بوابة حزب الاستقلال

النص الكامل للعرض السياسي الهام للأخ نزار بركة في افتتاح أشغال الدورة الثانية العادية للجنة المركزية لحزب الاستقلال من العيون

السبت 6 أبريل 2019

وفقا لمقتضيات النظام الأساسي للحزب، ترأس الأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، يوم السبت 6 أبريل 2019  بقصر المؤتمرات بحاضرة الأقاليم الجنوبية للمملكة مدينة العيون، أشغال الدورة الثانية العادية للجنة المركزية للحزب، وذلك في ظل حضور وازن لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وحضور مكثف للأخوات والإخوة أعضاء اللجنة المركزية للحزب.

وتميزت هذه المحطة التنظيمية الهامة، بالعرض السياسي للأخ الأمين العام للحزب، كما خصصت اللجنة المركزية اجتماعها للتداول والنقاش في قضايا التعليم والتكوين، ليتم بعد ذلك عرض ورقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية المنبثقة عن اللجنة المركزية للحزب والتي قدمت تصورا يجيب عن سؤال مركزي : "ما هي المدرسة التي يريدها حزب الاستقلال لبلادنا ؟".

وفيما يلي النص الكامل للعرض السياسي الهام للأخ نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال بأشغال الدورة الثانية العادية للجنة المركزية للحزب :

يشرفني أن أكون بينكم اليوم، هنا في رحاب مدينة العيون المنيعة، حاضرةِ الصحراء المغربية، لافتتاح أشغال الدورة الثانية العادية للجنة المركزية لحزب الاستقلال؛

وكما تعلمون، وفي إطار الدينامية التنظيمية الجديدة لمؤسسات الحزب، حرصنا على أن تكون مدينةُ العيون أولَ محطة جهوية تحتضن أشغال اللجنة المركزية، على أنْ ننتقلَ مستقبلاً إلى جهاتٍ أخرى في حدود دورتين كلِّ سنة، وذلك تكريسا للعمق الترابي الذي نعتبره خيارا استراتيجيا بالنسبة إلينا سواء في الحكامة الداخلية للتنظيم، أو في المواقف الترافعية والمبادرات الاقتراحية التي نتخذها في خدمة المواطنات والمواطنين، ولا سيما في المجالات الترابية؛

ولم يكن من باب الصدفة أن يقعَ الاختيارُ على العيون –مدينةً وجهةً- لاحتضان أشغال اللجنة المركزية في دورتها الثانية، ولكنه يُجسدُ المكانة الغالية التي تحتلُّها أقاليمنُا الجنوبية في تقديرِنا ووجدانِنا جميعا كمواطنات ومواطنين من باقي ربوع المملكة؛

   كما يترجمُ هذا الاختيار تحيةً نضالية عالية إلى ساكنة هذه المدينة وباقي أقاليم الجهة، التي وضعت ثقتها في حزب الاستقلال، وفي المشروع الوحدوي والتعادلي للزعيم علال الفاسي، لتمثيلها في المؤسسات المنتخبة محليا وجهويا ووطنيا؛

ونحن، في حزب الاستقلال، مقتنعون تمام الاقتناع بأهمية تنشيط الحياة السياسية في أقاليمنا الجنوبية، وتشجيع المشاركة الديمقراطية في الشأن العام ومسلسل اتخاذ القرار المحلي والجهوي، لا سيما بالنسبة للشباب والنساء، من أجل تقوية الجبهة الداخلية، في مواجهة ادعاءات ومناورات خصوم الوحدة الترابية؛

 وفي هذا الصدد، لا يمكننا إلا أن ننوه بهذه المقاربة الجديدة التي تقوي التمثيلية الديمقراطية في أقاليمنا الجنوبية، وذلك  من خلال تكريس مشاركة منتخبي أقاليمنا الصحراوية وممثلي ساكنتها للمرة الثانية، في الوفد المغربي المشارك في المائدة المستديرة التي جرت مؤخرا بجنيف تحت إشراف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد هورست كوهلر، حول النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية؛ 

