بوابة حزب الاستقلال

مداخلة الفريق الاستقلالي في مناقشة مشروعي القانونين التنظيميين حول الأمازيغية والمجلس الوطني للغات

الاربعاء 12 يونيو 2019

- إنصاف الأمازيغية مطلب وطني يهم جميع المغاربة
- مثل هذه المشاريع في حاجة إلى توافق وطني كبير يعزز ضمانات حسن تفعيلها
- اعتزاز حزب الاستقلال بالعناية الملكية السامية لكل ما يرتبط بصون "الشخصية المغربية" وحماية الهوية الوطنية الراسخة


صادق مجلس النواب يوم الاثنين 10  يونيو 2019 على مشروعي القانونين التنظيميين حول تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وفي هذا الإطار تناول الكلمة النائب البرلماني الأخ عمر عباسي باسم الفريق الاستقلالي، مستعرضا تصور حزب الاستقلال وفريقه البرلماني من هذين المشروعين، في ما يلي النص الكامل للتدخل :
          
يشرفني أن أتناول الكلمة باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في المناقشة العامة لكل من مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وكذا مشروع القانون التنظيمي رقم 04.16 يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

خطاب أجدير شكل لحظة فارقة في تاريخ النضال من أجل إقرار الحقوق اللغوية والثقافية

وإنها لمناسبة فضلى أن نعيد اليوم التأكيد على إعتزازنا في حزب الاستقلال بالعناية الملكية السامية لكل ما يرتبط بصون "الشخصية المغربية" وحماية الهوية الوطنية الراسخة، وكذلك بالمصالحات الكبرى التي عرفتها بلادنا منذ تولي جلالة الملك محمد السادس حفظه الله العرش، والتي كانت من أبرز لحظاتها الوضاءة، خطاب أجدير التاريخي يوم 17 أكتوبر 2001، والذي شكل لحظة فارقة في التاريخ المعاصر لبلادنا، وكذا في تاريخ النضال من أجل إقرار الحقوق اللغوية والثقافية، وصولا إلى خطاب 9 مارس 2011، الذي عكس بدوره النبوغ المغربي في تدبير اللحظات الكبرى والصعبة.

لقد شكل هذا المسار أحد المعالم الكبرى للتجربة المغربية في الإنصاف والمصالحة، ذلك أن دسترة الأمازيغية كلغة رسمية، ورصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء، والحضور البارز والوازن للحقوق الثقافية واللغوية في دستور 2011، الذي عُدّ دستور الحقوق والحريات، إنما هو محصلة الإرادة الملكية الصادقة في إنصاف الأمازيغية، نتيجة تجاوب مختلف مكونات الأمة وقواها الحية مع المطالب الثقافية واللغوية للحركة الثقافية، وعلى هذا النحو فإن مسار إنصاف الأمازيغية لم يكن بفعل ضغط خارجي ولا بفعل صدام هوياتي كما حصل في بعض بلدان الجوار، بل هو من هذه الناحية محصلة تفاعل خلاق مع التزامات المملكة الحقوقية التي إنخرطت فيها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بكل سيادة وإرادة وحرية.
لذلك حُقَّ لبلادنا أن تفخر أن تجربتنا هذه، بعيدة كل البعد في العديد من عناصرها، عن تجارب بعض دول الجوار والذي تميزت بصدام ما بين الأنظمة والمجتمعات حول قضايا الهوية والثقافة واللغة.

إنه لمن المفيد اليوم، ومجلس النواب، بصدد التصويت، بعد طول إنتظار، على مشروعي قانونين تنظيميان، نص عليهما دستور 2011، أن نشير ونحن على مشارف ثمانية سنوات من وضع الدستور إلى الحاجة إلى القيام بتقييم وطني جماعي عمومي لإعمال مقتضيات الدستور، وكذا القوانين التنظيمية المكملة له، وحصيلة عمل المؤسسات التي إستحدثها.

