بوابة حزب الاستقلال

كلمة الأخ نزار بركة خلال اللقاء الدراسي للفريق الاستقلالي بالبرلمان حول مشروع القانون المالي 2018

السبت 28 أكتوبر 2017

المشروع لا يرقى إلى مضمون الخطابين الملكيين الساميين للعرش وافتتاح البرلمان

تراجع مردودية الاستثمار العمومي بنسبة 50% مقارنة مع أوائل هذا القرن

انعدام أي تصور بخصوص 50 ألف تعاقد في قطاع التعليم سيؤدي إلى اضطرابات وعدم التوازن

مشروع قانون المالية لم يضف أي جديد في مجال السياسات العمومية المتبعة منذ سنة 2007

القرارت الأخيرة لجلالة الملك تدخل في نطاق تفعيل الدستور مع التأكيد على عدم الإفلات من المساءلة والمسؤولية السياسية والتقييم

القطاع الصحي يعاني من خصاص كبير في الأطر الطبية يصل إلى حوالي 30 ألف إطار


نظم الفريق الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بالبرلمان، لقاء دراسيا حول: ” مشروع قانون المالية لسنة 2018 “، ترأسه الأخ نزار بركة الأمين العام، إلى جانب الأخوين نور الدين مضيان رئيس الفريق بمجلس النواب، وعبد السلام اللبار رئيس الفريق بمجلس المستشارين، وذلك يوم السبت 28 أكتوبر 2017 بفندق فرح الرباط.
وقدم الأخ نزار بركة مداخلة  مفصلة حول مضامين هذه المشروع مع التركيز على جوانب ضعفه، مستهلا مداخلته بالترحيب بالحضور،  منوها بالأخوين نور الدين مضيان، وعبد السلام اللبار، على مبادرة الفريق الاستقلالي بالبرلمان، معتبرا أنها تفاعل سريع، مع قرارات القيادة الجديدة للحزب، وذلك بتنظيم هذا اللقاء قبل بداية مناقشة قانون المالية بالبرلمان، مشيرا إلى أن مساهمة الخبراء، وخلاصات هذا اللقاء من شأنها أن تساعد الفريق الاستقلالي على بلورة تصور متكامل حول مشروع القانون المالي، وبالتالي تقديم تعديلات كفيلة بتجويد مقتضياته.
 
المشروع يأتي في سياق خاص
 
وأبرز الأخ الأمين العام أن مشروع قانون المالية الحالي، وكذلك اللقاء الدراسي، يأتي في سياق خاص، حيث إنه أول مشروع قانون مالي للحكومة الجديدة، والذي يجب أن يعبر ويترجم ما جاء به التصريح الحكومي، وبفضله نالت الحكومة ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب، كما أنه كذلك أول قانون مالية بعد خطاب العرش، وهو خطاب له دلالاته وانعكاساته، بحكم أن جلالة الملك وقف على اختلالات في المجال الإداري، والممارسة السياسية، ومجال النموذج التنموي بكيفية خاصة، والبعد المرتبط بالسياسة الترابية، كما أكد جلالته على ضرورة تقويم النموذج التنموي، والذي اعتبره قد وصل إلى مداه، وفسر ذلك الأخ الأمين العام أن الاقتصاد الوطني أصبح سنويا يقلص فرص الشغل المحدث، ما يشكل خطرا لمستقبل البلاد، وعرقلة لإدماج الشباب في التنمية، وخلق الثروة، وتحسين ظروف الارتقاء الاجتماعي بالنسبة لكل الفئات الاجتماعية، وهناك إشكالية كبرى تتجلى في مردودية الاستثمار، وخصوصا الاستثمار العمومي، والتي تراجعت بنسبة 50%،مقارنة مع أوائل هذا القرن، مما يفضي إلى إشكالية عدم نجاعة كل من هذه الاستثمارات والسياسات العمومية المتبعة، وإشكالية الفوارق الاجتماعية والمجالية المطروحة بقوة، ويؤدي إلى استمرار التوريث الجيلي للفقر، كما أن محركات النمو وخصوصا الطلب ووقعه على التنمية يعرف تراجع، فكل هذه الإشكاليات الكبرى المطروحة، جعلت جلالة الملك يطلب وضع برنامج نموذج تنموي جديد، وهذا ما انخرط فيه حزب الاستقلال مباشرة، عبر احداث لجنتين، إحداها منكبة على وضع نموذج تنموي جديد انطلاقا من مرجعية التعادلية لحزب الاستقلال، ولجنة خاصة بالشباب، من أجل وضع سياسة جديدة خاصة بالشباب في بلادنا. ومن الأمور التي ركز عليها الخطاب  الملكي، خاصة في افتتاح البرلمان، ما يتعلق بالجهوية المتقدمة، والتي تعتبر مفتاحا في النموذج التنموي الجديد، وبالتالي لا يمكن اعتبارها مراسيم وقوانين، بل يجب اعادة النظر في تصور السياسات العمومية انطلاقا من الجهوية المتقدمة، حتى نضمن اندماج اكثر لهذه السياسات، وأكثر نجاعة وفعالية، انطلاقا من حاجيات الجهات، وحاجيات المواطنين والمواطنات. وكذلك بعد ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإشكالية الحكامة وتحسينها في بلادنا، حتى نبلغ هدف جعل المواطن في صلب هذه السياسات. ويضيف الأخ الأمين العام، أن القرارت الأخيرة لجلالة الملك، تدخل في نطاق تفعيل الدستور، كما تعطي ثلاثة مفاهيم جديدة، المفهوم الأول: هو عدم الإفلات من المساءلة، والمفهوم الثاني: هو المسؤولية السياسية، لأنه حتى وإن لم تكن هناك اختلاسات، فالمسؤولية موجودة لأن العمل لم يتم، إذن هناك مسؤولية سياسية، والمفهوم الثالث: هو البعد المرتبط بالتقييم انطلاقا من النتائج المنتظرة، وهي مفاهيم مرتبطة براهنية المرحلة، وتدبير الشأن العام مستقبلا.
 