 ونعربُ عن الاعتزاز الكبير كذلك بالمساهمة الفاعلة لكل من الأخ سيدي حمدي ولد الرشيد رئيس جهة العيون الساقية الحمراء، والأخ ينجا الخطاط رئيس جهة الداخلة وادي الذهب، في تعزيز القوة التفاوضية للموقف المغربي الثابت؛

 وهذا، إلى جانب الجهود المبذولة من قبل كافة المنتخبين المحليين وفعاليات المجتمع المدني المسؤول في هذه الأقاليم، بتنسيقٍ محكم من الأخ مولاي حمدي ولد الرشيد، الذين خاضوا إلى جانب الديبلوماسية الرسمية، معركة اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي وغيرهما من برامج التنمية والتعاون الدوليَيْن، والتي انتهت والحمد لله إلى تأكيد استفادة ساكنة الأقاليم الجنوبية من منافع الموارد الطبيعية المحلية، وثمار الاتفاقيات الدولية والبرامج التنموية؛

وهذا ما نعتبره نحن في حزب الاستقلال إحقاقا لحقِ السيادة لبلادنا على مختلف أرجاء التراب الوطني؛

 وتجدر الإشارة إلى أن ما يُعززُ صلابةَ الطرح المغربي، واتساع دائرة الثقة من قبل المجتمع الدولي في واقعية وجدية مقترح الحكم الذاتي لتسوية هذا النزاع المفتعل، هو ما تشهده العيون وغيرها من الأقاليم من إقلاع تنموي ملموس ومطرد، ولا سيما بعد تفعيل النموذج الجديد للتنمية في جهات الصحراء المغربية من قبل جلالة الملك بغلاف مالي يناهز 80 مليار درهم؛

وذلك خلال زيارة جلالتِه التاريخية الميمونة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، وحيث تم إعطاءٌ الانطلاقة الفعلية للجهوية المتقدمة من هنا،  من مدينة العيون، التي شهدت إبرام أولى البرامج التعاقدية بين الدولة والجهات؛

 وإننا إذ نثمن في حزب الاستقلال هذا المنحى الاستراتيجي لإعطاء الصدارة لهذه الجهات في تطبيق ورش الجهوية المتقدمة على أرض الواقع، لندعو الحكومة إلى التسريع بنقل الاختصاصات إلى المجالس الجهوية، التي من شأنها التمهيد لأفق الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية؛

ولمواكبة الوتيرة الجديدة للمنتظم الأممي وبعض القوى الدولية والقارية والإقليمية في التعاطي مع قضية وحدتنا الترابية، فإننا نجدد دعوتنا إلى مختلف الفرقاء السياسيين والمؤسسات التمثيلية والقوى الحية إلى التعجيل بتشكيل الجبهة السياسية للدفاع عن وحدتنا الترابية، التي التزَم بإحداثها لقاء العيون التاريخي، لتكون هذه الجبهة منصة لتنسيق مبادرات وآليات الترافع والتواصل والتأثير لدعم القضية الوطنية والتصدي للأطروحات المناوئة، وذلك وفق المرجعيات الراسخة التي لا تراجعَ عنها، والمعتمدة من طرف مجلس الأمن لإيجاد حل سياسي واقعي وعملي ومستدام لهذه القضية المفتعلة؛

وبالتالي، نحن كذلك نشاطرُ الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، في قناعته بأن "الحلَّ ممكن"، ونثمن إشادته بالمبادرة الملكية السامية للحوار مع الجارة الجزائر كبادرةٍ لحسن النوايا؛

 ونحن مقتنعون كذلك بأن "الحلَّ آتٍ" إن شاء الله من بوابة تكريس ديمقراطية القرار المحلي وتغليب الخيار التنموي بإشراك الساكنة ولفائدتها، كما يُترجمُ ذلك مقترحُ الحكم الذاتي الذي تقدمت به بلادُنا، في سياق مساعي بناء الثقة وكأرضية لمسلسل التسوية؛   