المسار التشريعي للمشروعين دليل قاطع ساطع على مسؤولية الحكومة   في تعطيل مقتضيات الدستور

إن الأمر لا يرتبط بالتأكيد بشكل واضح على التأخر الحكومي البين في إعداد مشاريع القوانين التنظيمية وإحالتها على مسطرة المصادقة، ولا على البطء الحكومي في إخراج المراسيم التي نصت عليها العديد من القوانين التنظيمية وهو الأمر الذي ما زال يجمد العديد من المقتضيات الدستورية، بل إن المسار التشريعي لهذين المشروعين لهو دليل قاطع ساطع، على مسؤولية الحكومتين السابقة والحالية، في تعطيل مقتضيات الدستور، وبالنتيجة فالمسؤولية أيضا هي مسؤولية "الأغلبية الهجينة"، التي أصبح غياب الحد الأدنى من الانسجام ما بين مكوناتها أحد العوامل المركزية المعطلة للإصلاح، والشاهد على كل ذلك هو أن الخلاف ما بين مكونين من مكونات الأغلبية الحالية حول التنصيص على حرف تفناغ من عدمه في القانون، هو الذي كان السبب وراء تجميد المسار التشريعي للمشروعين لأزيد من سنة !

إن الأمر لا يتعلق بالنقد من أجل النقد، ولا بالمعارضة من أجل المعارضة، ولكنه تحليل نابع من غيرة وطنية صادقة، ومن قيامنا بالمعارضة الوطنية الاستقلالية، حيث نشعر أن من واجبنا الأخلاقي أن لا نداري سيئات الأغلبية، التي يبدو أن حمى الانتخابات أنستها القيام بواجباتها الدستورية والسياسية والأخلاقية.
 
لقد انخرط الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، ومنذ البداية، في مسعى تحقيق التوافق حول هذين المشروعين، على غرار ما نهجناه، بخصوص مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والبحث العلمي، وذلك انطلاقا من قناعة راسخة، بأن هذه المشاريع الثلاثة هي بحاجة إلى توافق وطني كبير يعزز ضمانات حسن تفعيلها، بيد ان الصراع داخل الأغلبية أجهض مسار التوافق، وهو الأمر الذي دفعنا إلى الإعلان رسميا عن الانسحاب من اللجنة التقنية، وكان ذلك إعلانا للعموم عن رفضنا الاستمرار في العبث، وهو الأمر الذي وضع الجميع أمام مسؤولياته وعجل ببلوغ لحظة التصويت على المشروعين في الجلسة العامة.

وبصرف النظر عن النقاش الذي تلى تصويت لجنة المالية في قراءة ثانية على مشروع قانون رقم 40.17 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، والمواكبة الإعلامية له، والذي شاب بعضا منها التحامل وعدم الدقة، فإن من حسناته أن جعل " الأغلبية الهجينة"، تنهي مكرهة خلافاتها الصغيرة، وبذلك تمكنا من بلوغ هذه اللحظة التاريخية، علما أن موقفنا الذي عبرنا عنه داخل لجنة المالية، يعود إلى إيماننا بأولوية هذين المشروعين على سائر القوانين الأخرى، وبأن ترسيم الأمازيغية لا يجب أن يجزأ.

 ضرورة ملاءمة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي مع   هذين المشروعين 

لقد سبق أن عبرنا بوضوح بمناسبة الشروع في مناقشة مشروع قانون – إطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، على أنه ليس من الأجدى ولا اللائق أن يتم الشروع في دراسة القانون - الإطار - قبل التصويت على هذين المشروعين، لذلك نعتبر اليوم أن مجلس النواب، عاد إلى المنهجية الصائبة، وذلك حتى يتسنى لنا ملاءمة القانون الإطار مع مضامين هذين المشروعين.

ولسوف تكون مناقشة القانون – الإطار – بعد أن تتفق الأغلبية مجددا على مضامينه – لسوف تكون فرصة لتوضيح العديد من الحقائق ودحض العديد من المغالطات والأراجيف، ويكفينا هنا التأكيد على أنه ولسوء حظنا فإن تاريخ بلادنا لمرحلة ما بعد الاستقلال لم يكتب بعد، بما فيها التاريخ الثقافي واللغوي والتربوي، وهو الأمر الذي سمح للبعض بالخوض السطحي في تقييم مشاريع التحرر الثقافي واللغوي، في مغرب ما بعد الاستقلال، هاجسهم في ذلك تحميلنا وزر فشل التعليم ووزر إجهاض أحلام كبيرة، لم تكن أحلام أحزاب، بل كانت أحلام أمة ودولة، سعت إلى التحرر الثقافي واللغوي، ومع الأسف فكما أُجهضت مشاريع التحرر الاقتصادي مع حكومة عبدالله إبراهيم ، أجهض مشروع التحرر اللغوي بعده، ولم يسمح له بأن يعرف الطريق للتنزيل، لقلة الأطر وعدم توفير الشروط صحيح، ولكن أيضا بفعل مقاومة " القوة الثالثة " كما سماها دون مواربة الشهيد المهدي بنبركة في "الاختيار التوري"، والتي عطلت مسارات ومشاريع التحرر الاقتصادي والثقافي، وعطلت بذلك مسار بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

