بوابة حزب الاستقلال

الأخ نزار بركة.. مشروع قانون مالية 2020 تدابير تعزيز الثقة حلقة مفقودة وتكريس للتملص الضريبي وفقدان العدالة الجبائية

الاحد 27 أكتوبر 2019

عقد الفريق البرلماني الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلسي النواب والمستشارين، يوم السبت 26  أكتوبر الجاري بالرباط، لقاءا دراسيا هاما، وذلك من أجل تدارس مقتضيات "مشروع قانون مالية 2020"، وهو اللقاء الذي شكل فرصة لتقييم هذا المشروع انطلاقا من وجهة نظر الحزب الهادفة إلى تحقيق التعادلية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، في أفق إعداد الحزب لتدابير بديلة لإقتراحها من أجل تقويم وإغناء هذا المشروع المالي.
 
وعرف هذا اللقاء الدراسي الذي ترأس أشغاله كل من الأخوين نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، وعبد السلام اللبار رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين، عددا من المداخلات الهامة للإخوة في قيادة الحزب وروابطه المهنية وهيئاته الموازية وخبراء في المجال الاقتصادي والمالية العمومية، والتي تدارست مقتضيات المشروع، كما شرحته في شقه الاجتماعي، وفيما يخص التدابير الاقتصادية ومحددات النمو التي يجب أن يتوفر عليها، إلى جانب مقاربة ما يتضمنه من مقتضيات بخصوص دعم المقاولة وتحفيز الاستثمار، ومتطلبات التنمية المنشودة، بالإضافة إلى تحليل التدابير الجبائية المتضمنة في هذا المشروع المالي.

وفي كلمة له بالمناسبة، أكد الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، أن مشروع قانون المالية لسنة 2020 يحمل صبغة خاصة، لأنه يأتي بعد إجراء تعديل حكومي كما أمر به جلالة الملك في خطاب العرش، والذي اشترط أن يطبع هذا التغيير أو التعديل الحكومي مواصفات  الكفاءة والنجاعة والفعالية، والتي كان من المفروض أن تنعكس على هذا المشروع المالي ليعرف التطور المنشود.
 
كما أبرز الأخ الأمين العام أن هذا المشروع المالي يأتي في محطة سياسية خاصة، لأنه يعتبر عمليا هو آخر مشروع قانون مالية متكامل ستقدمه هذه الحكومة وستسهر على تطبيقه  وذلك على اعتبار أنها في سنة 2021 لن تتمم التدابير الضريبية التي ستنفذ سنة بعد ذلك ، كما يأتي كذلك في ظرف اقتصادي دقيق على الصعيد الوطني، حيث يعيش الاقتصاد الوطني على وقع تراجع في معدلات النمو والاستثمار الداخلي والخارجي، وبطء كبير مسجل في وتيرة الاستهلاك، وتراجع ملحوظ للودائع في الأبناك، بالإضافة إلى تعميق أزمة الثقة التي تزداد اتساعا يوما بعد يوم.
 

وأوضح الأخ نزار بركة أن الحكومة من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2020، لا زالت تعاند في نفس الاختيارات التي أدت إلى انكماش منسوب الثقة التي تظل الحلقة المفقودة في هذا المشروع، حيث تؤكدها عدة مؤشرات دالة من بينها تراجع نسبة  قروض الاستثمار التي لا تتجاوز 1 في المائة، زيادة عن الارتفاع المهول لحجم الشيكات التي يتم إصدارها بدون رصيد، إلى جانب الارتفاع الملحوظ للقروض التي لم يتم استرجاع مواردها أو معلقة الأداء، منبها إلى خطورة مواصلة النهج الحكومي لسياسة اقتصادية موغلة في الليبرالية المتوحشة والتي أثبتت التجارب الدولية إضرارها بالقدرة الشرائية للطبقة المتوسطة وتقويضها لفرص ارتقائها الاجتماعي ومعاكستها لروح التضامن والعدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي وتأجيجها لمنسوب الإحتقان.
 
وفي ضوء التوجيهات الملكية لإحداث لجنة خاصة للنموذج التنموي الجديد ووضع جيل جديد من المخططات القطاعية، سجل الأخ الأمين العام أن حزب الاستقلال كان يأمل في أن تتجاوب الحكومة من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2020 مع هذه التوجيهات وأن يشكل هذا المشروع فرصة للاستجابة لنبض الشارع، وإحداث قطيعة مع السياسات التي أبانت محدوديتها وفشلها على أرض الواقع، لكن هذه الحكومة أخلفت الموعد مرة آخرى في جعل مشروع قانون المالية محطة لإقرار تدابير فعلية وجريئة لاسترجاع الثقة في الاقتصاد الوطني، وثقة المواطنات والمواطنين في المستقبل .
 

كما أوضح الأخ نزار بركة أن الثقة المفقودة لا يمكن أن يتم استرجاعها بجرة قلم أو بتدبير جبائي فريد، مؤكدا أن الثقة هي تصور ورؤية وإشارات اطمئنان وتفاعل مع انتظارات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمركزيات النقابية وانشغالات المواطنات والمواطنين، لأن الحكومة بالرغم من كل الشعارات والأهداف التي قدمتها بخصوص هذا المشروع في محاولة منها لتلميعه إلى أنه يظل مشروعا قاصرا عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة لأنه ببساطة مجرد مشروع مالي يأتي من أجل تدبير عجز الميزانية.
 