أخواتي وإخواني؛
حضرات السيدات والسادة؛

تلتئِمُ اللجنة المركزية اليوم بعد تحيينِ نظامها الداخلي، وهيكلةِ لجانها الفرعية الدائمة، وتسطير برامجِ عملها المتعلقة بالأبحاث والدراسات التي يتعيَّنُ أن تنكبَ عليها، وذلك في مواكبة المواقف والمبادرات والحلول التي يقترحها الحزب بالأفكار والنقاش والتدابير والإجراءات العملية، في تفاعل مع  القضايا والإشكاليات والانتظارات التي يُعبر عنها المجتمع المغربي، ولا سيما الشباب منهم؛

وفي هذا الصدد، ومن أجل إعطاء دينامية وفعالية أكبرْ لعمل اللجنة المركزية، ارتأينا أن يكونَ لكل دورةٍ موضوعٌ خاص يتمحور حول الأكثر القضايا والانشغالات أهميةً وراهنيةً في الساحة الوطنية؛

وكما تقرر سابقا، اخترنا أن نخصص هذه الدورة لدراسة قضية إصلاح التعليم ببلادنا بالنظر إلى ما يعرفه هذا القطاع الحيوي، ولا سيما في السنوات الأخيرة، من اختلالات وتعثرات وفوارق متفاقمة،  ألقت بظلالها على جودة المدرسة المغربية، وعلى تنامي أزمة الثقة في المدرسة العمومية، رغم المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها فيما يتعلق بالتعميم التام للتمدرس، ورفع معدلات سنوات الدراسة، وضبط نزيف الهدر المدرسي إلى حد ما؛

 
 والواقع، أن اختيار الاشتغال على موضوع إصلاح التعليم، الذي ما فتئ يَشْغَلُ بلادَنا منذ الستينيات من القرن الماضي، بدءا من تجربة أول مجلس أعلى للتعليم سنة 1963، ووثيقة ميثاق التربية والتكوين في التسعينيات، ومرورا بالمخطط الاستعجالي في العشرية الماضية، إلى الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، ثم مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي يتضمن مبادئ وتوجهات والتزامات للتفعيل في أفق 2030 وتداعياته التي تابعناها جميعا خلال هذا الأسبوع وطيلة الأشهر الماضية...

فإن معضلة إصلاح التعليم هي أم المعضلات التي تعتري النموذج التنموي الحالي لبلادنا في مختلف أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛

ولا يخفى عنكم أنه في غياب التعليم الجيد والتكوين الملائم لا يمكن توفير الرأسمال البشري القادر على تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وتوطيد التماسك الاجتماعي، والانخراط الإيجابي في الحياة العامة والمواطنة الفاعلة على المستوى المحلي والوطني؛

لكن، وللأسف، أن هذا الرهان يغيبُ عن أولويات الحكومة الغارقة في خلافاتها الداخلية التي ترهنُ وتعطل الإصلاحات الكبرى الملحة في هذه الظرفية الدقيقة التي تعيشُها بلادُنا، والتي يؤدي المواطنات والمواطنون اليومَ كلفةَ تأخيرِها أو العدولِ عنها جُملةً وتفصيلا؛

 وها هي الأغلبية الحكومية اليوم، وبسببِ صراع الزعامات والآنانيات المُتوَرّمة، وحسابات الربح والخسارة بين مكوناتها، تخطئ موعد القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين، كما لم تنجح، ولمرات متكررة، في بلورة استرايجية ملائمة لتأهيل عرض التكوين المهني، وكفيلة بتقديم حلول حقيقية وقابلة للتطبيق لإشكاليات تكوين وتشغيل الشباب، لا سيما شباب المجالات الترابية المهمشة والمقصية من منافع الثروة الوطنية؛

ولولا التحكيم الملكي، والتتبع الشخصي لجلالة الملك حفظه الله لهذا الورش، لَمَا خرجت هذه الاستراتيجية إلى النور، ولاكْتَفَتِ الحكومةُ بالصيغة الأولية التي تقترح على الشباب استراتيجيةً من ورق، وتدابيرَ تفتقر إلى المقاربة الواقعية التي تحدد، بكيفية صارمة، الأولويات وفقا لحاجيات الاقتصاد الوطني وسوق الشغل، والانتظارات الاجتماعية وتطلعات المغاربة؛

