بوابة حزب الاستقلال

الأخ نزار بركة يقدم تشريحا لأزمة الثقة وانعكاساتها على النمو الاقتصادي ببلادنا ويقدم تدابيرا استعجالية لتجاوزها

الخميس 21 فبراير 2019

عقدت رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، يوم الأربعاء 20 فبراير 2019 بالدار البيضاء لقاء مفتوحا مع الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، في موضوع "الثقة محرك أساسي للنمو الاقتصادي بالمغرب"، وذلك بحضور هام لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، بالإضافة إلى الحضور الوازن للمهتمين والفاعلين الاقتصاديين، وعدد من أطر ومناضلي الحزب بجهة الدار البيضاء - سطات.
 
وتناول الأخ نزار بركة الكلمة، مؤكدا أن الثقة تعتبر شرطا أساسيا للإستقرار وضمانا لمتانة النسيج الإجتماعي ومحفزا كبيرا للإنتاج، كما تلعب دورا أساسيا في تحريك عجلة النمو الاقتصادي الذي ينتج أساسا عن تطور الناتج الداخلي الخام، معتبرا أن الاستثمار والاستهلاك والتصدير هي عوامل أساسية لإنتاج النمو لكنها تظل غير كافية في غياب عوامل أخرى مهمة لتحقيق منسوب التنمية المنشود، وهي المتعلقة بالرأسمال البشري والرأسمال الاجتماعي أي "الثقة"، بالإضافة إلى مؤسسات الحكامة.
 

وأوضح الأخ الأمين العام، أن العديد من الدراسات المتنوعة أكدت أن الرأسمال الاجتماعي يشكل عامل جذب للاستثمارات، وتوفير فرص الشغل وخلق القيمة المضافة وتسريع وتيرة النمو، إلى جانب الرفع من الاستهلاك والطلب الداخلي، وتحسين الانتاجية، بالإضافة إلى تحسين نجاعة السياسات العمومية وتقوية الروابط الاجتماعية.
 
وقال الأخ نزار بركة أنه حينما يكون رصيد ثقة المواطنين في المؤسسات عاليا، تزداد مناعة المجتمع وتتحسن جودة العيش المشترك، معتبرا أن الثقة في المؤسسات تزداد كلما تقلصت الهوة بينها وبين المواطن، وكلما تملكها المواطنون بالشكل الذي يجعل منها ومنهم وحدة متكاملة، حيث يصبحون مثلا في علاقتهم مع مؤسسات القضاء مطمئنين على حقوقهم وواثقين من ضمان ولوج متساوي وعادل لهم أمامها. 

وسجل الأخ الأمين العام أن أغلبية الدراسات التي تم إعدادها في هذا المجال والصادرة مثلا عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية أو البنك الدولي، توصلت إلى قناعة مشتركة، تؤكد على ضرورة العمل على تعزيز الثقة، لكن، يقول الأخ نزار بركة، "يمكن الجزم بكل موضوعية بأن المغرب يعيش أزمة ثقة متعددة، سواء تعلق الأمر بالحكومة أو الأحزاب أو المؤسسات المنتخبة أو النقابات أو البرلمان وحتى أزمة الثقة بين الأشخاص، وهو ما له وقع كبير على انحصار فرص التنمية وتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية وتراجع مستويات الاستهلاك".

وأبرز الأخ نزار بركة أنه من بين انعكاسات أزمة الثقة ببلادنا توقف الاستثمارات منذ سنتين، فضلا عن تراجع معدل نمو القروض، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين ومستوى معيشتهم والخدمات الاجتماعية المقدمة لهم، وكذلك تراجع نسبة التشغيل والساكنة النشيطة، إلى جانب تزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات وعودة ظاهرة الهجرة السرية، والتي امتدت لتشمل هجرة الأدمغة والكفاءات المغربية بالإضافة إلى إقبال المغاربة على التجنيس وكل هاته الاختلالات والظواهر، يؤكد الأخ الأمين العام، تجد تفسيرها في فقدان الثقة.
 

وعدد الأخ الأمين العام مجموعة من المؤشرات التي تساهم في تكريس أزمة الثقة، ومن بينها التراجع المستمر في مستويات النمو التي انتقلت من 4 في المائة سنة 2017 إلى 3 في المائة سنة 2018، بينما هناك ترقب لتحقيق 2.9 في المائة خلال 2019، بالإضافة إلى تفاقم البطالة داخل أوساط الشباب وخاصة الشباب حاملي الشواهد العليا، والتراجع الكبير لمحتوى التشغيل في النمو حيث أصبحت نقطة نمو واحدة تخلق 20 ألف فرصة شغل فقط اليوم عوض 40 ألف فرصة شغل خلال السنوات الماضية، إلى جانب اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية مما يقلص من فرص عدد كبير من المواطنين من الإرتقاء الاجتماعي ويكرس شعورهم بالتهميش والإقصاء، إلى جانب الطبقة الوسطى التي تعرف اندحارا مستمرا.
 