وفي تحليل للتدابير الجبائية المتضمنة في هذا المشروع المالي، أوضح الأخ الأمين العام أن الحكومة للأسف الشديد تنهج ترددا وضبابية وتذبذبا في تدبيرها للقرار الجبائي، مؤكدا أن استعادة الثقة بين الإدارة والملزمين ومحاربة التهرب الضريبي تعتبر ضرورة ملحة، لكنها يجب أن تتم وفق تصور واضح يحمل أبعاد تنموية ومهيكلة للاقتصاد الوطني ويهدف إلى تطوير وتنزيل الأهداف المسطرة في المناظرة الوطنية حول الجبايات، وليس فقط بإطلاق عفو ضريبي جديد هدفه الوحيد هو تعبئة أكبر كم من الموارد المالية وإيداعها بالأبناك والخزينة العامة كون الحكومة غير قادرة على حصر نسبة العجز في 3,5 في المائة، مشيرا إلى أن هذا العفو الضريبي لو استهدف إدماج القطاع غير المهيكل واستقطابه نحو الشفافية والاعتراف بما سبق، سيكون هذا العفو ناجعا وبانيا للمستقبل.
 

كما تساءل الأخ نزار بركة عن ما مدى توفر الحكومة على رغبة حقيقية في استرجاع الثقة والاعتماد في ذلك على العفو الضريبي، معتبرا أن هذا التدبير الجبائي يطرح في حد ذاته عددا من الاشكالات، أولها أن الحكومة بنفس أغلبيتها أكدت في سنة 2014 أن هذه المساهمة الإبرائية تعد آخر فرصة لإعمال العفو فيما يخص مخالفي قانون الصرف، الذين يتوفرون على ممتلكات خارج البلاد، أموالا أو عقارات، سواء كانوا أشخاصا معنويين أو طبيعيين، والآن تعود الحكومة بعد خمس سنوات بنفس الإجراءات وبنفس الوعد، وبالتالي ليست هناك ضمانات بعدم تنزيل هذا التدبير للمرة الثالثة، وهذا ما يطرح إشكالا آخر يتمثل في فقدان الثقة في خطابات الحكومة.
 
وأكد الأخ الأمين العام أن إبراء الملزمين من الفحص والمراجعة الجبائية، مقابل التصريح وأدائهم نسبة 5 في المائة من مبلغ ما سيتم إيداعه لدى الأبناك والمتحفظ بها من أوراق نقدية من لدن الأشخاص الذاتيين، يعتبر تخليا عما يجب أداؤه من مستحقات للدولة، وخرقا للدستور على مستوى تكافؤ الفرص والمساواة أمام الضريبة والعدالة الجبائية، ومسا بشعور الطمأنة والانخراط في احترام القوانين، حيث أن الوجه الآخر لهذه المبادرة يتمثل في التصرف بالنفقات والأموال بكل حرية بعد التصريح دون مراجعة للضريبة على الدخل.
 

كما أكد الأخ نزار بركة أن استعادة الثقة لصيقة باحترام الوعود والرؤية البعيدة الأمد، وهو ما لا يتوفر في هذه الحكومة التي نقضت وعودا التزمت بتنفيذها من خلال قانون مالية 2019 خاصة فيما يتعلق بإخراج قانون الاستثمار، والجهات النائية التي لم تستفد من أي تمييز جبائي أو تحفيزات ضريبية.
 
وسجل الأخ الأمين العام أن هذا المشروع المالي يظهر مدى افتقاد الحكومة إلى رؤية استباقية واحترازية لمواجهة التقلبات الأسعار الدولية، خصوصا بالنسبة لأسعار النفط والغاز، بالرغم من التراجع الكبير في نفقات المقاصة، مؤكدا أن الحكومة لا تزال مصرة على الاستمرار في نهج نفس السياسات الهادفة إلى توسيع الفوارق الاجتماعية والمجالية عوض العمل على تقليصها، وهي المقاربات والسياسات التي أثبتت عجزها في التجاوب مع الحاجيات الملحة والمطردة للمواطنين، فعلى سبيل المثال هناك تزايد في أعداد المستفيدين من نظام المساعدة الطبية "راميد" مقابل ميزانية ضعيفة وصلت 1,8 مليار درهم، بينما لمواجهة الخصاص والاستجابة لمستوى التطلعات، يجب رصد 3 إلى 5  ملايير درهم.
 

كما انتقد الأخ نزار بركة استمرار منطق التعاقد في المنظومة التعليمية، وعدم تمكن المناصب المالية المرصودة من  الاستجابة لتعميم التعليم الأولي، ومحدودية الإمكانيات لتنزيل القانون الإطار المتعلق بالإصلاح منظومة التربية والتكوين، ناهيك عن التوزيع غير المنصف للاستثمارات بين الجهات، وتعثر نقل الاختصاصات لها في إطار الجهوية المتقدمة، وسيادة منطق تأهيل التجهيزات التحتية بالعالم القروي على المنطق التنموي، والتأخر الحاصل في تنزيل السجل الاجتماعي الموحد الذي يؤجل إرادة الاستهداف وتحسين وضعية الأسر المعوزة والفقيرة.