجتماعيين، والاكتفاء باجتماعات باقتراحات حكومية هزيلة، يضرب في العمق مكتسبات النضال المجتمعي للطبقة الشغيلة، خاصة في ظل استقرار الأجور منذ سبع سنوات، وهو العمر السياسي لهذه الحكومة، حيث تعود آخر زيادة في الأجور إلى "حكومة الأخ عباس الفاسي"، رغم ارتفاع نسب التضخم، والارتفاع المهول في الأسعار.
أما العالم القروي ورغم بعض المجهودات المبذولة، إلا أنها تبقى بعيدة عن الطموحات المعلنة، اللهم بعض السياسات القطاعية التي تغيب عنها الالتقائية وهو ما يفقدها النجاعة اللازمة، للنهوض بهذا الجزء من الوطن، والذي لازالت كثير من مناطق تناضل من أجل أبسط حقوقها الدستورية وخاصة فك العزلة، والتزود بالماء الصالح للشرب والكهربة، وهي حقوق بسيطة جدا، في مقابل استمرار معاندة الحكومة في مد تجهيزات كبرى ومكلفة، وبدون أثر تنموي في جهات بعينها.

الاستثمار الأمثل في العنصر البشري

إن العبرة الخالصة التي يمكن أن تستقيها بلادنا من تجارب الدول المتقدمة، هو الاستثمار الأمثل في العنصر البشري، باعتباره الثروة الحقيقية التي لا تنضب، ومدخلها المركزي هو تطوير التعليم والبحث العلمي، وجعله رافعة للاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي لن يتستقيم، إلا من خلال إرادة حكومية صلبة وحقيقية، إجماع وطني واسع، في جعل المدرسة والجامعة العمومية، أولوية حقيقية في التقائية السياسات العمومية، مدرسة تربي الأجيال على قيم الإبداع والانفتاح والمواطنة، لا مدرسة تنتج الأنماط وتقتل الابتكار، من خلال جواب توافقي واسع وعميق، حول هوية المدرسة والجامعة التي نريد؟ وعن قيم التلميذ والطالب الذي نريد ؟ أي المواطن الذي نريد؟ وعن القيم وركائز الهوية التي نريد؟
وهي الأسئلة المركزية التي يجب أن تكون إطار ناظما لتعليمنا المستقبلي، من خلال قانون إطار ننتظر من الحكومة امتلاك النفس التوافقي الواسع خلال أشغال مناقشته بالبرلمان.
وفي انتظار هذه الإرادة الحكومية التي تغيب في الأفق القريب، وهو ما تكشف عنه الاعتمادات التي تخصصها الحكومة للقطاع، فإن الفريق الاستقلالي ينبه الحكومة إلا خطورة اللجوء الممنهج للتعاقد لتغطية الخصاص بالتعليم، بما يشكل هذا القرار من ضرب في العمق لجودة التعليم، في غياب التكوين التخصصي اللازم، ومخلفاته على استقرار المنظومة التربوية، ف 55.000 أستاذا وأستاذة، ممن ينتظمون في هذا الإطار، هم اليوم عرضة لغياب الاستقرار النفسي والاجتماعي، وللتاريخ نقول للحكومة، إن قرار اعتماد التعاقد مع رجال ونساء التعليم، قرار خاطئ وغير ناجع، وينبغي على الحكومة التراجع عليه فورا بإدماج هذه الفئة في النظام الأساسي العام، بدل البقاء موقف المتفرج في مواجهة احتجاجاتهم المشروعة، والتي تهدد بضياع الموسم الدراسي لا قدر الله.
فضلا عن استمرار كثير من الظواهر التي تفرمل تطور المدرسة والجامعية المغربية، من قبيل استمرار ظاهرة الاكتظاظ المؤسفة، وتطور نسب الهدر المدرسي والجامعي، وضعف المناهج التربوية المعتمدة، والتردد الكبير في حسم لغات التدريس وأولوياتها، وغياب الاعتماد على المختبرات العلمية والأعمال التطبيقية، وهزالة البنية التحتية، خاصة الاستمرار في التدريس بالأقسام المفككة حيث تغيب الظروف الإنسانية والتربوية.

