بوابة حزب الاستقلال

الأخ شيبة ماء العينين: قد توجد أحزاب لا ديمقراطية ولكن لا ديمقراطية بدون أحزاب

الجمعة 26 أبريل 2019

شارك الأخ شيبة ماء العينين رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال، مساء يوم الجمعة 26 أبريل 2019 بالرباط، في ندوة وطنية هامة تنظمها شبيبة العدالة والتنمية حول موضوع "العمل السياسي بين تعزيز الإصلاح ومخاطر التبخيس"، وهي الندوة التي عرفت مشاركة كل من السيد سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية والسيد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية.

وتناول الأخ شيبة ماء العينين الكلمة، معربا في مستهلها عن شكره لشبيبة حزب العدالة والتنمية ومن خلالها لقيادة وأطر هذا الحزب الوطني على دعوة حزب الاستقلال للمشاركة في هذه الندوة القيمة التي تشكل إسهاما، مشكورا، في محاولة تسليط الضوء على: "العمل السياسي بين تعزيز الإصلاح ومخاطر التبخيس" وهو موضوع يحظى باهتمام شرائح عريضة من المجتمع المغربي وخاصة المهتمين بالشأن الحزبي، وذلك من أجل البحث عن أنسب الطرق والآليات الضرورية لتعزيز العمل الحزبي وإصلاح المشهد السياسي، لمواجهة التحديات التي تكنتف المسار الديمقراطي ببلادنا.
 

وسجل الأخ شيبة أن مناوئي الأحزاب السياسية يجب أن يعلموا أن الانتماء الحزبي والتعددية الحزبية متجذرين في فكر ووجدان الشعب المغربي، إذ تميز النظام السياسي ببلادنا منذ بداية القرن الماضي بالتعددية الحزبية، انطلاقا من تنوع توجهات أقطاب الحركة الوطنية ذات الجذور الاجتماعية والمشارب الفكرية المتنوعة، وانسجاما مع طبيعة المواطن المغربي الميال إلى الحوار والانفتاح والتسامح مع الرأي الآخر على امتداد تاريخه الحافل.
 
كما ذكر الأخ شيبة ماء العينين الشباب الحاضر لأشغال هذه الندوة الوطنية، بأنه رغم الثنائية الحمائية التي فرضت على بلادنا في بداية القرن الماضي، فقد ظلت التعددية الحزبية قائمة على امتداد التراب الوطني، ففي المنطقة السلطانية الخاضعة للحماية الفرنسية تشكلت كتلة العمل الوطني 1937 والحزب الوطني ثم حزب الاستقلال 1944، الحزب الشيوعي المغربي 1945، حزب الشورى والاستقلال 1946، كما نجد في المنطقة الخليفية الخاضعة للنفوذ الإسباني حزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة.
 

وأبرز الأخ رئيس المجلس الوطني للحزب أنه غداة الاستقلال كرست بلادنا مبدأ التعددية الحزبية والنقابية بصدور ظهير الحريات العامة سنة 1958 في عهد حكومة الحاج أحمد بلافريج بالرغم من أن المناخ السياسي العام في الدول العربية والعالم الثالث كان مشحونا بالأفكار والمبادئ الداعية إلى اعتماد الحزب الواحد.
 
استهداف الأحزاب السياسية في بلادنا ليس أمرا حديثا، يقول الأخ شيبة، بل تزامن مع ظروف نشأة النشاط الحزبي إبان الحركة الوطنية، بغية التنقيص من أدوارها والتشكيك في نواياها وتنفير المواطنين من الانخراط فيها، وزرع الشكوك فيما بينها وبين النظام، ورغم تغيير الأشخاص وتنوع الأهداف وتباين الغايات، إلا أن نهج الاستهداف ما زال قائما بدرجات متفاوتة لدى خصوم الديمقراطية، بفعل تأثير مصالح بعض الجهات والأطراف، علاوة على اختلاف المنطلقات الفكرية والمرجعيات المذهبية لدى الكثير من الفاعلين في عدة مجالات.
 