ثلاث مداخل لقراءة المشروع
 
واستكمل الأخ الأمين العام تدخله، مشيرا أن قراءة مشروع قانون المالية الحالي، ليست كقراءة مشاريع قوانين المالية السابقة، نظرا لوجوب وجود مداخل لقراءته، حصرها في ثلاثة مداخل أساسية،أول مدخل: هل مشروع قانون المالية يتجاوب مع التوجيهات الملكية، من أجل وضع نموذج تنموي جديد لبلادنا، وكذلك مع الأولويات التي حددها، والمتمثلة في تنمية متوازنة ومنصفة، وتجويد التعليم، والتغطية الصحية والشباب والقضاء والحكامة الجيدة، والجهوية والمتقدمة، حيث من المفروض أن يتضمن المشروع  بوادر ومؤشرات    تبين أنه هناك تفاعلا مع الخطاب الملكي، بالرغم من أن النموذج في طور الانجاز، والمدخل الثاني: هو تعزيز الثقة، حيث أن المغرب عرف ركودا اقتصاديا في السنوات الأخيرة، في الاستثمار والمبادلات والتنمية الاقتصادية، نتج عنه انعدام الثقة، سواء من طرف المستثمرين، وكذلك المواطنين في السياسات العمومية، هذا ما يطرح سؤال، ماهي تدابير الثقة التي جاء بها مشروع قانون المالية لهذه السنة، أما المدخل الثالث: هو البعد التعادلي الذي يهم حزب الاستقلال، أي هل المشروع أتى بتدابير تساهم في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وفي تحسين ظروف عيش المواطنين،  وتكافؤ الفرص، كما تساهم في وضع البرنامج المجتمعي الذي يصبو إليه المغاربة.
واستمر الأخ الأمين العام في توضيح هذه النقاط، وانطلق في الأول، بالتأكيد أن مشروع قانون المالية لم يضف أي تجديد في مجال السياسات العمومية المتبعة، حيث ظلت هي نفسها، والتي اعطيت انطلاقتها مع بداية  حكومة الأخ عباس الفاسي 2007، وفي سنة 2008 كسياسة المغرب الأخضر، والسياسة الصناعية، وغيرها، وبالتالي فإن المشروع لا يتوفر على عناصر تؤسس للعهد الجديد، لا من حيث الاختيارات الكبرى، ما دمنا في منطق تقليص العجز المالي، وتعزيز العرض خصوصا التصديري، وكذلك ضمان التوازنات المالية والماكرو اقتصادية عموما، حيث ليس هناك اعتماد على عائدات الاستثمارات العمومية في المشروع، وبالخصوص استثمارات المؤسسات العمومية، مع ضعف وتشتت التدابير الجبائية، والمتعلقة بالضرائب على الشركات.
وتابع الأخ نزار بركة موضحا ما جاء به جلالة الملك حول الجهوية المتقدمة، والذي شدد على تسريع اللاتركيز، وأن لا يظل الأمر مجرد قوانين، وهو ما لا يوجد  في مشروع قانون المالية، والذي واصل ما كان مبرمجا، حيث   رفع في نسبة الضريبة  من أجل  بلوغ 100 مليار درهم في أفق 2020، مبرزا ان  منظور الجهوية المتقدمة، الذي  دافع عنه حزب الاستقلال، يهدف إلى تحقيق  التنسيق والتجانس بين السياسات العمومية، وهو أمر غائب في البعد التعاقدي بين الدولة والجهات، بالرغم من أنه مشار إليه في التصريح الحكومي، باستثناء الجهات الثلاثة الجنوبية، مضيفا أن صندوق التأهيل الاجتماعي المصرح به في الدستور، لم يشر إليه في مشروع القانون المالي ، وكذلك الأمر بالنسبة لصندوق التضامن بين الجهات، من أجل تقليص الفوارق بينها، حيث يغيب ذكره للمرة الثالثة، ومن هنا يلاحظ غياب أي تجاوب للمشروع مع التوجيهات الملكية المتعلقة بتسريع وثيرة أداء الجهات، وخلص الأخ الأمين العام لحزب الاستقلال  إلى أن مشروع قانون المالية لا يرقى إلى مضمون الخطابين الملكيين الساميين للعرش وافتتاح البرلمان.
 