وهي مناسبةٌ لكي نُذَكِّرَ الحكومةَ هنا بمآل الملتقى الوطني للتشغيل والتكوين الذي دعا جلالة الملك محمد السادس أيده الله إلى تنظيمه قبل نهاية السنة الماضية، وها نحن في الشهر الرابع من السنة الجديدة ولا حديثَ يُذكر حول هذا الملتقى الوطني، الذي تحوَّلَ بقدرةِ قادرٍ إلى ملتقيات جهوية بدون خارطة طريق واضحة، ولا مُخرجات ملموسة ومُلزمة...؛

فلا يخفى عنكم أن تشغيل الشباب، ولا سيما حاملوُ الشهادات منهم، هو حاليا التحدي الكبير الذي تواجهُه منظومة التربية والتكوين. فما الجدوى من التمدرس والحصول على الديبلوم الجامعي أو المهني إذا لم يُحققْ لحامله فرصَ الاندماج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير أسباب إنجاز مشروع النجاح الشخصي والأسري والاجتماعي للشابة والشاب في بلده، وجهته، وفي المنطقة التي يٌقيم فيها؛

واليوم، من حقنا أن نُسائِلَ الحكومة وأن نطلبَ منها تقديمَ الحساب المرحلي بخصوص الوعود التي سبق أن أعلنت عنها بتشغيل 1.2 مليون شابة وشاب في أفق 2021؛

بالله عليكم هل هذا التزامٌ مسؤول وهدفٌ واقعي ؟ في وقت يعرف فيه معدل النمو الاقتصادي انخفاضا يكاد يصل إلى النصف، ووتيرة تطور الاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية، في تراجع مستمر ومقلق ؟

لذلك، أثرنا انتباه الحكومة في مناسبات عديدة إلى خطورة أن يتحول الأملُ إلى خيبة وإحباط بالنسبة لشبابنا الذي نراهن جميعا على استعادته للثقة في الخطاب الرسمي وفي المؤسسات المنتخبة، وبالتالي الاستعاضة عن الهجرة إلى "الحلم الأوروبي" أو "الحلم الأمريكي، بـ"الحلم المغربي الممكن" الذي يتسع لجميع المواطنات والمواطنين ؛  

أخواتي وإخواني؛
حضرات السيدات والسادة؛
إنَّهُ من الأهمية بمكان أن ينصبَ النقاشُ حول قضايا إصلاح التعليم ببلادنا داخل مؤسسةِ اللجنة المركزية التي يُريد لها الاستقلالياتُ والاستقلاليون أن تكون فضاء للتفكير الخلاق والتحليل العلمي والقوة الاقتراحية البناءة النابعة من المرجعية التعادلية والتراكم الفكري والسياسي للذكاء الاستقلالي على مر الأجيال؛

 وإنني إذ أتوجه بالشكر والتقدير إلى الأخوات والإخوة، أعضاء اللجنة المختصة التي اشتغلوا على إعداد أرضية تأطيرية في الموضوع، لا شَكَّ في أهميتها ورصانتها، لنتطلع جميعا إلى أن يساهم الحوار والنقاش وتبادل الأفكار ووجهات النظر الذي سوف تنطلقُ أشغالُه بعد قليل، في إغناء وتعميق هذه الأرضية، في أفق أن تصبحَ وثيقةً تركيبية تتضمن تصورَ الحزب للمسألة التعليمية ببلادنا، وتقترح مداخل الإصلاح والتغيير الضرورية للنهوض بهذا القطاع الحيوي الذي ينبغي أن نجعل منه فرصةً ورافعةً للانتقال نحو النموذج التنموي الجديد؛

وعلاوة ذلك، فقد حرصنا بمناسبة عقد المجالس الإقليمية في شهر مارس المنصرم، على طرح ومناقشة قناعات ومواقف حزبنا مع المناضلات والمناضلين في العمق الترابي، بخصوص الورش المفتوح حاليا حول إصلاح منظومة التعليم، من خلال مشروع القانون الإطار الذي تتقاذَفُه مكونات الأغلبية الحكومية فيما بينها؛