الشباب المغربي ثروة وطنية ثمينة و ليس مجرد رقم ديموغرافي

لقد كشفت التحولات الكبرى التي عرفتها بلادنا أن الشباب المغربي، ليس مجرد رقم ديموغرافي، بل هو في الحقيقة ثروة وطنية ثمينة، قادرة على الدفع ببلادنا نحو التقدم، وهو الأمر الذي لن يستقيم مع هشاشة السياسات العمومية الموجهة لهذه الفئة، والتي تحاول اختصارها في الرياضة والترفيه، فشباب اليوم المسلح بالمعرفة ووسائل التواصل الاجتماعي فاعل سياسي حقيقي، يتابع كل قضايا وطنه، ويتفاعل معها بوطنية وغيرة على الصالح العام، لذلك فإن الحكومة ملزمة بالقراءة الصحيحة والموضوعية لعودة ظاهرة الهجرة السرية والعلنية، والتي تشكل عنوان لانسداد أفق الشباب المغربي، أمام استمرار سياسات وممارسات تصنع اليأس والإحباط، بدل التحفيز وصناعة الأمل.
فمطالب الشباب المغربي لا تتعدى المبادئ التي جاء بها دستور المملكة، من أجل وطن تكافؤ الفرص والاستحقاق لا وطن المحسوبية والزبونية، ويظل الشغل الكريم، أحد أهم مداخله، وهنا نسجل في الفريق استغرابنا الشديد من السياسة الحكومية في هذا المجال، خاصة ما جاء في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والتي وعدت بخلق 1 مليون و200 إلف منصب شغل في أربع سنوات بمعدل 300.000 ألف منصب شغل في السنة، وهو الأمر الذي لن يتحقق للأسف الشديد إلا على أوراق الحكومة وشعاراتها، والدليل الواضح هو مؤشرات قانون المالية التي تتوقع في أحسن الأحوال نسبة نمو لا تتجاوز 3.2 في المائة، وهو ما يهدد ملايين الشباب بتوريث الفقر الجيلي في مقابل استمرار تركيز الثروة الوطنية في نسبة محدودة من المواطنين.
ولن تفوتنـا الفرصة، دون أن ننبه الحكومة إلى أوضاع المواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يعشون من معاناة مركبة، خاصة في ظل حرمانهم من حقهم الدستوري في الشغل، وندعو الحكومة إلى التفعيل الدائم للمرسوم الذي يحدد تخصيص نسبة 7 في المائة من مناصب الشغل المحدثة، لفائدة هذه الفئة المتضررة من المواطنين، باعتباره حقا دستوريا وليس منة من أحد، ونسجل باعتزاز كبير التوافق البرلماني بين جميع الفرق البرلمانية، أغلبية ومعارضة، لحلحة مشكل المعطلين المكفوفين الحاملين لشواهد عليا.

 أزمة هذا قطاع  الصحة في تفاقم مستمر

أما على مستوى الصحة، فالواقع ينطق بأن أزمة هذا القطاع في تفاقم مستمر، حيث كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن حقيقية بالغة الخطورة، تتمثل في ضعف حكامة هذا القطاع، واستمرار تدهور الخدمات الصحية، سواء بالمراكز الصحية القروية أو المستشفيات الإقليمية والجهوية، حيث لازالت التخصصات الطبية متركزة في عدد محدود من الجهات، فيما تعرف الخدمات الاستعجالية تراجعا خطيرا جراء نقص الموارد البشرية الطبية والمساعدة والتقنية والتي تغادر أفواج مهمة منها سنويا للتقاعد مقابل عدد محدود من المناصب الذي لن يكفي للرفع نسبة التأطير الصحي.
أما برنامج التغطية الصحية "راميد" فإنه واقعه يستلزم تدخلا استعجاليا لاستئصال أعطاب، التي أضحت مزمنة، وأفقدت هذا البرنامج الاجتماعي أهميته المجتمعية، بفعل استقرار الدعم الجزافي الذي تقدمه الحكومة للمستشفيات العمومية، التي تقدم خدمات لحاملي بطاقة "راميد"، دون أن تقدم الدولة مقابل هذه الخدمة، وهو ما ساهم بشكل كبير في استنزاف إمكانيات هذه المرافق، وجعلها بنايات قد تصلح لأي شيء آخر باستثناء العلاج.
ولعل إقدام عشرات الأطباء بالقطاع العام على الاستقالة، يعبر بجلاء على عمق أزمة الصحة العمومية ببلادنا، والتي تشكل في حد ذاتها عنوانا عريضا لفشل شعار الأولويات الاجتماعية التي ترفعها هذه الحكومة.
اسمحوا في الختام، أن أهنىء هذه الحكومة على خيبة أمل المواطنين في:
*مشروع قانون مالي يطغى عليه هاجس التوازنات الماكر-اقتصادية، ويخلو من بصمة الإبداع واللمسة السياسية؛
*مشروع قانون نمطي محتشم يكرس تراجعات بالجملة؛
*مشروع قانون مالي يكرس فقدان الثقة في العمل السياسي، وفي وفاء الحكومة بالتزاماتها وبرنامجها؛
*مشروع قانون مالي يكرس فقدان الثقة في المؤسسات والفاعلين،
*مشروع ينخر التماسك الاجتماعي، ويجهز على الطبقة المتوسطة ويضعفها.
إننــا من موقعنا في المعارضة ومن منطلق الوطنية الصادقة، ، ننبه هذه الحكومة، دون مزايدات سياسوية، إلى ضرورة رأب الصدع بين مكوناتها، والحفاظ على تماسكها، فانتظارات ومطالب المواطنات والمواطنين في تزايد، وتقتضي اشتغال الحكومة بإيجاد حلول ناجعة لها، بدل هدر الزمن السياسي والتنموي في صراعاتها الانتخابوية الصرفة، فالمطلوب اليوم هو أن تكون حكومة تفي بعهودها ولا تنقض برامجها، حتى لا ينطبق عليها قول الله تعالى:
"يـا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
صدق الله العظيم