تعزيز الثقة عبر تلبية أوليات المواطنين
 
وانتقل إلى النقطة الثانية والمتعلقة بتعزيز الثقة، حيث اعتبر أن المواطن له أولويات، تتمثل في إصلاح التعليم، والصحة، والتشغيل، وكذلك السكن وتقليص الفوارق، ومنه لتعزيز تدابير الثقة، يجب تلبية هذه الأولويات أو بعضها، ففي ما يتعلق بالتعليم، هناك مجلس أعلا للتعليم وضع استراتيجية، وهناك أيضا قانون إطار للتعليم، لكن على مستوى مشروع قانون المالية لا نجد أي شيء، حيث ليس هناك استراتيجية مبلورة، وغياب لأي منظور إصلاحي، بل يتم الاقتصار على  البعد التدبيري. ومن بين هذه التدابير نجد تشغيل الشباب عبر التعاقد، حيث هناك 50 ألف تعاقد هذه السنة، وبالرغم من أهميته لأسرة التعليم، ولسد الخصاص المهول في القطاع، فإن الأمر يتعلق بمفارقة خطيرة، تتجلى في إحداث 700 منصب شغل فقط عوض 7000 منصب التي كانت تحدث سنويا، أي تعويض بنسبة  حوالي 10%، وهنا وفي عذا الإطار يطرح سؤال عريض  هل هناك  قرار بوجود  وظيفة عمومية بفئتين؟، وإذا كان الأمر كذلك ، ما هو منظور الترقي، وتحسين ظروف العيش، وسلم الأجور، وتطوير هذه الفئة المتعاقدة، لأنها لا تتوفر على تحفيزات، والأجر الأكبر عند نهاية الخدمة، مبرزا أن هذه الجوانب غير موجودة في المشروع، ولا في التجارب المقارنة للدول التي سبقتنا في هذا الإجراء. مما يدل على غياب تصور سليم، بل سيؤدي إلى اضطرابات وعدم التوازن، ناهيك عن غياب التكوين والبيداغوجية لها، كل هذا لا يخدم هدف إصلاح وتجويد التعليم كأولوية. أما في ما يتعلق بتدابير الثقة المتعلقة بالصحة، هناك مجهود مهم حصل، انتقلنا من 2000 إلى 4000 منصب شغل جديد، لكن التدابير في مجال السياسة الصحية غير كافية ولا تتطور، وكمثال على ذلك، ما يتعلق بمؤشر “رميد” الذي يدخل في سياسة التضامن الطبية، حيث انتقلنا من 4 ملايين مستفيد إلى 11 مليون، لكن الميزانية ظلت نفسها مليار درهم، رغم تضاعف عدد المستفيدين، بل كان يجب أن يضاف مليارين ونصف درهم سنويا، وهو ما جعل الميزانية بعيدة كل البعد عن الغلاف المالي المنتظر، وكذلك هناك مشكل جودة الخدمات الصحية، وقلة المستشفيات والمراكز الصحية، وضعف الطاقة الاستيعابية لها، وغياب التعويض، والتأخر في المواعيد، والخصاص الكبير في الأطر الطبية المحدد في 30 ألف. بعده انتقل الأخ الأمين العام إلى تدبير الثقة المتعلق بإجراء مرونة سعر الصرف، المعلن عند في التصريح الحكومي والغائب تماما في مشروع قانون المالية، ولا حتى الإشارة إليه. لأنه هناك عمليات استيراد استباقية بحوالي 50 مليار درهم في جالات استثمارات التجهيز مهمة لهذه السنة، لها الأثر على التوازنات الماكرواقتصاية للسنة للقادمة. فلا أثر لها في المشروع، وإذا وقع تراجع يجب الإشارة إليه من أجل تعزيز الثقة، حتى لا يكون هناك استهتار بالمواطنين والفاعلين الاقتصاديين.
وانتقل الأخ الأمين العام للحديث عن الأثر الإيجابي للتشغيل، والمناصب المحدثة سنويا، لتعويض المناصب الشاغرة جراء التعاقد، وكذلك التشغيل عن طريق المقاولة، بحيث 10 مناصب كحد أدنى، بتحفيز اعفاء ضريبي للمقاولة، لكن الاشكال المطروح هو غياب التقييم لهذه السياسة، وأثرها منذ إحداثها، والاحصائيات المتعلق بهذا التدبير، وأن التحفيز لا يجب أن يظل فقط في هذا الجانب، بل يجب أن يشمل التكوين، وتحسين مناخ الأعمال والاسنثمار، وتطوير المقاولة، وأن لا ينحصر في منطق التدبير الجزئي، ولذلك فإن إشكالية التشغيل تظل حاضرة، مع غياب تدابير حقيقية لحلها.
 