 وفي هذا الإطار، نشدد مجددا على أن النهوض الهيكلي والشامل بقطاع التعليم لا يمكن إنجازُه بتدابير معزولة ومفككة أو بإجراءات ترقيعية تفتقر إلى الرؤية الواضحة والمتجانسة ذات الأمد الطويل، وإنما في حاجة إلى تحول بنيوي وعميق يقتضي إجراء قطائع أساسية تُنهي مع منطق التجريب في السياسات التعليمية، وذلك من خلال سياسة مستدامة تمكن من تأهيل المؤسسة التعليمية الوطنية كمرفق عمومي ذي جودة؛

كما اعتبرنا أن أي إصلاح لمنظومة التربية والتكوين، يتعين أن يرتسيَ على الركائز التالية:

الركيزة الأولى: الالتزام بالثوابت الجامعة للأمة المغربية، وإعطاء الصدارة للغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، مع تعزيز اللغة العربية وتنمية استعمالها وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وذلك وفق ما جاء به الدستور، مع الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا للولوج إلى المعرفة،    والعمل تسريع اخراج القانونين التنظيميين حول الأمازيغية والمجلس الوطني للغات، وكذا إدماج التنوع الثقافي للإنسية المغربية وتثمين الإرث الحضاري للهوية الوطنية بمختلف روافدها. 

الركيزة الثانية: جعل المدرسة المغربية حاضنة أساسية للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان بمختلف أجيالها، وتقوية روح الانتماء، وتلقين السلوك المدني، بعيدا عن منطق التصادم والانكماش والهويات الحصرية التي تهدد العيش المشترك.

الركيزة الثالثة: إعمال مبدإ تكافؤ الفرص وإعادة إرساء مكانة المدرسة المغربية، ولا سيما المدرسة العمومية كوسيلة للارتقاء الاجتماعي. وتمكين التلاميذ من القدرات والمهارات التي ستقوي فرصهم وحظوظهم للاندماج في سوق الشغل والمجتمع، لاسيما باستباق التحولات القادمة في سوق الشغل. وفي هذا الصدد، يؤكد الحزب على ما يلي:
الحفاظ على مجانية التعليم العمومي في مختلف المستويات، وتعبئة كل الوسائل لمحاربة الهدر المدرسي؛
تقليص الفوارق بين التعليم العمومي والتعليم الخاص، على مستوى تكافؤ الفرص والجودة؛ بما يقوي التمازج الاجتماعي؛
تقليص الفوارق بين التعليم في المدن والعالم القروي؛
مواجهة الفوارق على مستوى الهوة الرقمية بين الجهات والمجالات الترابية على المستوى الوطني.

الركيزة الرابعة: وهي متعلقة بالبعد الحكاماتي في تفعيل رؤية الإصلاح، وذلك من خلال:
الشمولية والتكامل والتجانس على مستوى الإطار القانوني (القانون التنظيمي المتعلق بترسيم الأمازيغية/ القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية /القانون الإطار/ واستراتيجية تأهيل عرض التكوين المهني...)؛
أن يكون هذا الإصلاح كما يقدمه مشروع القانون-الإطار انعطافةً مفصلية في الانتقال نحو النموذج التنموي الجديد؛
الاهتمام بأسرة التعليم وإعادة الاعتبار الاجتماعي لها، وتأهيل الإدارة التربوية بما يضمن الاستقرار الوظيفي، والتكوين الجيد، والتحفيز، والتكوين المستمر؛
إشراك الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين على الصعيد الوطني والجهوي والترابي، والجامعة، في تفعيل مقتضيات وتدابير القانون الإطار.