وأضاف الأخ شيبة ماء العينين أنه رغم ما ترتب عن الاستهداف من تداعيات، حققت بلادنا تراكمات هامة في العمل السياسي المليء بالمعطيات، والأحداث المطبوعة بالمد والجزر، والتجاذبات بين الفاعلين السياسيين فيما بينهم وأيضا فيما بينهم مع السلطات في مراحل متعددة ولكن الجميع ظل حريصا على صيانة التعددية الحزبية إلى الآن، مشيرا إلى أن هذا التدافع والصراع المركب والمتعدد الأبعاد قد أثمر إنضاج القناعة لدى المعنيين بضرورة العمل على تحقيق إصلاح سياسي حقيقي يأخذ في الاعتبار طبيعة التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع ويشهدها العالم.
 
ونبه الأخ رئيس المجلس الوطني للحزب إلى أن خصوم التوجه الإصلاحي عملوا في الماضي ويعملون في الحاضر وسيعملون في المستقبل بكل الوسائل المتاحة لهم على اتخاذ استراتيجيات لمناهضة وإعاقة هذا التطور الإيجابي والذي يتطلب تظافر جهود ذوي الإرادات الخيرة السياسية والحقوقية، من أجل تنويع وإثراء أوراش الإصلاح وتقويتها، وإشاعة ثقافة الحوار والانفتاح لتجاوز الحواجز النفسية القائمة، وتخطي كل المعوقات الموروثة والمستحدثة بشتى أنواعها، لصيانة ما حققته بلادنا من إنجازات على مسار التحول السياسي الديمقراطي، والعمل على تحصين ورش الإصلاح في عموميته وفي كل أبعاده، من ما يتهدده من إرادات معاكسة متشعبة التمظهرات ومتعددة المواقع.
 

وفي هذا السياق، أكد الأخ شيبة على ضرورة توفر القادة السياسيين والأطر الحزبية على الحد اللازم من الخيال السياسي الإبداعي، والحدس السليم، والبصيرة المتنورة لاستيعاب الأحداث وقراءتها برؤيا متبصرة واستشرافية، ودراسة تناقضاتها أو تكاملها واستكناه الخيوط الناظمة لها والعلامات الفارقة فيما بينها، وتحديد التصورات وفق ما يتناسب مع الإمكانيات المتوفرة، وما يتماشى مع واقع الأوضاع التي تتبدل باستمرار، للتصدي بحكمة وتروي لما يدبره خصوم الإصلاح، وإيجاد حلول ناجعة للقضايا المطروحة بحكامة جيدة.
 
وسجل الأخ شيبة ماء العنين أن الذين يدعون الديمقراطية ويحاولون تبخيس العمل السياسي وتنفير المواطنين من الانخراط في الأحزاب السياسية بشتى الوسائل يسبحون ضد تيار التطور، ومسار التاريخ، ويعاكسون طموح المواطنين، ويتناقضون مع نص وروح الدستور الذي نص في فصله السابع على العلاقة المباشرة للأحزاب مع المواطنين وحملها مسؤولية التأطير والتكوين السياسي، والمشاركة في ممارسة السلطة على قاعدة التناوب بالوسائل الديمقراطية في نطاق المؤسسات الدستورية.
 

وأشار الأخ رئيس المجلس الوطني للحزب إلى أن نص الدستور وما جرى به العمل في الديمقراطيات العريقة والحديثة، يرسخ لدى الجميع القناعة، بأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية في غياب أحزاب جادة، باعتبارها مصانع لإنتاج الأفكار، ومشاتل لتكوين النخب المؤطرة والمتمرسة بالاهتمام بالشأن العام، مؤكدا إمكانية وجود أحزاب بدون ممارسة ديمقراطية، ولكن الحقيقة الثابتة هي أنه لا وجود لديمقراطية حقيقية بدون أحزاب سياسية جادة، وذلك لأن التاريخ أثبت أن هناك علاقة عضوية بين الأحزاب السياسية والديمقراطية باعتبارهما أمران متلازمان مرتبطان وجودا وعدما، مستحضرا مقولة للفقيه الدستوري النمساوي هانس كيلسن الذي قال "إنه من الوهم القول بأن الديمقراطية توجد بدون أحزاب".
 