كما أكد الأخ نزار بركة أن الحكومة تساهم من جهتها في تغذية وتعميق أزمة الثقة ببلادنا، نتيجة نهجها لسياسة اللاانصات للمشاكل المطروحة، واللاحوار واللاتواصل المسؤول، وغياب المقاربة التشاركية لديها والتقاعس والتردد والانتظارية والارتباك والبطء والتدخل المتأخر في التفاعل وأجرأة الالتزمات، غير المسنود برؤية شمولية والمفتقر إلى البعد الاستراتيجي والمقاربة الاستباقية للأزمات التي تشكل عوائق هيكلية في أدائها الحكومي، المطبوع بإعتماد الحلول الترقيعية والإطفائية التي تم انتهاجها خلال أحداث الحسيمة وجرادة وزاكورة..، وخلال أزمة المقاطعة أو خلال تدبير ملف المساطر الضريبية والإجراءات الجمركية المتعلقة بالتجار والمهنيين.

وأشار الأخ نزار بركة إلى أن أزمة الثقة تستفحل بشكل أكبر جراء خوض مكونين من الأغلبية المشكلة للحكومة الحالية وهما حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار لحملة انتخابية سابقة لأوانها، منبها إلى خطورة هذا الوضع الذي سيجعل المواطنين رهينة حكومة غارقة في الصراعات، مما يؤدي إلى تعطيل مصالح المواطنات والمواطنين التي لا تنتظر، وأوراش البناء والإصلاح المعلن عنها، داعيا الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها في بلورة تدابير ناجعة وحلول عملية والتفاعل السريع في التجاوب مع الحاجيات الملحة لشرائح واسعة من الشعب المغربي، ولاسيما في توفير فرص الشغل، وحماية القدرة الشرائية ومواجهة غلاء المعيشة وتقوية الطبقة الوسطى، وغيرها من المحاور ذات الأولوية الحيوية حاليا التي سبق أن قدم بشأنها فريقا حزب الاستقلال بالبرلمان مذكرة إلى رئيس الحكومة من أجل قانون مالي معدل في منتصف سنة 2018.  
 
وتطرق الأخ الأمين العام إلى التأخير المفرط المسجل في آجال الأداءات لدى القطاع العام، أو تلك الناتجة عن المعاملات بين مؤسسات القطاع الخاص والتي تكرس أزمة الثقة نظرا لبطء الحكومة في إيجاد حلول ناجعة لهذا المشكل الذي يؤرق بال المقاولات المتوسطة والصغيرة والجد صغرى والتي تعتبر المتضرر والخاسر الأكبر من هذا التأخير الذي يجعلها عرضة للإفلاس، مستعرضا المسار التنظيمي والتشريعي الذي تم قطعه من خلال القانون المتعلق بمدونة التجارة وسن أحكام خاصة بآجال الأداء وإحداث مرصد آجال الأداء، الذي يشكل فضاء للتشاور من أجل إيجاد حلول متلائمة مع هذه الإشكالية، منوها بالمبادرة التي قامت بها رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين والمقترحات التي قدمتها للحكومة لإحداث مقاربة جديدة لتسريع آجال أداء المستحقات التجارية، مؤكدا أن الحزب سيقدم مقترح قانون في هذا الإطار يتضمن تفعيل آلية أتوماتيكية تمكن من الضغط على المقاولات لإحترام الآجال التعاقدية للأداء.
 

وأبرز الأخ نزار بركة أن الحكومة لم تقدم تصورها ومنظورها للنموذج التنموي الجديد إلى حد الآن، ولم تلتزم بالآجال التي سبق أن حددها جلالة الملك فيما يتعلق باللقاء الوطني للتشغيل والتكوين والذي كان من المفروض أن يتم تنظيمه شهر دجنبر الماضي ولم تلتزم كذلك بالآجال المحددة من طرف الدستور بالنسبة لبعض القوانين التنظيمية وهو ما يظهر مدى تملص الحكومة من مسؤوليتها.
 
وختم الأخ الأمين العام كلمته ببعض الحلول التي يقترحها على الحكومة لتخطي وتجاوز شبح انعدام الثقة، حيث شدد على ضرورة جعل النموذج التنموي الجديد فرصة من أجل فتح نقاش عمومي مهم لإستخراج الاختيارات الكبرى والخروج من هذا النقاش بتعاقد اجتماعي جديد ما بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى إطلاق مسلسل لتقييم كل الاستراتيجيات القطاعية تسهر عليه مؤسسات دستورية مستقلة، إلى جانب دعوة الحكومة بناء على هذا التقييم إلى مراجعة برنامجها الحكومي يؤخذ بعين الاعتبار خارطة الطريق الاستراتيجية التي أطلقها جلالة الملك بخصوص ورش الإصلاحات الكبرى، وأن تكون هذه المراجعة بمثابة تمهيد للتحول المنشود نحو النموذج التنموي الجديد.
 
كما اقترح تدابير استعجالية لتعزيز الثقة، وذلك من قبيل وضع سياسة مندمجة خاصة بالمقاولة بالإضافة إلى إعادة النظر في التكوين المهني وعلاقته بالمقاولة، وحل مشكل آجال الأداءات، بالإضافة إلى وضع مقترح قانون للبرمجة الجبائية، ومراجعة كل التحفيزات المقدمة من طرف الدولة، إلى جانب الحاجة الملحة إلى قانون ضد تنازع المصالح.