إن إعمال مبدأ التناوب اللغوي في التدريس يجب أن يتم بالتدرج، وأن يتم توفير الشروط الموضوعية لنجاحه، والأهم أن لا يمس بمبدأ أن اللغة العربية هي اللغة الأساس للتدريس، لذلك نعتبر أنه من المهم أن نظل أوفياء لما تم التوافق حوله داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين. طبعا، إن رؤيتنا هذه تنأى بنفسها بعيدا عن أولئك الذين حاولوا جعل محطة دراسة القانون الإطار فرصة لافتعال معركة هوياتية، على أساس منطق الأخيار أو الأشرار، منطق مع أو ضد، وهم في ذلك لا يبحثون إلا عن الكسب الانتخابي، والتغطية عن المحاسبة والمساءلة حول حصيلة آدائهم الاقتصادي والاجتماعي.

الفريق الاستقلالي شدد دائما على  التعجيل بوضع مشاريع القوانين التنظيمية

لسنا اليوم بحاجة إلى التذكير بموقف حزب الاستقلال من دستور 2011، وبالحملة الوطنية التي قام بها للدعوة للتصويت عليه، كما أننا لسنا في حاجة إلى التذكير بمواقفنا الثابتة والواضحة، والتي دعونا من خلالها الحكومتين السابقة والحالية، إلى التعجيل بوضع مشاريع القوانين التنظيمية، وفي مقدمتها تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة، كما أننا لسنا في حاجة إلى التذكير بأننا قدمنا مقترح قانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية سنة 2015، بالإضافة إلى مقترح قانون حول وجوب استعمال اللغتين الرسميين في الحياة العامة.

وعلاوة على كل ذلك، يتعين التذكير بأن حزب الاستقلال، خلد يوم 13 يناير 2015، في احتفال مركزي كبير بأجدير رأس السنة الأمازيغية 2965 وأصدر من هناك "إعلان اجدير" ، دعا فيه الحكومة إلى إعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وإعتباره يوم عطلة، وذلك بعدما كان الحزب قد قرر في يناير 2014، تعطيل العمل في جميع مقرات ومؤسسات الحزب، إحتفالا منه برأس السنة الأمازيغية.

بيد أننا، ونحن الحزب السياسي الأول، الذي دعا إلى جعل رأس السنة الأمازيغية عيد وطني، لم نقم بذلك من خلال الهجوم على ذكرى 11 يناير، وهو أحد أعظم الأعياد الوطنية المجيدة، كما فعل البعض، سامحهم الله، لذلك ندعو في الفريق الاستقلالي إلى جعل إقرار هذين المشروعين، محطة لتقوية الهوية الوطنية، لا أن تكون محطة لإحداث شرخ هوياتي في بلادنا، يمني البعض به النفس.
السيد الرئيس،

إن الحديث عن الحقوق الثقافية واللغوية، هو ضرب من الحديث عن الحقوق والحريات، بما يعني أننا بصدد الحديث عن جزء من الكل، وعن فرع من الأصل، كما أن حالة الحرية في أي بلد من البلدان، ليست إلا خوضا مباشرا في أسئلة الديمقراطية ورهاناتها.

إن كفاح الشعب المغربي، كما أصل له ونظر له وأرخ له الزعيم علال الفاسي، ربط على الدوام ما بين مطلبي الاستقلال ومطلب الديمقراطية، تكفينا في ذلك قراءة "النقد الذاتي" و"الحركات الاستقلالية في المغرب العربي" و"الإنسية المغربية والعالم الإسلامي"، إن هذا الإرث الفكري والنضالي الوطني، يؤكد لنا أن الإسلام ظل على الدوام عماد الهوية الوطنية وقلبها، لذلك كانت قراءة اللطيف، جواب الأمة، بسلطانها وعلماءها ونخبتها وعامتها، على ظهير 16 ماي 1930 أو ما عرف "بالظهير البربري"، الذي سعت الحماية من خلاله إلى المس بوحدة الأمة، لذلك كان ميلاد الحركة الوطنية، في الواقع من قلب المساجد، وسيذكر التاريخ طويلا ذلك الدعاء : " اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، وأن لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر "، لم تكن تلك الهبة الشعبية التي احتمت بالإسلام ضد الاستعمار، موجهة ضد الأعراف الأمازيغية، التي تناولها مطولا الزعيم علال الفاسي في كتابه "مقاصد الشريعة ومكارمها"، بل كانت هبة ضد سياسة فرق تسد الاستعمارية.