أخواتي وإخواني؛
حضرات السيدات والسادة؛

على هَدْيِ هذه القناعات والركائز والتي نستحضر فيها قيم التعادلية الاقتصادية والاجتماعية المتجددة القائمة على الفكر والمعرفة والعمل وتكافؤ الفرص وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، خُضنا كقيادة وفريق برلماني للوحدة والتعادلية، المسار التشريعي لمشروع القانون الإطار للتربية والتكوين، وانخرطنا بإيجابية في إيجاد مشروع توافقي كبير يجمع كل الأطياف والحساسيات داخل البرلمان والمجتمع؛

 وذلك إيمانا منا بأن مشروعا مجتمعيا بهذا البعد الاستراتيجي الممتد، وبتداعياته المتعددة وآفاقه العابرة للأجيال، لا يمكنه إلا أن يكون موضوع تعاقد يتجاوز منطق الأغلبية والمعارضة، لكي يتجند الجميع بعد ذلك في تبنيه وإنجاحه؛

 ولقد ساهمنا في هذا المسلسل بتجرد وطني خالص، متشبعين بقيم ومقاصد مرجعيتنا التعادلية، ومستحضرين واقع حال هذا القطاع الذي لا يزيد إلا تقهقرا وتدهورا؛

 واستطعنا والحمد لله فيما يتعلق بالنقط الخلافية الواردة في مشروع القانون الإطار:
أن نعطي لمفهوم التناوب اللغوي مضمونا وطنيا يأخذ بالتعدد وليس بالثنائية اللغوية كما كان في مشروع الحكومة، وأَلْحَحْنَا على الاحتفاظ للغتين الرسميتين للدولة بمكانتهما الأساسية في هذا التناوب، مع التأكيد على الوتيرة التدريجية التي تمكن من توفير الموارد البشرية الكافية من الأساتذة حتى يستفيد كل التلاميذ، أينما كانوا من منافع التدريس بالعربية والأمازيغية وباقي اللغات الحية. وتبقى العربية هي اللغة الأساسية للتدريس في مختلف المستويات؛

(واستطعنا كذلك) أن نواجه بكل حزم بوارد التراجع عن مجانية التعليم، ودافعنا عن هذا المكتسب المجتمعي للشعب المغربي، وترافعنا باسم المدرسة العمومية والطبقة الوسطى لكي لا يصبح التعليم سلعة وخدمة وجودة لمن يدفع أكثر، ونبهنا إلى أن تستعيد المدرسة العمومية دورَها كفضاء للتمازج الاجتماعي الذي هو شرط حاسم في تحقيق وديمومة العيش المشترك داخل المجتمع؛

(واستطعنا أخيرا) أن نترافع باسم أكثر من 70 ألف أستاذ من موظفي الأكاديميات من أجل حذف صيغة التعاقد من مشروع القانون الإطار، ولكي لا يصبح هذا النص سندا قانونيا لتكريس الهشاشة وعدم الاستقرار الوظيفي لأسرة التعليم، لا سيما وهي الحامل الرئيسي لمشروع الإصلاح الذي نعول على نجاحه.

أخواتي وإخواني؛

إننا اليوم، بصدد إصلاح التعليم، وهو ورش مفتوح ومعركة طويلة لن تحسم اليوم ولا غدا، ولا حتى باعتماد مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومته، ولكنها تحتاجُ منا الثباتَ على المبادئ والقيم الاستقلالية، والتشبع بالنفس النضالي المتجدد، وروح النقد الذاتي الذي لا يعني جلد الذات وانتحار الحيتان، وإنما النقد الذاتي كممارسة واعية وعقلانية مبنية على التحليل والتقييم الموضوعي بعيدا عن الأحكام الجاهزة والمواقف الانفعالية؛

وسنبقى في حزب الاستقلال متصالحين مع رصيدنا وذاكرتنا، بإنجازاتها الجليلة وكذا بمشاريعها التي لم تكتمل أو لم تتحقق لسبب أو لآخر، وسنظل مفتخرين باجتهادات نساء ورجالات حزبنا في بناء مغرب مستقل ووحدة وطنية وترابية منيعة، وهوية مغربية متنوعة ومتجانسة، ومشروع مجتمعي ديمقراطي وتعادلي؛

ونحن مدعوون اليوم إلى مواصلة العمل على درب النضال والاجتهاد بإذكاء قدراتنا الجماعية كاستقلاليات واستقلاليين على الإبداع والاقتراح وبلورة الحلول والبدائل في مواكبة تحولات المجتمع المغربي الذي سنظل في خدمته، والترافع عن حاجياته الحقيقية وانتظاراته المشروعة.