وأبرز الأخ شيبة أنه لابد من إقرار حقيقة أخرى، هي أن هناك ممارسات داخل بعض الأحزاب تخدم ما يُحاك ضدها أو يُنسب لها من سلبيات، وخاصة انعدام الديمقراطية الداخلية، وعدم احترام أنظمتها القانونية الخاصة بها، وعدم السماح بتعدد الآراء داخل مؤسساتها وهياكلها، واللجوء إلى تبادل الاتهامات، مما يولد الشعور لدى بعض مناضليها بانعدام إمكانية التأثير في سياسة الحزب وتوجهاته، ويضطرون إلى مغادرة صفوفه، الأمر الذي يعطي انطباعا ضارا بصورة الحزب، وهي السلوكات التي أدت إلى نمو ظاهرة الانشقاقات التي كان لها إسهام سلبي في صورة المشهد السياسي ببلادنا.
 

مؤكدا أن ظاهرة الانقسامات لم تكن دائما راجعة إلى اختلالات تنظيمية داخلية أو اختلاف في الآراء المذهبية والإيديولوجية بين المناضلين، بل علاوة على ذلك كانت أيضا في بعض الأحيان راجعة إلى عوامل أخرى خارجية، ناتجة عن اختراقها من جهات مناوئة وكثيرا ما يقال بأن يد السلطة لم تكن بعيدة عن بعض الحالات، مسجلا بأن النضال الحزبي من أجل التحديث السياسي وتحقيق الديمقراطية، رغم ما اكتنفه من صراعات وتحالفات، قد حقق في نهاية المطاف انفراجا هاما وتحولا أدى إلى الدخول في المسلسل الديمقراطي وتثمين دور الأحزاب السياسية.
 
ولا أدل على ذلك، يقول الأخ شيبة ماء العينين، تأكيد جلالة الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة على الأهمية التي يوليها للعمل الحزبي، مستدلا بما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة تربعه على عرش أسلافه الميامين في 30 يوليوز 2003 "إن انشغالنا الصادق بإعادة الاعتبار للعمل السياسي بمعناه النبيل يجعلنا نجدد التأكيد على وجوب التعجيل بإقرار قانون خاص بالأحزاب، تجسيدا لحرصنا الأكيد على تمكينها من الوسائل الناجعة لتفعيل دورها على الوجه الأكمل"، معتبرا أن هذه المبادرة الملكية السامية ردا صريحا عميق الدلالة على من يحاول تبخيس العمل الحزبي، أو التنقيص من أدوار ومصداقية الأحزاب السياسية.
 

 
وفي ظل هذا التوجه، أبرز الأخ شيبة أن حزب الاستقلال ما فتأ يؤكد على ضرورة العمل على إعادة الثقة في الفاعل الحزبي والفعل السياسي، وهو ما يقتضي مزيدا من الجهد في مواصلة العمل على إعادة تأهيل الحقل السياسي لتمكين الأحزاب من القيام بدورها كاملا في تأطير وتوجيه المواطن، وتبني مَظالمه ومطالبه المشروعة، والوساطة مع المجتمع في استباق وتدبير الأزمات، وبلورة الحلول واقتراح البدائل، والترافع عن القضايا الوطنية ومحاربة الفساد بكل تجلياته السياسية والإدراية والمالية ودعم تفعيل معايير الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
 
كما سجل الأخ رئيس المجلس الوطني للحزب أنه وعيا بهذه الرسالة النبيلة والمسؤولية التي حملها الدستور للأحزاب، دعا حزب الاستقلال إلى ممارسة فضيلة النقد الذاتي البناء لتحسين وتجويد الأداء الحزبي من خلال ترسيخ ثقافة الالتزام بالتعهدات وربط القول بالفعل، الشيء الذي يتطلب انخراط كل فئات المجتمع، وكل وسائل الإعلام العمومي والمستقل والحزبي، وجميع النخب التي عليها أن لا تظل في موقع الملاحظ أو المتفرج وخاصة الشباب الذي يتعين تحفيزه على الاهتمام بالشأن السياسي، وإشراكه في تدبير الشأن العام والاستفادة من طاقاته الخلاقة، في وقت أصبح فيه حصول الشباب على فرص عمل ضرورة ملحة علما بأن تطلعات الشباب كانت من أبرز عوامل الحراك التي شهدتها وما تزال تشهدها بعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، لذا فمن الحصافة وحسن التدبير أن تحوٍّل هذه الطاقات الشابة إلى فاعل إيجابي وعدم النظر إليها على أنها عبء مقلق.
 