طرح المسألة الأمازيغية من موقع الخصومة يضر  بها

 إن بعض الشعارات، التي ترفع أحيانا بمناسبة طرح المطالب الأمازيغية تتسم ببعض الحدة، وتجنح أحيانا إلى الإثارة، وحتى إلى الاستفزاز، الأمر الذي لن يفيد في شيء، لأن المغاربة اهتدوا بنبوغهم الخاص إلى المعالجة الهادئة للمسألة الأمازيغية، بعيدا عن التصادم الذي عرفته بعض دول الجوار، لذلك فإن طرح المسألة الأمازيغية – "كما كان يقول الأستاذ العربي المساري رحمه الله" – من موقع الخصومة، أمر لا يمكن أن يضر إلا بها، إن أسوأ ما يسقط فيه البعض، هو تقديمهم للمطالب الأمازيغية كما لو كانت هناك ضرورة لشن معركة مع العربية، بل ومع العرب، إنه لا يصلح أن تنقل إلى بلادنا مقولات ومواجهات حدثت في بعض دول الجوار، ذلك لأن هناك من يدفع إلى المواجهة، لكي يختصم الناس في لغاتهم الوطنية ولتبقى الفرنسية هي السائدة والمهيمنة.
وعطفا على ذلك، فإن الحركة الثقافية المطالبة بالحقوق اللغوية والثقافية هي في المحصلة جزء من الحركة الديمقراطية، ندرت نفسها للنضال من أجل الديمقراطية والحرية والمساواة والكرامة، وهي في كل ذلك تبرأ من الشعارات المستمدة من النعرة أو التي تسعى في بعض الأحيان إلى المس بالرموز الوطنية، ذلك أن مطلب إنصاف الأمازيغية، ليس مطلبا لفرد، أو جهة أو فئة أو حزب، بل هو مطلب وطني يهم المغاربة، وهم في ذلك سواء.

إن حزب الاستقلال، حزب النقد الذاتي، والتجديد الديني والفكري، والفكر المقاصدي، لا يضيره اليوم ما يتقوله البعض زيفا وبهتانا وهمزا ولمزا، ولكنه سيظل مدافعا عن الدستور - وهو متكامل في أهدافه ومبادئه – وعن المشروع المجتمعي الذي يؤسس له دستور البلاد.

لقد قدمنا 27 تعديل بخصوص مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والتي كانت في المجمل تروم تجويد وتدقيق الصياغة اللغوية، وذلك حتى نضمن أن لا يتحول التدرج في الترسيم إلى التحلل من الترسيم، هذا بالإضافة إلى تعديلات همت تقليص الآجال المنصوص عليها، بالنظر إلى التراكمات الحاصلة في بعض المجالات، كما اقترحنا تعريفا للغة الأمازيغية، نعتقد أنه الأنجع لغويا وثقافيا. هذا بالإضافة إلى العديد من التعديلات التي توخت تقوية اختصاصات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتثمين العمل الكبير الذي راكمه منذ إحداثه.

وجوب عدم اختزال الأمازيغية في الأبعاد الشفوية والتواصلية
 
نؤكد في الفريق الاستقلالي، على وجوب عدم اختزال الأمازيغية في الأبعاد الشفوية والتواصلية، وعلى أن التعاطي مهما يجب أن يتم انطلاقا من كونها لغة رسمية فعلية وليس مجرد الترسيم الشكلي، وهو الأمر الذي يطرح واجبات واضحة على المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها البرلمان، لذلك ندعو رئاسة مجلسي البرلمان وجميع مكونات المجلسين، إلى العمل دون إبطاء لتوفير الشروط القانونية والتقنية لإدماج شامل وفعلي للأمازيغية في العمل البرلماني، بما يمكن من إعطاء القدوة والنموذج لباقي المؤسسات.

لقد أقر مشروع القانون المتعلق بالأمازيغية، مبدأ التكافؤ ما بين مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة في مختلف مناطق المغرب، بيد أن مبدأ التكافؤ يجب أن يتم كذلك ما بين اللغتين الرسمتين للدولة، خصوصا ما يتعلق باستعمال الأمازيغية بالإدارات،وسائر المرافق العمومية، وكذا ما يهم إدماج الأمازيغية في الفضاءات العمومية.