انعكاس الحوار الاجتماعي على تدبير الثقة
 
ومر الأخ الأمين العام إلى نقطتين أخيرتين، في تدبير الثقة، يتعلق الأمر بالحوار الاجتماعي الغائب، في حين تم الاتفاق على مجموعة من التدابير في 26 أبريل 2011، ولم تلتزم الحكومة السابقة بوضعها على أرض الواقع، ولا في إطار الحوار الجديد الذي انطلق حاليا، حتى ينخرط كل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، في البعد الاصلاحي الذي ننشده. والنقطة الأخيرة تتعلق بالإصلاح الشمولي للتقاعد المعبر عنه في التصريح الحكومي، في حين أننا ما زلنا في الإصلاح المعياري، وبالتالي هذا الأصلاح غير موجود في مشروع قانون المالية، مما يدل على أن الحكومة غير جاهزة لإعداد تصور لهذا الورش، رغم اشتغال مجمومة من اللجن على هذا التصور.
وانتقل الأخ الأمين العام لتحليل البعد التضامني والتعادلي في مشروع قانون المالية، حيث اعتبر أن هذا من النقط التي ضل حزب الاستقلال يدافع عنها، وأن الحماية الاجتماعية عبارة عن أجرة إضافية، ويمكن القول أنه مثل المساعدة الطبية، كذلك صندوق التماسك الاجتماعي، ليس هناك موارد جديدة جراء وقف الدعم المحصل من مجموعة من الضرائب، ثم تحسين القدرة الشرائية نلاحظ الرفع من قيمة الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 14 في المائة خصوصا في المحروقات، التي سيكون لها وقع على الطبقة المتوسطة مباشرة، وعلى النقل والفلاحة، يظهر من كل هذه الأمور أن البعد التضامني غير حاضر، بل الاخطر مثلا، هو هناك تراجع في قيمة الضريبة المفروضة على العقار، حيث نزلت إلى 20%، واعطاء تدابير تسهيلية في هذا المجال غير المنتج، دون دعم الاستثمار في القطاعات الانتاجية، بل شجع القانون المضاربة وخفظ الضريبة عن المضاربين، ومنظور غير متجانس مع سياسة تقليص الفوارق والتضامن بين فئات المجتمع. وأخيرا في هذا البعد يرى الأخ الأمين العام أن الدعم المقدم لبعض الفئات المجتمعية وبالخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة، فهو جد محتشم، 60 مليون درهم، في الوقت الذي كان أن يصل إلى مليار درهم، وهذا ما تم التراجع عنه، لانه كان حاضرا في الحكومات السابقة، التي ترأسها حزب الاستقلال أو شارك فيها، وهذا يجعل البعد التضامني غير حاضر في مشروع قانون المالية لسنة 2018.
واختتم الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال  قائلا إن الأفكار والملاحظات التي تضمنها عرضه، بتقاسمها مع أعضاء الفريقين، حتى يتمكن من تقديم بدائل وحلول، وبالتالي تجويد التعديلات المقترحة في مشروع قانون المالية لسنة 2018.