وأكد الأخ شيبة أنه بهذه الروح التعبوية ينخرط الجميع في الإسهام في التصدي لدعاة التيئيس، والرد على الحملة الممنهجة القديمة والمتجددة ضد آليات بناء المسار الديمقراطي، وذلك بالعمل أيضا على إعادة الثقة في المؤسسات المنتخبة وطنيا وترابيا، وعدم التشويش على أداء أدوارها في تمثيل وتأطير وتوجيه المواطنين، هذا علاوة على ضرورة توسيع قاعدة النخب السياسية وذلك من خلال إطلاق حوار وطني للمصالحة بين مختلف مكونات النخبة الوطنية، لتجاوز التقاطبات بين السياسي والتكنوقراطي، وبين الاقتصادي والسياسي، وبين المناضلين الحزبيين والأعيان الترابيين، وذلك بدعوة كافة القوى الحية إلى الالتفاف حول لحظة سياسية توافقية كبرى، بعيدا عن التدافع والتصادم، لتحصين المكتسبات وتجديد الالتزام الجماعي بروح ومسار الإصلاح، وإعطاء إشارات سياسية قوية بأجندة واضحة للمرحلة القادمة، من شأنها استعادة الثقة في السياسة ومؤسساتها.
 
كما أبرز الأخ شيبة ماء العينين أن حزب الاستقلال يعتقد أن الممارسة العملية لقانون الأحزاب السياسية أبانت عن أنه أصبحت هناك حاجة إلى فتح نقاش عمومي من أجل مراجعته، لاسيما فيما يتعلق باعتماد مزيد من الشفافية، مع تعبئة الإمكانيات الضرورية وتنويع مصادرها لكي تواكب التطورات وتحصن الفعل السياسي.
 

وختم الأخ شيبة ماء العينين كلمته، مستدلا بمقولة للزعيم علال الفاسي بشأن أهمية الأحزاب السياسية إذ يقول في محاضرة له بعنوان "الحرية"، "الأحزاب السياسية ضرورة من ضرورات الديمقراطية ولا يمكن تصور حكومة ديمقراطية ولا انتخابات حرة في بلد ما إلا إذا كانت هناك أحزاب سياسية حقيقية"، كما  "إن كثيرا من المتحججين في المشرق العربي وفي المغرب العربي ينادون بالقضاء على الأحزاب السياسية وينسبون إليها كل ما يصيبهم من مكروه، والواقع أنهم يتجنون على الأحزاب ويقولون إن الخير للأمة أن تكون فيها حكومة لا انتمائية (تكنوقراطية)، ولكنهم يخطئون"، "فالأحزاب مدرسة تعلم الجماهير التفكير الجماعي وتخرج الرأي العام الحقيقي الواعي المفكر المؤمن بقضايا وهموم البلاد".
 
كما أبرز الأخ شيبة أن الزعيم الراحل علال الفاسي ضرب المثال بفرنسا وكأنه يتحدث عنها اليوم، حيث قال عنها في ذات الندوة، "فلو فرضنا أن فرنسا ليس بها أحزاب ماذا سيكون؟ بحيث ستخرج هذه المناقشات التي تقع بين الأقطاب إلى الشارع وستقوم الإضرابات والثورات والمظاهرات وتضيع الحريات"، كما "أن الأحزاب ليست مؤسسات لتجميع الناس ليناصروا زعماءهم وينتخبوهم ويعدوهم للحكم، ولكنها مدرسة شعبية قبل كل شيء".
 
وسجل الأخ شيبة ماء العينين أن حزب الاستقلال يؤكد أنه لا مناص من تقوية الأحزاب الديمقراطية والوسائط الاجتماعية والمدنية ودور المؤسسات، لضمان الاستقرار والنمو المشترك والارتقاء بالجميع.