أما بخصوص مشروع القانون التنظيمي رقم 04.16 يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، فقد قدمنا 51 تعديل، توخت تعديلاتنا تقوية صلاحية هذه المؤسسة الدستورية، مع تركيز عمله بشكل حصري على اللغات الوطنية انسجاما مع منطوق الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس من الدستور، هذا علاوة على تعديلات همت تمكين البرلمان من مناقشة التقرير السنوي الذي يعده المجلس، وبخصوص المؤسسات التي يتكون منها المجلس الوطني فقد اقترحنا أن نحافظ على استقلاليتها، انطلاقا من قراءة دقيقة للفصل الخامس من الدستور.

كما اقترحنا، إحداث هيئة خاصة بالحسانية، وذلك قصد تعزيز حضور الحسانية في المشهد اللسني والثقافي بالمغرب، هذا بالإضافة إلى تعديلات همت تركيبة المجلس الوطني بغية تقويتها وضمان التعددية الفكرية ما بين مكوناتها.

إن الحديث عن المجلس الوطني للغات والثقافة، يستدعي بالضرورة الخوض في محنة اللغة العربية في هذه البلاد، والتي أصبحت غريبة، يزدريها البعض، ويعرض عنها البعض الآخر، ويتهمها آخرون دون خجل بأنها ليست لغة العلوم !

لذلك لم يتوان الفريق الاستقلالي، ومنذ أن كان في تقديم مقترحات القوانين الهادفة إلى حماية وتطوير اللغة العربية، ولكن الحكومات لم تتجاوب مع هذه المبادرات التشريعية الاستقلالية، الأمر الذي يستدعي التأكيد اليوم، على أن استمرار تهميش اللغة العربية يناقض الدستور والتاريخ والمستقبل، ذلك أن النهضة المغربية المنشودة لا يمكن بلوغها في ظل إقصاء اللغة العربية.

لا تنمية ولا ديموقراطية بدون النهضة الثقافية

 وعلاوة على ذلك، فإن، اللحظة تستدعي الإشارة إلى حالة الثقافة والمثقف والسياسة الثقافية والتراث، وذلك حتى نتفاعل مع من اعتبر بمنتهى السطحية، أن الثقافة هي مجرد ملح، إن الثقافة هي الأُسُّ والعماد، فلا تنمية ولا ديموقراطية بدون النهضة الثقافية، وهو الأمر الذي يفرض عدم السكوت عن صمت المثقف، إن الأزمة الثقافية في البلاد، هي أعمق من مجرد محدودية الإمكانيات، وغياب سياسة ثقافية حقيقية، إن الأزمة الثقافية مرتبطة في أحد وجوهها بأننا لا نقرأ، وبأن مثقفينا ابتعدوا أو أبعدوا عن الساحة السياسية وعن التدافع المجتمعي، وذلك على خلاف ما كان عليه الحال في بلادنا عقودا بعد الاستقلال، حيث كان المثقفون في قيادات الأحزاب وفي المناصب الرفيعة للمسؤوليات الوطنية، لقد كان المثقف منغمسا في أتون النضال ضد السلطوية، فشتان ما بين الأمس واليوم، إن الثقافة المغربية اليوم تئن تحت سطوة السوق والعولمة والاستلاب.

إن الثقافة أعمق من مجرد الفولكلور، إن الثقافة في البدء والمنتهى، تعني النقد والعقل وتفكيك الأنماط الجاهزة، كما تعنى أيضا وجوب دمقرطة التاريخ والذاكرة والأرشيف، وإنقاذ وتجديد التراث المادي واللامادي.

لكل ذلك نعتبر أن المجلس الوطني للغات والثقافة معني بهذه الأسئلة وبهذه الرهانات، وإلا فإنه سينضاف إلى سلسلة المجالس والهيئات والمؤسسات التي صدرت القوانين المحدثة لها ولكنها لم ترى بعد النور.

كان هذا موقفنا؛ وبيان للناس وللتاريخ، وحيث أننا بصدد مشروعي قانونين تنظيمين مكملان للدستور، وبالنظر إلى أنهما يتعلقان بقضايا وطنية بالغة الأهمية، ولأننا سوف نستمر في الدفاع عن تعديلاتنا بمجلس المستشارين، ولأننا على قانعة بأن المحكمة الدستورية سوف تقوم بما يجب القيام به صونا لمبدأ سمو الدستور، فإننا سوف نصوت بالإيجاب على المشروعين.